علي الكيلاني شاعر ليبي ومؤلف وملحن، تتنوع أعماله في أغلبها بين التراثي والوطني والقومي . أطلق عليه لقب «شاعر ثورة الفاتح» أو «شاعر الثورة الليبية» نظرا لأسلوب شعره الثوري. بدأ عمله في الإذاعة المرئية والمسموعة الليبية وترأسها لعدة سنوات، كما حصل على عدد من الجوائز بينها الجائزة الأولى في مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون.إضافة إلى ذلك فهو مالك دار أجاويد للإنتاج الفني والثقافي.
إسمه بالكامل: علي محمد الكيلاني القذافي، من أشهر من قامت بأداء أغان من تأليف وتلحين علي الكيلاني المطربة التونسية ذكرى محمد والتي زاد إجمالي التعاون الغنائي بينهما أكثر من 70 أغنية. منها أغنية «من يجرا يقول». كما غنى من كلماته وألحانه عدد من المطربات والمطربين الليبيين والعرب منهم جوليا بطرس، نوال غشام، أنغام، ولطيفة العرفاوي. نبيهة كراولي، ولطيفة رأفت، وأسماء لمنور، وعمر عبداللات، وسعدون جابر، وعبدالله الرويشد، وسميرة سعيد، وأصالة، وشيرين وجدي، وأحلام، وأمل عرفة، وسوسن الحمامي، وباسكال مشعلاني، وراغب علامة، وحسين الجسمي.
في سنوات الحرب الليبيه التي نتجت عن إطاحت حلف الناتو بالدولة الليبية في عدوانه على ليبيا في سنة 2011م كان للكلمة واللحن المتشحان بالسواد الكلمة الفصل في إيقاظ الضمير الوطني والتعريف بقضية ليبيا والمؤامرة الدولية التي تعرضت لها، لون الحزن الذي بات جزءً من واقع الليبيين المتباكين على أطلال وطنًا ضاع منهم في لحظة تاريخية مأساويه، كان للحزن حضوره الطاغي الملتصق بالمعاناة اليومية المستمرة منذ سنوات "النكبة"، هنا ظهر الشاعر علي الكيلاني كعازف ربابة على ما تبقى من أطلال وطن تهدم، كان علي الكيلاني أشبه بعنوان قصة قصيرة في حروفها طويلة لا يمكن الوصول إلى نهاياتها في ليل الوطن الطويل الحالك الظُلمه كتبها القذافي قبل أكثر من ثلاثة عقود كان عنوانها المسحراتي ظهراً قبل أن يتوجه إلى جهنم التي قرأ فيها القرآن على يد الشيخ جبريل، كان على الكيلاني في سنوات النكبة أقرب الناس إلى محاكات القذافي الغائب الحاضر، يكفي أن يكون علي الكيلاني هو كاتب أغنية بالسلامه يابلاد تهني تو تعمري كانا خرابك مني والتي تعد كلماتها أشبه بحالة عجيبة من الانصهار بينه وبين العقيد الراحل فما أن تسمع الأغنية وهي ضمن سلسلة النجع 2019م فيخال المتلقي أن كاتب الكلمات هو القذافي نفسه دون سواه، تلك الحالة من التماهي تجعلك تعيش في حالة دهشة لا تتوقف، اشتغل علي الكيلاني منذ البدايات الأولى على بعث التراث ومعظم ألحانه كانت أشبه بالنحت في عوالمه الخفيه حتى صارت الحانة أشبه بأركو لوجيا غنائية شبيهة بتلك التي يشتغل عليها علماء الجيولوجيا في حفرهم المعمق بحثًا عن مكامن الأرض وخفايا سرها الدفين، ومن خلال دار أجاويد للإنتاج الفني والثقافي التي عرف الشارع العربي علي الكيلاني من خلال عديد من الألحان الخالدة التي سكنت الوجدان العربي وتربعت على عرش الأغنية المقاومة وباتت نشيداً يُغنى كل صباح من أحرار العرب لفلسطين " وين الملايين الشعب العربي وين " ويا حمام القدس نوّح نوّح ياحمام على وين مروح برجك عماه الدخان، ويمه يمه وغيرها من الكلمات والالحان التي أعادت للأغنية القومية مهابتها وألقها، وأشعلت جذوة المقاومة في الجماهير العربية، قبلها بسنوات كانت فلسطين حاضرة لمحاكمة النظام العربي الرسمي عندما جاء الرد الأول في منشور رقم 2 ضمن سلسلة "من يجرى يقول" وقبل أن يجف حبر التوقيع على اتفاقية أوسلوا مشروع غزة أريحا أولاً جاء الرد على سياسات التفريط والاستسلام بصوت الفنانة ذكرى محمد "مين يجرا يقول هذا مش معقول كل عام نقولوا بينغزوا غزوة حطين نلقى اللي يجينا يذكرنا بسبعة وستين، مين يقدر يعرف ويش فينا ويش لاصق في ايدينا .. بردنا صبرا وشاتيلا بثلج النرويج .. سخنا البايت والجامد بنفط الخليج .. نرجى في النصر يجي عكسه .. ملينا من نكسة لنكسة".
العلاقة الجدليه بين الشاعر المثقف العضوي صاحب الرؤية كما عبر عنه انطوني جرامشي، وبين الوطن علاقة أزلية لا تنفصم عراها، وهذا النوع من العلاقة يمكن توصيفه بالترمومتر الذي يمكن القياس عليه في الارتباط بين المثقف والجماهير، فنرى أن مجمل أغاني علي الكيلاني ترتبط بصورة وثائيقية بالشواهد والأحداث التي شهدها الوطن العربي الكبير والقطر الليبي وهو ما يمكن اكتشافه من خلال مواكبته اللصيقه للحدث فكانت أغنية ذكرى محمد ضمن السلسلة المذكوره آنفًا سلسلة "مين يجرى يقول" والتي تطرقت كلماتها للحصار المفروض على ليبيا ومنع الحجاج الليبيين من الوصول إلى مكة، الأغنية التي هزت مشاعر ووجدان الشارع العربي لكلماتها القوية الناقدة التي اعتبرها الشارع الليبي رداً قويًا على منع الحجاج الليبيين من الوصول إلى مكة لأداء فريضة الحج.
من كلمات الأغنية "بنزور ونبكي على الكعبة وقبر الرسول ، قالولي الدمعة بتهدد أمن المسطول، ابكي في صدرك هنينا لا تقلق راحة راعينا ، راعينا حاكم مش حاكم حامي اسطول ، واهم مش فاهم مسطول بيحمي البترول ، من يجرا يقول أخوتنا عن بيت الله منعتنا ، قالولنا الدمعة بتهدد أمن الاسطول ، ننصحكم حجو للبابا والفاتيكان ، أسهل من مكة والكعبة وأكثر أمان ،، وأثناء زيارة القذافي إلى السعودية اصطحب معه الشاعر علي الكيلاني وعند السلام على الملك عبدالله قال العقيد القذافي مخاطبًا الملك هذا علي الكيلاني المطلوب عندكم، فرد الملك أهلاً به أخًا كريم مع أخ كريم.
مع بداية الغزو الأمريكي للعراق كان الشاعر علي الكيلاني أول من تعامل مع الحدث بأغنية عيني ع البصرة والموصل وقلبي ببغداد، وبعد سقوط بغداد في عام 2003م تحت براثن الاحتلال الأمريكي وبعد اسر الرئيس صدام حسين ومحاكمته الجائرة من قبل عملاء الاحتلال في محاكمة صورية تعد من مهازل العصر وبعد إعدام الرئيس صدام حسين قام علي الكيلاني بتنفيذ ما يشبه الملحمة التي تؤرخ للمعركة ضد قوات الاحتلال الأمريكي في واحدة من أروع الأغاني العربية التي عبرت عن الحدث وتجلياته خاطب علي الكيلاني من خلال كلمات الأغنية سيكلوجية الانسان العربي المقاوم والرافض لاحتلال هذا الجزء من الوطن العربي ظهرت كلمات الأغنية بأبعادها الوطنية والقومية تركز على الحدث الفاجعة المتمثلة في الاحتلال في الأغنية حاكم علي الكيلاني الاحتلال والطائفية تغنى ببطولات المقاومة وبالقومية والقوميين "قالو له تنادي بالوحدة وحدودك وين قالههم تبدا بمراكش حتى البحرين، قالوا له وين القومية والقوميين قاللهم للوطن العربي هي الشرايين"، يسفه علي الكيلاني الاحتلال ومشروعه التدميري في العراق.
وفي الحالة الليبية بات علي الكيلاني سجل المرحلة في أدق تفاصيله بل يمكن القول أنه تجاوز ذلك بمراحل وتحديداً في تصديه العنيف للمفاهيم الخاطئة التي صورها الإعلام الغربي وتلك القنوات الناطقة بالعربية حول ما جرى في 2011 من بتفسير ما جرى أنه ثورة شعبية ضد نظام معمر القذافي وسياساته وهو ما عبر عنه الشاعر في أغنية لولا: فالمتتبع للكلمات واللحن والموسيقى والرقصات المصاحبه سينحاز لوجهة نظر الشاعر التي لايمكن اعتبارها سوى ملحمه غنائية (رؤيوية) استطاع من خلالها التأثير بقوة على العقل الجمعي الذي كان منحازاً للناتو وفي أقل الأحوال أحدثت الأغنية حالة من الجدل في معسكر الطرف الآخر، من كلمات الأغنية.
"لولا الناتو ماطحتيش، لعب فالجيش وخلى لبلاد طراطيش.. لولا الناتو وعقالاته .. وعقال يعاند في عقال .. والخونة هلي جاباته .. وبتجيب النجمة ما زال.. في ليبيا مصفي حساباته .. تركي بو نجمة وهلال .. جيابين تميم وباته .. زغراتين على الرفال .. كيف الراجل بشناباته
وحتى بوخجلات طوال .. وشيوخ ليفي وحراساته .. وفزعت سركوزي الحمال .. إلى أن يقول ،لولاهم ما كنتي غابة .. لا داسوك ولاخشوك .. لولا الفتنة والنهابة .. والطماعة اللي باعوك".
هذا النوع من الفن الذي يخاطب سيكلوجية الجماهير حد وصف المفكر الفرنسي "غوستاف لوبون " يتموضع في المقدمة للتصدي لأولئك المتلاعبون بالعقول حد وصف الأمريكي "هربرت شيلر " وربما تنطبق أغاني وألحان الشاعر علي الكيلاني على ما نسميه نحن في الإعلام بالإعلام "الرؤيوي" وهو نوع خطير من الإعلام تخشى الحكومات في كثير من الدول أن تدرجه ضمن مناهج كليات الإعلام لكونه يتنبئ وفق قراءآت المراكز البحثية التي تُعنى بدراسات المستقبل عن الأحداث المتوقع حدوثها في المدى القريب والبعيد، في أغنية أو لنقل ملحمة "لولا " الناتو التي جرى إنتاجها قبل أن تقوم تركيا بتدخلها السافر في ليبيا وترسل عشرين ألف من المرتزقة السوريين يقول علي الكيلاني "والخونة هلي جاباته وبتجيب النجمة مازال، في ليبيا مصفي حساباته، تركي بونجمة وهلال" ، هذه الكلمات تنبئ عن حالة رؤيوية متقدمة وذات بُعد وقراءة معمّقة للمشهد الليبي وتتماهى مع كلمات أغنية بالسلامة يابلاد تهني عندما يقول على لسان الشهيد القذافي ( الغازي ناويك وانشالله يخيب ظني ) بالفعل كان ماتوقعه الشاعر ولا أدري ما الذي جعلني أتذكر بعض الشخصيات الإعلامية التي كان لها ذلك التأثير القوي في الأزمات والحروب التي شهدتها المنطقة والعالم أثناء كتابتي للمقال والذاكرة أحيانًا تّطلق لذاتها العنان كمُهراً جامِحًا بلا سرج كون المقالة هي من تكتبنا فليعذرني القارئ على التشبيه، تذكرت العراقي يونس بحري الصوت القوي الذي كان يتسلل إلى آذان المستمعين العرب أثناء الحرب العالميه الثانية عبر أثير إذاعة صوت ألمانيا ويشن هجومه الكاسح ضد قوات الحلفاء وقوات الجنرال البريطاني "مونتغمري" وهي تخوض معارك العلمين ضد القوات الألمانية بقيادة الجنرال "رومل " ثعلب الصحراء، أو المذيع الشهير في صوت العرب من القاهرة المرحوم "أحمد سعيد" الذي حرّك الوجدان وألهّب مشاعر الجماهير العربية ذات يوم بل إنني تذكرت وزير الإعلام العراقي الشهير محمد سعيد الصحاف الذي أطلق عليه الرئيس الفرنسي "جاك شيراك " ذات يوم لقب حصن بابل الرهيب، جميع من ذكرت كانت كلماتهم أسلحة بعيدة المدى تدك العدو وتضربه في مقتل ،علي الكيلاني واحداً من هؤلاء الذين استماتوا في الدفاع عن قضيتهم عن قناعه لا تلين ولا تنكسر وما يميزه عنهم هو أنه يمتلك ذلك "الميكانيزم" المتحرك بإستمرار والذي يخلق لدى المتلقي فضاءآت لا تنقطع من الدهشة، كثيرون كانوا جزءً من التجربة من النظام مما يُعرف برجال الخيمة الكثير منهم صمت وتوارى عن الأنظار بينما ظل الرجل صامداً ومنافحًا عن وطنه بأقوى سلاح وهو سلاح الكلمة واللحن سلاح النجع والتراث، أخيراً أقول إن الهزيمة الفعلية والحقيقية هي الهزيمة النفسية أولاً وثانيًا وعاشراً في "ظاهرة علي الكيلاني الهزيمة ليست مفرده في القاموس ليست حاضرة ولا أعتقد أنها سوف تحضر فعندما تتوقف نيران المدافع تبدأ الحرب الأخرى وأعني بذلك الحرب النفسية وعلي الكيلاني يخوض حربه حتى اللحظه باقتدار وبراعة.
*رئيس المركز الدولي للإعلام والعلاقات العامة IMC