أجرت المجلة اللبنانية "لها " المختصة بشؤون المرأة العربية حوارا مع احدى النساء التونسيات التي تعرضت الى العنف على يد زوجها الذي أقدم على فقء عينيها.

 وتحدثت الضحية عفاف البجاوي  وهي سيدة في العقد الثالث، زوجة وأم لابنتين الى مجلة "لها" وقالت: «تزوجت بعد قصة حب استمرت ست سنوات من شخص كان يعمل في مقهى مجاور لمنزلنا. فتحي كان يكبرني بتسع سنوات وصادف أن رآني أخرج من منزلنا وتابعني بنظراته ومن ثم حاول التقرب مني. وبعد محاولات فاشلة أرسل صديقه ليكلم والدتي التي رفضت في البداية ولكنها وافقت أمام إلحاحه».

أضافت: «عشنا قصة جميلة وتقدم لخطبتي ووافق والدي وبدأنا رحلة التحضيرات للزواج التي طالت بسبب ظروفنا المادية 6 سنوات. وتزوجنا أخيراً عام 2000 وعشنا في غرفة صغيرة في بيت أهل زوجي. لم تكن لدي أي طلبات أو شروط وكان قربه يكفيني. كان حنونا في البداية ويسعى ليوفر لي كل ما احتاجه رغم الفاقة».

لكن عفاف لم تنكر أنها لمست ردود فعل عنيفة من زوجها قبل الزواج: «كان يمارس معي العنف المعنوي قبل الزواج اذ انه سريع الغضب وسريع التأثر بأوامر عائلته. الا أنني لم ألقِ لذلك بالا لأنه في المقابل كان يعتذر بسرعة وينتهي الموضوع بالصلح».

تضيف: «في بداية الزواج كانت علاقتنا ممتازة. كان يعمل وكُنت اعمل بدوري في أحد مصانع الخياطة. وبدأت المشاكل تدب بيني وبين أهله الذين لم يحبوني يوما. وبمجرد إنجابي لابنتي سحر انتقل العنف الممارَس ضدي من معنوي إلى مادي، فبدأ يلكمني او يصفعني لأسباب تافهة. وأصبح يثور ويضربني باستمرار. وكٌنت في كل مرة اغضب وأعود إلى بيت أهلي وسرعان ما يأتي معتذراً ويقبل يديّ لكي أعود معه وبالفعل أعود وليتني لم أفعل».

توقفت عفاف عن الكلام لبرهة وتكلمت بدلاً منها العبرات وسرعان ما مسحت دموعها لتواصل حديثها: «يوم زفاف شقيقته اختلق مشكلة تافهة معي. وبعد أن صعّدت معه لهجة الحوار أمسك بسكين المطبخ وركض خلفي مهدداً بقتلي، فأغلقت على نفسي باب غرفتي واتصلت بوالدي الذي أتاني مسرعاً وخلّصني من قبضته. وكانت سحر صغيرة وممسكة بطرف فستاني ولم يرحم دموعها ولا توسلها له ليتركنا. حينها أيقنت ان هذا الإنسان تجرد من الرحمة وحتى دموع ندمه اللاحقة لم تعد تهمني أو تؤثر فيّ. وكنت أعود إليه فقط من أجل ابنتي».

ترى عفاف أن أزمتها الحقيقة بدأت حين أصبح فتحي عاطلا عن العمل، فقد كثرت المشاكل بينهما، وسرعان ما أنجبت عفاف ابنتها الثانية سلسبيل التي لم تكن محل ترحاب والدها إذ اعتبرها عبئاً جديداً أضيف إلى أسرته الصغيرة.

تقول الضحية: «مع ذلك لم أستسلم للواقع وحمست فتحي ليهاجر إلى ايطاليا مثل أصدقائه عله يجد هناك عملاً ويستقر ونسافر لاحقاً أنا وابنتاي معه. ووافق أمام إلحاحي فبعت كل ما أملك من ذهب وأثاث وحتى ملابس حتى أجمع له ثمن تذكرة السفر والإقامة حتى يجد عملاً وفعلاً سافر».

خمس سنوات هو عدد الأعوام التي ترك فيها فتحي عائلته وعفاف تمني نفسها بالبيت الواسع وبالسيارة الفارهة والحياة السعيدة التي سيوفرها لها زوجها المهاجر إلى ايطاليا. وظلت طوال تلك الفترة تعيش في  غرفة صغيرة في بيت أهله الذين كانوا يعاملونها معاملة سيئة وبدأوا ينسجون حولها الشائعات فيقولون لفتحي إن زوجته بدأت تربط علاقات مع شباب الحي. وبما انه لا يقوى إلا على تصديق عائلته بدأ الشك يتسرب إليه شيئاً فشيئاً.

 وفجأة قرر فتحي العودة وقلبه مليء بالشك، وبدأ يترصد خطوات زوجته ويتابع تحركاتها حتى جاء موعد زواج شقيق عفاف، فدخل الى  منزلهما ووجد عندها امرأة تزين لها يديها بنقوش «الحرقوس»،فخرج من بيته غاضباً ظناً منه ان عفاف تتزين لغيره. وبدأ الشيطان يوسوس له وسرعان ما عاد أدراجه مسرعاً لبيته فوجدها مستلقية في بيتها تنتظر ان يجف «الحرقوس» على جسمها.

في تلك اللحظة، شعرت عفاف بأن عودة زوجها لم تكن بريئة فقد بدا كالثور الهائج. تجاهلته عفاف في البداية لم تتوقع أن تكون ثورته تلك بسببها وظلت عيناه تبحثان عن شيء في غرفتهما ثم انقض على "الشيشة" الخاصة به وسحب الحبل الغليظ منها وضربها به على رأسها مراراً حتى أغمي عليها. ثم ارتمى فوقها بكل قوته وبدأ يدخل أصابعه في عينيها وما ان استعادت وعيها حتى راحت تصرخ من الألم.

لم يهدأ فتحي الا بعد أن اخرج عيني عفاف الاثنتين من جحريهما وتركها تسبح في بركة من الدماء وخرج من بيته مزمجراً منتصراً لرجولته المزعومة.

سمعت سحر صراخ والدتها فركضت نحوها لتجدها غارقة في الدماء ... ساقتها خطواتها الى منزل جدها لأمها فأخبرته بالحادث، فهرع لإنجاد ابنته، وحين وصل وجد عفاف تسبح في دمائها ووالدة الجاني وأخته تنظران إليها دون رحمة او شفقة حملها والدها بين ذراعيه وخرج مسرعاً إلى أقرب مستشفى.

هنا تتدخل والدة عفاف لتقول: «لحظة وصولنا الى عفاف، قالت لنا والدة فتحي احملوا معها عينيها ودلتنا على مكانهما وهما مرميتان على الأرض. هكذا بكل برودة دم. وطوال الطريق إلى المستشفى كنا نظن ان عفاف ماتت لأن كمية الدم التي نزلت منها كبيرة جداً. وفور وصولنا أدخلها الأطباء غرفة العمليات وظلت فيها ست ساعات كاملة، بعدها خرجت الطبيبة لتخبرنا أن عفاف فقدت بصرها».

تحدثنا مع سحر التي لا تزال تحت تأثير الجريمة رغم مرور سنتين تقريباً عليها. تقول: «صورة أمي وهي تسبح في دمائها لم تفارقني لحظة. فعادة ما أصحو من نومي خائفة وكأن تلك الحادثة تعاود نفسها مرارا وتكرار في ذاكرتي».

وتضيف: «يوم الحادث كنت سعيدة لأننا كنا نحضر أنفسنا لعرس خالي، وكنت سعيدة بعودة أبي من إيطاليا. فقد غادر تونس وعمري خمس سنوات وعاد وأنا في العاشرة... ذهبت لشراء المثلجات وعدت الى منزلنا بخطوات بطيئة، وحين اقتربت من الباب بدأت أسمع صوت صراخ ظننت أن مصدره أطفال الحي الذين يحدثون عادة الكثير من الجلبة حين يلعبون كرة القدم في شارعنا. فتحت باب البيت فبدا لي أن الصراخ يخرج من غرفتنا في منزل جدي لأبي. وأسرعت نحو غرفتنا وفتحت الباب لأجد أبي واقفا أمام أمي التي تصرخ من شدة الألم فسألته: ماذا فعلت؟ فقال لي:هذا أمر بيني وبينها،  وقد أنهيته... وخرجت أركض كالمجنونة أستنجد بالجيران وبعائلة أمي»...

بعبارات طفولية صادقة تحدثت إلينا سلسبيل ذات الـ 11 عاما قائلة: «أبي لم يحبنا يوماً. كان قاسياً إلى درجة أنه كان يضربنا لأتفه الأسباب. أتذكر يوما أنه ضربني بشدة وبطريقة مهينة عندما رآني أشتري بعض الحلوى من دكان لبيع المواد الغذائية بدعوى أنني ما زلت صغيرة على الخروج وحدي، علماً أن الدكان يقع في شارعنا وقد تعودت على الذهاب بمفردي إليه».

أضافت: «كرهت أبي لأنه فعل هذا بأمي وجعلها تفقد إحساسها بالحياة. ولو كنت قاضية لحكمت عليه بالسجن المؤبد عقاباً له على فعلته... بعد الحادث بدأت أشعر بألم كبير في رأسي وفي بطني، وبدأت تطاردني الكوابيس ودائماً ما أحلم بأن أفراد عائلة أبي يركضون خلفي ويريدون اختطافي. وقال لنا الطبيب إنني أعاني من حالة نفسية تجعلني أشعر بالألم وسأبدأ العلاج لاحقاً».

عادت عفاف لتخبرنا أن القانون التونسي لم ينصفها لأنه «حكم على الجاني بخمس سنوات فقط سجناً رغم أن جريمته تستحق أكثر من ذلك بكثير». وتضيف: «المشكلة ان القاضي حكم عليه في البداية بخمس سنوات ثم عاد واسقط عنه سنة ليتبقى 4 سنوات فقط، مع ان القضية هي الشروع في القتل. فهو كان يهدف بفعلته تلك الى قتلى بدليل انه تركني في بركة من الدم وخرج من المنزل.

كما انه خلال جلسات الحكم والمقضاة لم يبدِ أي ندم على ما فعله بي، وقال في البداية للقاضي ان عائلته كانت سبب فعلته، معترفاً بأن والده ووالدته وشقيقته حرضوه على قتلي وقالوا له إنني أخونه مع شاب صغير في السن وأنني أصرف عليه. ولكنه سرعان ما غير أقواله خلال المحاكمة حتى لا يورط أهله في القضية».