مصطفى قطبي*

مع بداية المشاورات لتشكيل حكومة جديدة في المغرب، والتي يرأسها التجمعي "عزيز أخنوش"، ما من شك أنّ في أجندتها الكثير من القضايا التي على جدول أعمالها سواء على صعيد تحقيق النمو الاقتصادي المرغوب والتنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية المتوازنة وتأمين فرص عمل للأعداد الهائلة من العاطلين عن العمل وتحريك الركود الاقتصادي والاستفادة من الموارد المتاحة هذا من جانب، ومن جانب آخر ضرورة العمل على تحسين القوة الشرائية من خلال ضبط الأسعار. فان ثمة خطة طريق نحو التنمية الشاملة والقضاء على الفساد والتركيز على مبادئ الشفافية والنزاهة والحوكمة الإدارية، كما أن البرلمان المغربي يعد من الأدوات التشريعية الهامة لصياغة مستقبل المغرب في المرحلة القادمة بخاصة وأن هناك تحديات حقيقية تواجه المغرب على صعيد الداخل وحتى على صعيد الإقليم. فالذين يحملون أعباء الوزارات المختلفة، وأقول أعباء: لأنّ الحمل ثقيل، والفترة صعبة، والتحديات كثيرة، ومن يستلم منصباً عاماً تحت الظروف الوطنية الاقتصادية السائدة فهو مناضلٌ حقيقي. 

وهنا أقول لا لزوم للتذكير بأن المواطن المغربي لا تعنيه الأرقام... فماذا تفيد المواطن الأرقام... وهو يلمس أسعار الخضر في ارتفاع، والحفر أمام بيته في تزايد، والعشوائيات يتقاسمها مع الحيوانات... هموم المواطن المغربي سهلة وبسيطة: تعليم أولاده، صحة عائلته، مستقبل عمله وراتبه، وأولاً وأخيراً الأمن والأمان والاستقرار. فالحكومة الجديدة أداة لتنفيذ سياسة الدولة، وأهم لحمة لها هي العمل كفريق: تكامل الخبرات، وتضافر الإمكانيات، وتكافل الجهود، فأهم مركب كيماوي نستعمله في الحياة ''ملح الطعام'' هو مزيج لسمّين قاتلين، وأفضل السبائك هي من معادن مختلفة تأخذ السبيكة كل مزاياها، ولا ننسى ضمن تعريف فريق العمل: مجموعة من الوزراء، يعملون لتحقيق هدف واحد، ضمن سياسة معروفة، وهنالك تقييم للأداء، وهم يقدّرون الاختلافات ما بين بعضهم البعض، والنقطة التي تليها من حيث الأهمية أن الوقت لا يسمح بترف الفرص الضائعة، فالحلول إسعافية والشعب المغربي في حالة ترقب وانتظار. وأهم الموضوعات التي تهم المواطن المغربي: الفساد فهو عيب، وعار، وبمثابة خيانة للوطن، يجب عدم الاقتراب من شبهاته، ومحاربته لدى كافة المؤسسات، ‏ولعل السؤال الذي يفرض نفسه: ماذا ينتظر المواطن المغربي من رئيس الحكومة الجديد ''عزيز أخنوش"...؟ !؟ 

على الصعيد الداخلي فان هناك إرثا كبيرا لا بد من معالجته، وأن تكون هناك رقابة صارمة على المؤسسات وأن يكون هناك إصلاح اقتصادي حقيقي يستفيد منه الشعب المغربي في ظل وجود ثروات معدنية وسمكية... علاوة على أن المغرب يمكنه أن يلعب دورا مهما على الصعيد السياحي، فالمغرب به مقومات طبيعيه فريدة علاوة على صحرائه الممتدة وسواحله الطويلة، ومن هنا فان الإصلاح الاقتصادي وهياكل الدولة سوف يجعل من المغرب بلدا متقدما في كل المجالات... بالتأكيد فالشعب المغربي لا يريد من حكومة ''عزيز أخنوش" أن تحقق المعجزات، إنما يطالبها بالوفاء ببرنامجها الانتخابي، والتعاطي بمرونة وواقعية مع متغيرات العصر الذي يعيشه المواطن المغربي. فالمغاربة على اختلاف مشاربهم الاجتماعية وانتماءاتهم السياسية ينتظرون حلولاً لمشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية ويطمحون لقليل من القول ولكثير من الفعل، وهذا لن يتحقق إلا بحكومة مسكونة بالهمّ الوطني، ومستوعبة لكل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه المغرب، حكومة إقلاع وطني، بل حكومة إعلان حرب على الفساد والفوضى والتسيب واللامبالاة والرشوة، حكومة عنوانها ترسيخ سيادة القانون وبناء دولة المؤسسات من خلال ما يلي: ‏ 

أولاً: أن يكون مشروع برنامج الحكومة الجديدة الاقتصادي والإجتماعي مرجعية لعملها ونشاطها، وأن تعتمد الحكومة هذا البرنامج بمنطلقاته وأهدافه وآلياته، وأن تتغلب على التحديات الاقتصادية والاجتماعية. 

ثانياً: أن تعنى الحكومة بالقضايا المعيشية للناس، لاسيّما ما يتعلق منها بالصحة من خلال شمولية مظلة التأمين الصحي وتحسين الخدمات الصحية لاسيّما في المستشفيات الحكومية ومراقبة أداء المستشفيات الخاصة التي تحوّل بعضها إلى حيتان ضخمة، والتعليم الذي يحتاج إلى عملية جراحية تستأصل أورامها السرطانية بطريقة تعاطيها مع انتشار الخدمات التربوية التعليمية وتنافسيتها وتعليمات وإجراءات الترخيص للمؤسسات التعليمية الخاصة. ‏ 

ثالثاً: إعادة النظر في طريقة توزيع الدخل الوطني، وإعادة توزيعه توزيعاً عادلاً بين المواطنين من خلال تبني سياسة ضريبية عادلة، و جسر الفجوة بين الأسعار والأجور، عبر اعتماد سلم متحرك يحقق التوازن بين الدخل والإنفاق. ‏ 

رابعاً: أن تستأصل الحكومة الجديدة الفساد من جذوره الذي اتسعت مساحته في ظل حكومة "العثماني" السابقة، ومكافحة الفساد، وليس بالمعجزة بل من السهولة بمكان التصدي له إذا ما أحسنت الحكومة الجديدة استثمار الموارد الطبيعية والطاقات البشرية على نحو أمثل ووضعت الشخص المناسب في المكان المناسب وشجعت العناصر الكفأة وخلقت لهم المناخ المناسب للإبداع والتميز لا محاربتهم وتثبيطهم وتنفيرهم والقضاء عليهم وعلى إمكانياتهم، فضلاً عن تبني الشفافية والمكاشفة والمصارحة وممارسة نشاطها من فوق الطاولة وليس من تحتها، وتطبيق بحزم المحاسبة الصارمة والعقوبة الزاجرة بحق كل من ينتهك القوانين المعمول بها في المغرب. ‏ 

خامساً: إنجاح ما بين أيدي المغرب من مؤسسات عامة تطويراً وتحديثاً، على قاعدة عقلنة الاقتصاد المغربي، ومعالجة الاختلالات البنيوية التي تُملي على الحكومة الجديدة ضرورات التوجه إلى تحقيق التوازن الاقتصادي بين الإنتاج والاستهلاك وبين الادخار والاستثمار وبين الصادرات والواردات، وذلك من خلال إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني وترتيب أولويات التنمية المستدامة. ‏ 

سادساً: تسببت الحكومة السابقة في تعميق ظاهرة الاستقطاب الاجتماعي بصعود شرائح اجتماعية اغتنت بطرق غير مشروعة وهبوط الطبقة الوسطى إلى الأسفل، فأضحت الندرة من نصيب الفقراء والوفرة من نصيب الأغنياء والعدالة تفترض إما أن يتساوى الناس في المظالم، وإما أن يتساوى الناس في المغانم، ومسؤولية الحكومة الجديدة أن تحقق العدالة على قاعدة الحقوق والواجبات. ‏ 

سابعاً: في الوقت الذي أخفقت فيه الحكومة السابقة في تفكيك البيروقراطية التي استفحلت في مؤسسات الدولة وأعاقت الحركة إلى الأمام، فإن الحكومة الجديدة مطالبة وعلى عجل أن تطبق برنامجاً إصلاحياً إقتصادياً وإجتماعياً وإدارياً، سواء من حيث المشاريع، لتحديث وتطوير الأداء الإداري، أو من حيث إعادة هيكلة المؤسسات والوزارات ودمجها وبما يؤدي إلى إنهاء تعددية الجهات الوصائية وتفعيل دور الأجهزة الرقابية والتوجه نحو ابتكار آليات جديدة تتكامل في إطارها الرقابة الوقائية مع الرقابة اللاحقة. ‏ 

ثامناً: تطوير التشريع الضريبي المعمول به حالياً في البلاد، بما يستجيب لاستحقاقات الدورة الاقتصادية، وتحويله إلى أداة مالية فعالة بيد الحكومة، فعندما تستشعر أن اقتصاد البلاد يعاني من الركود الاقتصادي، فإن بوسعها أن تلجأ إلى تخفيف العبء الضريبي على المكلفين من جهة وترفع من معدلات الإنفاق الحكومي من جهة أخرى، وإذا ما وجدت الحكومة أن اقتصاد البلاد في حالة انتعاش فإن بإمكانها أن تعتمد سياسة ضريبة مغايرة للأولى. ‏ 

تاسعاً: على الحكومة الجديدة حسم خياراتها فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي بالمفاضلة بين السياسة الانكماشية والسياسة التوسعية وفقاً للمصلحة الوطنية في معالجة الظروف الاقتصادية الراهنة، فلكل منهما ايجابياته وسلبياته وآلياته ومخاطره. ‏ 

النقطة الأخيرة هي غلاف لكل النقاط الواردة فيما تقدم، ومفادها أن إصلاحات التغيير المطلوبة ليست إصلاحات معيشية واقتصادية فقط، بل إنها إصلاحات شاملة، وعلى رأسها الإصلاحات السياسية، فالمطالب المعيشية والاقتصادية طفت على السطح لأنها تمس الناس مسّاً مباشراً في حياتهم ومعيشتهم وحقوقهم المباشرة من وظيفة وزواج ومسكن، وفي تقديم المطالب الاقتصادية المعيشية ... فسياسة فتح القلوب والعقول هي ما يحتاجه المغاربة، لأن المغرب للجميع يحتاج أبناءه ليتقدم لا ليدمر، ويحتاجه أبناءه ليبقوا لا لأن يألفوا حياة اللا أمان. وللحقيقة فلابد أن ينظر المواطن المغربي بتفاؤل إلى المستقبل، وإلى حزمة الإجراءات والقرارات التي تصب في مصلحة كل المغاربة... لكن لابد أيضاً من التأكيد على أن المطلوب أن تكون سياسة الحكومة الجديدة متكاملة وتعكس برنامج الإصلاح الثوري الذي ينتظره الشعب المغربي قاطبة، والذي سيشكل بوصلة الأداء في المرحلة القادمة، لتحديد السياسة الاقتصادية للدولة والتوجهات الأساسية.

*كاتب صحفي المغرب.