في تطور مفاجئ وجديد، أعلنت حكومة الوفاق الليبية بسط سيطرتها على مدينتي صبراة وصرمان،بدعم تركي كبير كشف حجم تورط أنقرة في الصراع الدائر في البلاد.لكن الأخطر من ذلك كان حجم الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها القوات الموالية لحكومة السراج في المدينتين والتي تذكر بجرائم سابقة شهدتها مدينة غريان في وقت سابق.

رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق،ظهر بزهوة المنتصر ليعلن سيطرة قوات الوفاق على مدينتي صبراتة وصرمان فضلا عن أبوقرين، مؤكدا أنهم سيبسطون سيطرتهم على كامل ليبيا برا وبحرا وسماء.ولم يعرج السراج على فضيحة التدخل التركي العسكري العلني والسافر الذي ساعد المليشيات على الدخول الى المدينتين في مشهد يؤكد نوايا أنقرة المبيتة لإشعال صراع لا تُعرف نهاياته.

الكاتب التركي إسماعيل ياشا، أحد المقربين من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان،أكد  في تغريدة له، أن سرب من الطائرات المسيرة المسلحة في سماء صبراتة يفتح الطريق أمام قوات الوفاق لتحرير المدينة من الإرهابيين والمرتزقة، على حد زعمه.وأختتم الكاتب التركي التدوينة بالقول "صرمان حرة.. والدور على صبراتة" على حد قوله.

وبدا واضحا أن تركيا هي التي سيرت هذه المواجهة الأخيرة حيث استثمرت فيها أقصى ما عندها من الأسلحة الحديثة والتجهيزات وعززت قدرات قوات الوفاق بالطائرات المسيرة واستخدمت تكتيكات ترتبط بعضويتها في الناتو كما أنها وظفت امكانات التشويش المتطورة مما حيد سلاح الجو في الجيش الليبي يضاف الى ذلك الزج بالمرتزقة بكثافة لتنفيذ الخطط التركية.

وتحت غطاء الطائرات والاسلحة التركية كان خليط من العصابات والعناصر الارهابية والمرتزقة يتقدم للسيطرة على مدن كصرمان وصبراتة.وكشفت مشاهد الفيديو لاحقا أن إرهابيي القاعدة من مجالس شورى المناطق الشرقية الفارين من ضربات الجيش في بنغازي ودرنة وأجدابيا، كانوا يقاتلون جنبا إلى جنب مع مسلحي جبهة النصرة، ثم يتجهون إلى السجون لإطلاق نظرائهم في الإرهاب، تحت هتافات التكبير.

وكان من أبرز الوجوه خلال غزو صبراتة وصرمان الإرهابي فرج شكو عضو مايسمى مجلس شورى ثوار بنغازي والمبايع لتنظيم داعش وهو أيضًا عضو في مايسمى سرايا بنغازي التي بارك السراج سحقها في الهلال النفطي بل وبارك للقوات المسلحة تطهير بنغازي منها.وقد ظهر شكو في تسجيل اليوم من داخل مركز ومديرية الأمن في صبراتة قبل أن تأتي صور لاحقة ويتبين ان المكان قد أضرمت فيه النيران كعادة الجماعات الإرهابية.

كما ظهر أيضًا مهرب الوقود الشهير و المعاقب دوليًا عبدالرحمن ميلاد المكنى "البيدجا" وهو يقود إحدى السرايا التي شاركت في الهجوم بينما كان وزير داخلية الوفاق فتحي باشاآغا ينفي حتى وقت قريب تبعية البيدجا لحكومتهم.ليس ذلك فحسب بل أن باشاآغا قد أكد في أكتوبر الماضي بأن البيدجا مطلوب القبض عليه بأمر من النائب العام اضافة لكونه معاقب دوليًا.

ومن أبرز المطلوبين الذين ظهروا بالمدينة في تحد صريح للمجتمع الدولي الإرهابي "العمو الدباشي" قائد ميليشيات التهريب بصبراتة الضالع في الاتجار بالبشر.كما ضم الهجوم عدداً كبيراً من الإرهابيين المتورطين في جرائم قتل أبرزهم "عبدالله الطرابلسي" آمر ميليشيات الأمن العام المتورطة بجرائم عديدة أحدثها قتل شابين من منطقة غوط الشعال بالعاصمة طرابلس.

وأيضًا ظهر المطلوب الآخر زعيم مليشيات التهريب قاطبة في المنطقة الغربية ، محمد العربي كشلاف المكنى "القصب" وهو الآخر تزعم حكومة الوفاق عدم تبعيته لها رغم أنه كان ولايزال مسيطرًا على مصفاة النفط في الزاوية.وعلاوة على ذلك أظهرت الفيديوهات المتداولة مرتزقة سوريون وىخرون من دول الصحراء الكبرى،ليكوّنوا ما أسماه السراج "القوات المسلحة" التي تعمل تحت غطاء الغزو التركي.

هذا الخليط المخيف من المقاتلين كان لا بد أن ينتج فضائع كبيرة وهو ما حدث سريعا،حيث نفذت المليشيات التابعة لحكومة الوفاق إعدامات جماعية وفردية في شوارع مدينتي صبراته وصرمان.ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن شهود عيان، ان العديد من رجال الأمن والمواطنين ضُربوا وسحلوا في الشوارع، قبل أن تتم تصفيتهم بدم بارد في مدينتي صرمان وصبراته، بعد دخول المليشيات إليهما، بدعم تركي مباشر.

وقال الناشط السياسي من مدينة الزاوية القريبة محمود فحيل البوم، "إن المليشيات نفذت عمليات سرقة ونهب وإعدام في المدن التي سيطرت عليها، لأن هذا اسلوبهم، فعندما ينتصرون يتوحشون ويرتكبون أفعالا يندى لها جبين الإنسانية ".وأوضح في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "المليشيات أحرقت وسرقت   مراكز الشرطة ومقر مديرية الأمن في صبراته وصرمان، واعدمت أنصار الجيش الوطني الليبي في الميادين والشوارع، بعد أن أحرقوا بيوتهم وسرقوا معارض السيارات والمحلات التجارية"؛ وفق تعبيره.

من جهته،أكد عضو مجلس النواب علي السعيدي أن التشكيلات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق قامت بالتنكيل بأهالي صبراته حيث أحرقت المساكن وقامت بالعبث بالمرافق العامة واغتالت مراقب التعليم في مدينة صرمان محمد عباس.وأضاف السعيدي في تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية أن حكومة الوفاق الداعمة لهذه التشكيلات المسلحة تهدف لتمزيق وتشتيت ليبيا ودعم الإرهاب برعاية تركية.

وقوبلت هذه الانتهاكات والجرائم بغضب وتنديد كبيرين في الأوساط الليبية،حيث أكد المجلس الأعلى لمشائخ وأعيان ليبيا إن ماقامت به ماوصفها   عصابات الشر في صبراته وصرمان دليل على أن المعركة معركة ضد الارهاب وبقايا فلوله الهاربة من بنغازي وكل الجماعات المتحالفة معها من رهابيين وغزاة أتراك.وأضاف المجلس في بيان إن ماقامت به تلك القوات من عمليات حرق المنازل والقتل، لدليل على توجهاتهم الارهابية والدموية ،مؤكدا أن الشعب الليبي سيكون لهم بالمرصاد.

وبدوره أدان المجلس الأعلى لقبائل الأشراف والمرابطين، بشدة ماوصفه  القصف التركي الغادر الذي تتعرض له المدن والقرى في المنطقة الغربية، والانتهاكات التي ترتكبها عصابات حكومة الوفاق بحق المدنيين والآمنين.وقال المجلس إنه يستنكر ، بأشد عبارات الشجب والاستنكار؛ هذه الممارسات الإرهابية ، وحمل مسؤولية ما جرى من أحداث للبعثة الأممية، والمجتمع الدولي وجميع المنظمات ذات الصلة".وأكد المجلس الأعلى لقبائل الأشراف والمرابطين، على ضرورة القيام برفع قضايا قانونية أمام المحاكم الدولية، ضد الدول التي تسببت في تدمير الدولة الليبية، على رأسها دولتي قطر وتركيا.


وفي ذات السياق،حمل رئيس المجلس الأعلى لقبائل ومدن الجنوب، علي مصباح أبوسبيحة، رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج مسؤولية عمليات الذبح ولقتل التي ارتكبتها التشكيلات المسلحة التابعة للوفاق في مدن المنطقة الغربية.وحذر بوسبيحة في رسالة عبر صفحته بموقع "فيسبوك"،السراج من المحاكمة أمام الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في المدن التي سيطروا عليها مثل صرمان وصبراتة.

ويذكر ما حدث في صبراتة وصرمان بالجرائم والانتهاكات التي شهدتها مدينة غريان،أواخر يونيو الماضي،حين تمكنت حكومة الوفاق من بسط سيطرتها على المدينة (80 كيلومترا جنوب غربي العاصمة طرابلس)،التي كانت قوات الجيش الوطني الليبي،تسيطر عليها، وتتّخذها مقراً لقيادة عملياتها العسكرية.

وشهدت حينها مدينة غريان انتهاكات جسيمة على يد المليشيات المسلحة،وتداول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لعملية تحقيق "مهينة" مع جرحى الجيش الوطني في مستشفى غريان العام، مشيرين إلى تصفية العديد من الجرحى والتنكيل بالجثث من قبل عناصر متشددة من ضمن مجلس شورى بنغازي وتنظيم أنصار الشريعة وميليشيات مصراته.

وأكدت تقارير اعلامية أن منطقة القواسم عمليات انتقامية استهدفت قتل كل من هو عسكري ودهس عدد منهم بالسيارات، فيما شملت عمليات الاعتقال والتعذيب المواطنين الداعمين للقوات المسلحة الليبية، حيثُ جرى حرق منازل مواطنين داعمين للجيش الليبي.وداهمت عناصر ميليشياوية مستشفى غريان العام بعد السيطرة على المدينة وانسحاب قوات الجيش منها، وأقدمت على تصفية الجرحى والتنكيل بالجثث عبر ضربها بالأحذية وإلقائها في حاويات القمامة.

جرائم المليشيات في غريان لقيت تنديدا من المنظمة الليبية لحقوق الإنسان،التي أعربت عن استنكارها الشديد لما وصفته بالانتهاكات الجسيمة والخطيرة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بتصفية الجرحى الذين يتلقون العلاج بمستشفي غريان المركزي.وأوضحت المنظمة، في بيان أصدرته أن هذه الجريمة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، مخالفة لاتفاقيات جنيف لعام 1949 م بشأن حماية المدنيين والجرحى ومن توقف عن القتال في النزاعات المسلحة الدولية والغير دولية، حيث يعتبر هذا العمل الإجرامي مخالفا لكل الأديان السماوية وديننا الإسلامي علي وجه الخصوص.

ويأتي الهجوم الأخير على صبراتة وصرمان في اطار عملية "عاصفة السلام" التي أطلقتها حكومة الوفاق منذ نحو أسبوعين في خرق واضح للهدنة الدولية التي اقترحتها عدة دول لمواجهة فايروس كورونا منتصف مارس الماضي، والتي كانت هذه الحكومة أول من أعلن موافقته عليها ليتبين جليا أن الهدنة كانت مجرد ستار وكسب للوقت لمزيد من التحضير للهجوم.

فخلال الأسابيع الماضية، اكتفى الجيش الليبي بالرد على هجمات من قبل المرتزقة الأتراك والميليشيات المسلحة، سواء في ضواحي طرابلس الجنوبية أو في محاور جنوب شرق مصراتة، وذلك بسبب التزامه بالهدنة الإنسانية التي فرضتها القوى الإقليمية والدولية، لكن الوجود التركي كان يزداد كثافة فطيران أردوغان المسير انطلق ليغطي سماء المنطقة الغربية من بني وليد وترهونة، إلى عين زارة فقاعدة الوطية.

وبالتزامن مع ذلك كان المزيد من المرتزقة يتوافدون على الأراضي الليبية،وأعلن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن أن دفعة جديدة من مقاتلي الفصائل الموالية لأنقرة قامت تركيا بنقلهم إلى ليبيا، حيث وصل عشرات المقاتلين السوريين للمشاركة بالمعارك إلى جانب حكومة الوفاق ضد الجيش الوطني إذ تتواصل الاشتباكات العنيفة بين الجانبين على محاور عدة داخل الأراضي الليبية.


والأحد، قال المتحدث الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي اللواء أحمد المسماري، إن "تركيا لا تزال تضخّ المرتزقة السوريين في ليبيا"، مضيفا أنه "تم رصد وصول 1500 إرهابي إلى ميناء طرابلس قادمين من موانئ تركيا"، لافتا إلى أن "هناك أسلحة تدخل إلى ميليشيات طرابلس على الرغم من قرار مجلس الأمن بحظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا".

وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان،أفاد السبت 11 أبريل/نيسان، بأن دفعة جديدة مؤلفة من 150 عنصراً على الأقل من فصيل "السلطان مراد"، انطلقت خلال الساعات والأيام القليلة الماضية، من مركز مدينة عفرين وتوجهت بواسطة باصات نقل تركية إلى الحدود، كما انطلقت مجموعات أخرى تضم العشرات من مدينتي جرابلس والباب إلى نقطة التجمع في منطقة حوار كلس، حيث وصل نحو 300 عنصر من فصائل السلطان مراد ولواء صقور الشمال وفيلق الشام إلى ليبيا.

وأرسلت تركيا، على مدى الأشهر الماضية، الآلاف من المرتزقة السوريين إلى ليبيا من بينهم عناصر متطرفة من جبهة النصرة وتنظيم داعش، لمعاضدة حكومة الوفاق وسط صمت دولي مريب.ولم يدخر المجتمع الدولي منذ إطلاق الجيش لعملية السيطرة على طرابلس أي جهد لإصدار بيانات تحذر من قصف المدنيين، وهي البيانات التي اختفت منذ نحو أسبوعين رغم استهداف الطيران التركي المسيرِ مواقعَ مدنية.

ويمثل ما وقع في مدينتي صبراتة وصرمان خطرا وتحديا كبيرين ليس على الداخل الليبي فقط وانما على المنطقة ككل،حيث تضم المدينتان عدة سجون تضم مئات من قيادات وعناصر الجماعات الإرهابية المصنفة دوليا والتي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية،والتي يعتبر اطلاق سراحها بمثابة عودة للسنوات الماضية واحياء للتنظيمات الارهابية التي تمثل خطرا على النسيج الليبي،وتهديدا لدول الجوار المنشغلة بأزماتها، وللأوروبيين الذين سيجد الإرهابيون طريقا إليهم عبر قوارب الهجرة السرية.