غرقت ليبيا في الفوضى منذ العام 2011، وأصبحت تعاني حالة معقدة من الانقسام السياسي والصراع العسكري واستمرار غياب دولة المؤسسات وجيش موحد،وهو ما جعلها تسقط في أتون أزمات متتالية بسبب الحروب المتجددة التي دفعت نحو أزمة اقتصادية حادة أثرت بشكل كبير على المواطن الليبي.

واندلعت الاشتباكات نهاية أغسطس الماضي،في العاصمة الليبية طرابلس عندما هاجم اللواء السابع   جنوب العاصمة،مؤكدا أن إن تحركه العسكري يهدف بالأساس لتخليص العاصمة من "دواعش المال"، في إشارة إلى الميليشيات التي باتت تسيطر على مفاصل الدولة لا سيما المؤسسات السيادية كمصرف ليبيا المركزي والشركة الوطنية للنفط.

وفي كل مرة تعود إلى الواجهة الصعوبات التي تواجهها العاصمة الليبية طرابلس في ظل إنتشار الميليشيات المسلحة،التي لا تتوانى عن شن هجمات متكررة على المنشآت الرئيسية بهدف السيطرة أو إثارة البلبلة،وهو ما يدفع ثمنه هذا البلد الممزق الذي تزيد هذه الخسائر من أزمته الإنسانية والإقتصادية..

خسائر بشرية

وإشتدت وتيرة الصراع بين المجموعات المسلحة وأستعمل في القتال كل أنواع السلاح الخفيف والثقيل ناهيك عن القصف بالطائرات.وأسفر هذا القتال العنيف عن وقوع خسائر بشرية كان للمدنيين النصيب الأكبر فيها.

وأعلنت إدارة شؤون الجرحى في طرابلس، التابعة لوزارة الصحة بحكومة الوفاق، عبر بيان صدر عنها،السبت 09 سبتمبر 2018، إن حصيلة ضحايا اشتباكات العاصمة الليبية طرابلس،إرتفعت إلى 78 قتيلًا و210 جرحى.مشيرة إلى إن "الحصيلة الجديدة تضم ضحايا المواجهات منذ اندلاعها في 26 أغسطس/آب الماضي، وحتى منتصف اليوم".

ونزح آلاف السكان بسبب الاشتباكات في طرابلس، إذ قالت وزارة شؤون النازحين إن اشتداد القتال في الضواحي الجنوبية لطرابلس أجبر 1825 عائلة على النزوح إلى بلدات مجاورة، موضحة أن "كثيرين غيرهم لا يزالون عالقين داخل منازلهم، والبعض الآخر يرفض المغادرة خشية تعرض ممتلكاتهم للنهب".

وتمثل الإشتباكات المتكررة خطرا على حياة الليبيين وخاصة المدنيون الذين يتعرضون لخطر الموت دون أن يشاركوا في القتال.وهو ما دفع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا،للتعبير عن إدانتها بشدة وقوع خسائر في الأرواح بين المدنيين في العاصمة طرابلس جراء الاشتباكات.ودعت البعثة في بيان لها،الخميس 30 أغسطس/آب، جميع الأطراف إلى اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة للحيلولة دون وقوع المزيد من الضحايا من المدنيين وإيقاف جميع الأعمال العدائية.وأكدت البعثة الأممية عبر صفحتها الرسمية في "فيسبوك"، أن الهجمات العشوائية محظورة بموجب القانون الإنساني الدولي ويمكن أن تشكل جرائم حرب، على حد قولها.

وبدورها حذرت الأمانة العامة للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا،الأطراف المتنازعة من ضرورة تجنيب المدنيين ويلات العمليات القتالية،معتبرة أن هذه الاعمال القتالية داخل الأحياء المدنية يمكن إدراجها تحت جرائم الحرب، التي يجب التحقيق فيها لأنها تخالف صراحة اتفاقية جنيف الرابعة،التي تقضي بضرورة تجنيب المدنيين مخاطر الاقتتال في حال النزاع داخل حدود الدولة الواحدة.

خسائر مادية

على صعيد آخر،أدت الإشتباكات المسلحة إلى خسائر مادية كبيرة حيث ألحقت أضرارا بالغة في بعض المنشآت النفطية والحيوية، والشركات.وتحدثت وسائل إعلامية عن احتراق مصنع النشاف بوادِ الربيع الذي يقع في الجنوب الشرقي لمدينة طرابلس،ونقلت عن شهود عيان بان المصنع احترق بالكامل.

كما تضررت شبكة الكهرباء جراء الإشتباكات المسلحة التي طالت دوائر نقل الطاقة الكهربائية،وأعلنت الشركة العامة للكهرباء، في السابق عن تكبد الشبكة خسائر جسيمة جراء الاشتباكات التي وقعت بضواحي العاصمة طرابلس، وهو ما أدى لإضعاف مستوى أداء الشبكة ونقص المرونة التشغيلية، لافتة إلى أنّ منطقة الاشتباكات هي منطقة عبور لخطوط النقل الرئيسية التي تربط بين محطات التوليد ومحطات التحويل.

من جهة أخرى،طالت الخسائر أهم القطاعات الإقتصادية في البلاد،حيث تعرضت منشآت النفط إلى أضرار جراء المواجهات،سارعت على إثرها مؤسسة النفط لدعوة "جميع الأطراف المتناحرة" بضرورة "وقف إطلاق النار فورًا حفاظًا على أرواح المستخدمين المتواجدين في خزانات طريق المطار"، بالنظر إلى "صعوبة" إجلاء المستخدمين، في ظل استمرار التوتر الأمني.

وخلال المعارك الضارية أصيب خزان للديزل في مستودع في طريق المطار يقوم بتزويد محطة كهرباء السواني، كما تضرر خزان وقود للطيران والخزان الرئيسي للمياه المخصص لإطفاء الحرائق.

وأشارت المؤسسة إلى أن استمرار الاشتباكات العنيفة بين المجموعات المسلحة في طرابلس سيترتب عليه خسائر كارثية لاسيما مع استهداف خزانات النفط،واصفة الاشتتباكات والأضرار التي تنجم عنها بأنها "عبث في مقدرات الشعب الليبي التي يتم تخريبها والعبث بها"، محذرة مما سيترتب على المزيد من الإشتباكات من كارثة إنسانية وبيئية وإقتصادية ستزيد من معاناة المواطنين.

وفي مداخلة عبر "قناة ليبيا"،الإثنين الماضي،قال مدير الصحة والسلامة والأمن والبيئة والتنمية المستدامة بالمؤسسة الوطنية للنفط خالد أبو خطوة إن الاشتباكات المسلحة قرب المواقع النفطية في طرابلس تسببت في خسائر كبيرة للمؤسسة، يتطلب وقتا طويلا لإصلاحها، بالإضافة إلى التكلفة باهظة الثمن، مشددًا على ضرورة تحييد هذه المواقع والمحافظة عليها.

وذكًّر أبو خطوة،بالخسائر التي تعرضت لها حظائر المؤسسة في رأس لانوف، والسدرة، خلال أعوام 2015، 2016، 2018، وأدت إلى فقدان الكثير من السعات التخزينية، والخزانات.مشيرا إلى أن الشركاء الأجانب بدأوا فيما يطلق عليه "إعادة التقييم الأمني" عقب الاشتباكات، واتخاذ إجراءات احترازية لتخفيف تواجدهم داخل ليبيا، وهو ما يؤدي إلى صعوبة إقناع شركات الصيانة الأجنبية باستئناف أعمالها.

سلب ونهب

وعلاوة على ذلك،فتحت الإشتباكات الباب أمام عمليات النهب والسرقة التي طالت الممتلكات العامة والخاصة.وأكدت تقارير إعلامية أن عصابات مسلحة تقوم بمداهمة المحال التجارية، ونهب الممتلكات الخاصة، سيما في المناطق التي نزح أهاليها جراء الاشتباكات.

ومن جهته،نبه مدير مركز الارصاد الجوية محمد السباعي من أن استمرارية عمليات النهب والتخريب التي يتعرض لها مركز الأرصاد الجوية والتي ستؤدي إلى توقفه عن العمل وبالتالي توقف اذاعة النشرات الجوية الخاصة بالملاحة الجوية والطيران والصيد البحري وغيرها من النشرات.

واوضح السباعي في تصريح لـ"بوابة افريقيا الإخبارية" أن "عمليات النهب والتخريب التي حدثت يومي الاحد والاثنين الماضيين قد لحقت باهم الإدارات وهي إدارة التنبؤات الجوية التي يعتمد عليها المركز في كل مخرجاته، كذلك الادارة الفنية ومكتب الإعلام كما تم نهب منظومة الردار وعدد من الشاشات ومنظومة موصولة بالاقمار الصناعية بكل مكوناتها التقنية.

وكانت شركة الخدمات العامة طرابلس،أكدت تعرض مكاتبها بمنطقة الحي الاسلامي للنهب والسرقة من قبل مجهولين.وأوضحت الشركة في بيان نشره المكتب الاعلامي للشركة،الاثنين 03 سبتمبر 2018، أن شاشات المكاتب وأجهزة الحاسوب واسطوانات الغاز سرقت، بالإضافة للعبث بالأثاث وكسر لأبواب جميع المكاتب من قبل من وصفتهم بمجموعة من "عديمي الضمير والوطنية".كما أكدت وسائل إعلامية قيام عناصر مسلحة بأعمال سرقة ونهب طالت شركة المدار في منطقة قدح ومعرض سيارات التايوتا في منطقة أبونواس بالعاصمة طرابلس.

تعاني ليبيا منذ سنوات من الإنقسامات السياسية والاضطرابات الأمنية، وتتسارع الأحداث علي الأرض في عدة مناطق من البلاد،علي غرار العاصمة الليبية طرابلس،التي تعيش على وقع إحتجاجات بسبب إنتشار المليشيات المسلحة التي تعتبر السبب الرئيسي في تردي الأوضاع المعيشية والأمنية في البلاد.

وكانت بعثة الأمم المتحدة اتهمت الميليشيات في طرابلس بعرقلة الإصلاحات الاقتصادية التي تسعى إلى تنفيذها لتحسين الوضع المعيشي لليبيين الذي تراجع بسبب تدهور الوضع الاقتصادي للبلاد.

وفي ظل الانفلات الأمني الذي تعانيه البلاد منذ سنوات،مازالت فوضى السلاح معظلة ليبيا الكبرى التي حولتها إلى ساحة قتال بين الميليشيات المتصارعة وهو ما أدى الى خسائر كبيرة يدفع ثمنها المواطن الليبي،الذي يجد نفسه في أوضاع معيشية متردية ومخاطر أمنية تهدد حياته ولا سبيل لتجاوز كل ذلك إلاّ بتحقيق المصالحة بين الفرقاء وإرساء سلطة موحدة في البلاد.