تطورات المشهد الليبي خلال الفترة الحالية و المقبلة في ضوء الإعلان عن حكومة ليون و تداعياته المحتملة على أمن دول الجوار، و على رأسها تونس، هو أهم ما جاء في لقاء "بوابة إفريقيا الإخبارية" اليوم الخميس 29 أكتوبر 2015، مع الأمين العام لحركة النهضة الإسلامية، علي العريض، عرض فيه محاورنا تشخيصه لواقع و مآلات الأزمة الليبية، معرجا من جهة أخرى على بعض القضايا التي ته‍م وطنه و حزبه و المنطقة ككل.

و في ما يلي  نص الحوار:

كيف تستشرفون تشعبات المشهد الليبي بعد الإعلان عن حكومة ليون؟

أنا متفائل بخصوص الوضع في ليبيا، خصوصا بعد أن تم التوصل إلى تشكيل حكومة التوافق. أرجو أن يتمكن الليبيون من تشكيل حكومة موحدة تبسط سيادتها على كامل التراب الليبي بما يحفظ أمن هذا البلد و أمن جيرانه.

حال توصل الشعب الليبي إلى تشكيل حكومة موحدة، و رغم الصعوبات الكبيرة التي سيجدها الحل السياسي على أرض الواقع، فإن الحكومة الليبية التوافقية ستنتصر على الإرهاب و ستفكك هذه الجماعات. حكومة ليون، و بمساندة المجتمع الدولي ستنتصر على الإرهاب بما يضمن أمن ليبيا و استقرار و أمن دول الجوار. الجماعات الإرهابية استغلت فراغ الحكم و غياب الدولة في ليبيا، و هذا الإشكال سينتهي عند بسط الحكومة الجديدة لسيادتها على كامل التراب الليبي.

الحل السياسي سينجح في ليبيا، لاسيما و أنه مدعوم من الأمم المتحدة و عدة دول في المنطقة و من بينها تونس. أنا أتوقع النجاح للحل السياسي في ليبيا نظرا للإجماع الدولي و الإقليمي حوله و كذلك نظرا لأن عدة  أطراف ليبية تدعم هذا الخيار. كذلك أرى أنه ليس هناك خيار آخر مطروح أمام الليبيين غير الحل السياسي، نعم قد تعترض هذا الحل صعوبات في التطبيق و لكنه سينجح لأن هناك دفع دولي و إقليمي في هذا الإتجاه.

و كأنكم تقصدون أن الحل السياسي في ليبيا هو خيار لابد منه لتجنب خيارات كارثية أخرى، كالتقسيم أو التدخل الخارجي مثلا؟

الحل السياسي يجنب الليبيين التدخل الخارجي و تقسيم وطنهم. أنا ضد أي تدخل عسكري أجنبي في ليبيا و آمل أن لا يفسح الليبيون الباب لذلك، لأن توافقهم الداخلي هو صمام أمان أمام كل إمكانية تقسيم أو تدخل خارجي.

و ما الدور الذي ستلعبه تونس في دفع الليبيين نحو خيار التوافق؟

تونس هي البلد الجار لليبيا الذي عليه أن يشجع و يدعم التوافق هناك، مع ملازمة قدر من الحياد الإيجابي بين الأطراف الليبية المتناحرة.

و ما تداعيات الوضع في الجارة الليبية على الأمن القومي التونسي؟

أمن تونس يبقى مهددا في حال استمرار التمزق في القطر الليبي الشقيق. أما في حال نجاح المسار السياسي في سياقات الإنتصار على الإرهاب، فإن ذلك سيؤثر إيجابا على الأمن القومي التونسي، كما أن الفرص الإقتصادية و الإجتماعية ستتضاعف لكلا البلدين.

بحكم علاقاتها ببعض الأطراف الليبية، هل من الوارد أن تتدخل النهضة للحيلولة دون تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة ضد رموز نظام القذافي؟

نحن ضد قرارات الإعدام و ضد تنفيذها، إذا ما صدرت في قضايا ملتبسة بالسياسة.

هل غيرت النهضة موقفها من النظام  السوري؟

لا لم تغير النهضة تقييمها لنظام الأسد و لا موقفها من مطالب الشعب السوري في الديمقراطية، و لكنها تعتبر أن توفر الحل السياسي السلمي للأزمة هناك يقي الشعب السوري المزيد من القتل و الدمار و التدخلات الخارجية. كلما توفر الحل السلمي للملف السوري، كلما كان الأمر أفضل.

و لكن هناك إجماع على أن ما حدث و ما يحدث في سوريا مؤامرة أجنبية هدفها تفتيت و تقسيم البلد، وليس ثورة، ما تعليقكم؟

يجب أن نميز بين ثورة حقيقية ضد نظام ما و بين تدخلات خارجية سواء كانت من جماعات إرهابية أو من دول لأن هذا الأمر يفاقم الوضع.

كيف تقيمون أداء الحكومة التونسية المنتخبة؟

بصفة عامة النتائج متوسطة. يمكن القول إنه بعد مرور عام على الحكم، و إن أردت تسجيل بعض الإيجابيات، فهي تتمثل في المثابرة على مكافحة الإرهاب و كذلك توصل الحكومة إلى اتفاق مع الاتحاد العم التونسي للشغل حول القطاع الخاص و هذا الأمر هو تهيئة لتكريس الهدنة الإجتماعية شرط توفر العمل و الإنتاج و تحقيق النمو، و بالتالي تحسين ظروف عيش المواطن.

كذلك أمكن للحكومة الحالية إعداد ورقة التوجهات التنموية العامة و هي بصدد إعداد مخطط 2016- 2020، كما حاولت  معالجة بعض المشاكل المتعلقة ببؤر التوتر في الجهات. أما على مستوى التقدم في تفعيل الإصلاحات و الإنجازات فهو بطيء.

و بالنسبة للجانب السياسي، أقول إن النهضة تدعم الحكومة و تشد  أزرها و تساعدها و تنتقدها في نفس الوقت و في الأطر المعمول بها داخل مجلس الشعب و تنسيقية الأحزاب المكونة للائتلاف و حتى في العلن كما هو الشأن بالنسبة للسياسة الدينية.

ألا ترون أن إستقالة الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان و إقالة وزير العدل مؤشر على إرتباك حكومة الصيد، و على وجود توتر بين مكوناتها قد يفضيان إلى استقالات أو إعفاءات أخرى في قادم الأيام؟

لا أرى أن استقالة العكرمي أو إعفاء بن عيسى يدلان على وجود إشكال صلب الحكومة. كل وزير تمسك بآرائه الخاصة، و لكن توجد أعراف و تقاليد في الحكم تفرض الإلتزام بقرارات الحكومة و العمل كفريق متضامن، و في النهاية تبقى مواقف كل من العكرمي و بن عيسى كوزيرين محترمة.

أما عن إمكانية حدوث إستقالات أخرى، فلا أتوقع ذلك، و لكن إذا قرر رئيس الحكومة، و بعد فترة من العمل، إجراء تعديلات على فريقه الوزاري، فهذا أمر عادي.

هل من الممكن أن تمنح النهضة حقائب إضافية في حال تم إجراء تحوير وزاري؟

تواجدنا في الحكومة ضعيف و أقل من حجمنا بكثير. نحن قبلنا بذلك من أجل إنجاح مرحلة الإنتقال الديمقراطي في البلاد.

و كيف تنظرون إلى حجم المخاطر الإرهابية المحدقة بتونس؟

الإرهاب تبعثرت أوراقه في تونس، و هو في حالة إندحار و أصبح في موقع رد الفعل. المطلوب هو المثابرة على تفعيل سياسة الضغط العالي التي تنتهجها الدولة حتى القضاء على هذه الظاهرة.

هل تم تحديد تاريخ انعقاد مؤتمر النهضة المقبل؟  و هل صحيح أن إحتمالات الإلغاء واردة؟

لم نحدد بعد تاريخ تنظيم المؤتمر. التحضيرات للمؤتمر جارية بل تضاعفت خلال هذه الفترة من أجل صياغة اللوائح النهائية، ثم يتم بعد ذلك تحديد موعده، و مبدئيا سيكون خلال السنة المقبلة. أما عن الحديث عن إمكانية إلغاء المؤتمر فلا أساس له من الصحة.

هل من الوارد إحداث تغييرات في قيادة الحركة بعد أشغال مؤتمرها المقبل؟ و ماهي أبرز الأسماء المرشحة لخلافة الغنوشي؟

لم نتحدث حتى الآن عن مسألة القيادة بعد المؤتمر. نظريا مؤتمر الحركة سيد نفسه و هو من يقرر في ضوء الأسماء التي سيتم ترشيحها و الأسماء التي ستقبل أن يتم ترشيحها في هذا الصدد.

توجد أسماء كثيرة أهمها رئيس الحركة. نحن لم نتحدث بعد في هذه المسألة و نحن نحترم إرادة المؤتمرين. كذلك يمكن طرح التساؤل التالي: "ما الداعي لتغيير رئيس الحركة"؟، و في كل الأحوال يبقى الأمر مرتبطا بإرادة المؤتمرين و بإستعداد المترشحين لقبول هذه المهمة.

كيف تقرؤون أزمة نداء تونس و تداعياتها على الأداء الحكومي؟ و ما ردكم على الإتهامات الموجهة للنهضة بتغذية الشقاق و الصراع داخل الحزب الحاكم؟

أولا نحن لا دخل لنا في الخلافات التي تشق نداء تونس و نحن نحترم الحياة الداخلية للأحزاب الأخرى و نتفهمها. أعتقد أن هذه الخلافات و بالنظر للحجم الإعلامي و الحيز الزمني الذين اتخذتهما يمكن أن تؤثر سلبا على أداء الحكم بصفة عامة، كما أنها تؤثر سلبا في المزاج الشعبي و تساهم في عزوف المواطن التونسي عن الطبقة السياسية.