طغت التحركات الدبلوماسية مؤخرا على المشهد الليبي في ظل تواصل المساعي الإقليمية والدولية لوضع حد للأزمة المتفشية في البلاد منذ سنوات، وبالتزامن مع ذلك يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية باتت تبحث جديا زيادة مشاركتها الدبلوماسية والعسكرية في الساحة الليبية من بوابة دعم حكومة الوفاق.
وفي ظل الحديث المتصاعد حول مخاوف محلية ودولية من تحول ليبيا إلى بؤرة دائمة للتنظيمات الإرهابية التي تسعى لإستغلال وضعية الإنقسام الداخلي وغياب الدولة، يتواصل مسلسل التدخل الأمريكي في الساحة الليبية تحت ذريعة محاربة هذا الخطر الذي يتعدى حدود ليبيا ليشمل دول المنطقة والعالم.
وجاءت تصريحات قائد القيادة العسكرية الأمريكية فى إفريقيا (أفريكوم)، الجنرال توماس والدهاوسر، الثلاثاء 19 مارس 2019 ، لتؤكد اصرار القيادة الأمريكية على التواجد في ليبيا تحت ذريعة محاربة الارهاب.حيث قال والدهاوسر إن قواته ترصد وتستهدف فلول تنظيم "داعش" الإرهابي في ليبيا، بالتنسيق مع حكومة الوفاق الوطني.
وجاء ذلك خلال لقاء جمع الجنرال والدهاوسر برئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، فائز السراج.ووصل والدهاوسر إلى العاصمة الليبية طرابلس، في زيارة غير معلنة، وذكرت وسائل إعلام محلية، أن ولد هاوز وصل على متن طائرة عسكرية أمريكية، يرافقه السفير الأمريكي لدى ليبيا بيتر بودي، تحت حراسة أمنية مشددة من قبل عناصر القوات الخاصة الأمريكية.
وبين المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي أن الزيارة تأتي في إطار نهج التشاور المنتظم الذي اقره البلدين حول مستجدات الأوضاع في ليبيا والقضايا ذات الاهتمام المشترك.وبحث السراج مع ، الجنرال توماس والسفير بيتر بودي عدداً من البرامج المتفق بشأنها للمساعدة في تأهيل المؤسسات الأمنية، وتطوير قدرات القوات المسلحة الليبية، وما يمكن لـ"افروكوم" تقديمه في مجالي التدريب وتبادل المعلومات.
وأعرب السراج عن تقديره لالتزام الولايات المتحدة بدعم حكومة الوفاق الوطني والمسار الديمقراطي في ليبيا.وأشار المكتب الاعلامي إلى أن السراج ووالدهاوسر اتفقا على دعم خطة المبعوث الأممي غسان سلامة لترسيخ المسار الديموقراطي من خلال انتخابات تشريعية ورئاسية يمهد لها مؤتمر وطني جامع.
ومن جانبه أشاد الجنرال والدهاوسير، خلال اللقاء، بجهود حكومة الوفاق الليبية لتحقيق الأمن والاستقرار ومحاربة الإرهاب في ليبيا.وأشار إلى أن قوات أفريكوم تتابع وترصد فلول تنظيم داعش الارهابي وتستهدفها عسكريا بالتنسيق مع حكومة الوفاق في إطار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
ويأتي اجتماع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبي، فايز السراج، مع الجنرال توماس وولدهاوزر، بالتزامن مع التطورات العسكرية المُتلاحقة التي تشهدها ليبيا من خلال تقدم الجيش الوطني الليبي على الأرض وسيطرتها على أغلب مناطق الجنوب، وتواصل التحركات السياسية التي تستهدف رسم ملامح المرحلة المقبلة في ليبيا من خلال التحضير للملتقى الجامع والذهاب للانتخابات.
وتتجه حكومة الوفاق مؤخرا للبحث عن الدعم ومحاولة لإقناع أصحاب القرار على المستوى الدولي بالوقوف في صفها، حيث يرى مراقبون أن السراج يُحاول الاستقواء بالولايات المتحدة لتغيير موازين القوى العسكرية في ليبيا، لصالحه وفق معادلات جديدة يُحدد الواقع الميداني اتجاهها بأبعادها السياسية المُختلفة.
وفي فبراير الماضي، ناشد رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج الجنرال توماس والدهاوسر، قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، بزيادة وتوسيع نطاق التنسيق الأمني والعسكري مع الأجهزة العسكرية والأمنية الليبية، وألّا يقتصر التعاون الاستراتيجي على مكافحة الاٍرهاب. وطالب السراج على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن الجنرال توماس والدهاوسر بإعداد برنامج تدريبي ميداني لوحدات عسكرية خاصة بالاستعانة بمدربين من "الأفريكوم.
وأثارت مطالبة رئيس المجلس الرئاسي، فائز السراج، لقوات "أفريكوم"، زيادة وتوسيع نطاق التنسيق الأمني والعسكري مع الأجهزة العسكرية والأمنية الليبية، وأن لا يقتصر التعاون الاستراتيجي على مكافحة الاٍرهاب بل يشمل دعم وبناء القدرات والتدريب، الكثير من علامات الاستفهام خاصة وأنها جاءت في فترة تصاعد فيها التوتر بين حكومة الوفاق والجيش الوطني الليبي وهو ما أعتبر محاولة من السراج بكسب الدعم الأمريكي ضد الجيش الليبي.
وتحرص أمريكا على تقديم الدعم لحكومة الوفاق الليبية، والذي بدأ فى مطلع شهر أغسطس 2016، حين شنت القوات الأمريكية هجمات جوية على ما وصفته بمعاقل تنظيم "داعش" فى سرت بليبيا بطلب رسمى من حكومة الوفاق الوطنى الليبية لتكون تلك العمليات العسكرية الأمريكية هى الأولى التى يتم تنفيذها بالتنسيق "المعلن" مع حكومة الوفاق.
ونفذت قيادة أفريكوم الكثير من العمليات العسكرية في ليبيا، تحت عنوان استهداف مُسلحي التنظيمات الإرهابية منها القاعدة وداعش. وشهدت تلك الغارات جدلا كبيرا حول مدى دقتها وصحة أهدافها، كما ألقت الضوء على مدى جدية التنسيق بين حكومة الوفاق وأفريكوم، والذي يرى كثير من المتابعين للشأن الليبي بأنه شكلي حيث أثبتت الغارات الماضية أن الحكومة الليبية لا تعلم بتفاصيلها إلا بعد وقوعها.
فرضية زاد تأكيدها في أعقاب نفي القوات القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، تنفيذها لغارة جوية في منطقة أوباري بجنوب ليبيا، في فبراير الماضي، وهو النفي الذي أحرج بشدة حكومة الوفاق التي أعلنت عبر محمد السلاك الناطق الرسمي باسم رئيس المجلس الرئاسي، إن القصف الجوي الأميركي لضواحي مدينة أوباري كان في إطار التنسيق المستمر، والعلاقة الاستراتيجية بين ليبيا وأميركا في حربهما على الإرهاب.
وإعتبر مراقبون أن حكومة الوفاق حاولت إستثمار الغارة الجوية التي إستهدفت عناصر إرهابية تنتمي لتنظيم "القاعدة"، في محاولة لإثبات وجودها في منطقة الجنوب الليبي الذي باتت أغلب مناطقه تحت سيطرة الجيش الليبي وذلك في إطار عمليات تطهير الجنوب التي إنطلقت في وقت سابق.
وتشير تصريحات المسؤولين الغربيين في أكثر من مناسبة إلى إستمرار الضربات الغربية في ليبيا ضد التنظيمات الإرهابية التي مازالت تتواجد في الأراضي الليبية وخاصة في منطقة الجنوب التي تحولت بعد تحرير مدينة سرت ومدن الشرق الليبي الى ملاذ آمن ومركز لتجمع العناصر الارهابية الفارة التي تشكل خطرا على ليبيا والمنطقة عموما.
وكان الناطق باسم القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، أفريكوم، "مارك تشيدل"، توعد في مارس 2018، بالاستمرار في شن ضربات ضد الإرهابيين في ليبيا، نافياً أن يكون هذا إشارة لبداية حملة عسكرية أوسع.ووفق ما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أكد "تشيدل" أن الولايات المتحدة ستضرب الإرهابيين في حال تم رصد أماكن تواجدهم بهدف مكافحة الإرهاب في القارة الإفريقية.
ويشير البعض إلي أن التنسيق والتعاون بين حكومة الوفاق و"أفريكوم" ضروري لمكافحة الإرهاب في ليبيا، فيما يرى آخرون بأن قيام "افريكوم" بتنفيذ غارات في ليبيا يعد انتهاكا للسيادة الليبية، ويعلل هؤلاء ذلك بأن الجيش الوطني الليبي تمكن من محاربة الإرهاب في شرق البلاد وجنوبها وتمكن من دحر أبرز معاقل الارهابيين وهو ما يعني انه (الجيش) قادر على مكافحة الإرهاب بنفسه دون تدخل خارجي.
ومنذ منتصف يناير الماضي، أطلق الجيش الوطني الليبي عملية عسكرية لتحرير الجنوب الليبي وذلك في خطوة ستكون هامة جدا في اطار تطهير كامل البلاد. كما ستكون بحسب المراقبين انتصارا جديدا للجيش الليبي ينضاف الى انتصاراته السابقة التي جعلت منه محل تأييد محلي واسع واشادة دولية بدوره الرئيسي في اعادة الأمن والاستقرار الى هذا البلد الممزق.
وتشير التحذيرات المتجددة إلي أن "داعش" لا يزال يمثل تحدياً كبيراً، ليس لليبيا، التي يجتمع فلوله على أرضها فحسب، وإنما لدول الجوار، وهو ما عبّر عنه مسؤولون إقليميون.وبالرغم من نجاح الجيش الليبي في الحاق الهزائم المتتالية بالتنظيمات الارهابية وسعيه لتطهير كامل الأراضي الليبية، فإن ذلك لا يمنع القوى الغربية مواصلة التدخل في البلاد عبر بوابة حكومة الوفاق.