السيد علي زيدان رئيس الحكومة الليبية السابق كان من أبرز معارضي النظام الليبي في عهد القذافي منذ حوالي 30 عاما .. وكان زيدان ـ الديبلوماسي السابق في سفارة ليبيا في الهند مع محمد المقريف أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات ـ من أبرز الساسة الليبيين الذي قادوا التحركات الديبلوماسية والسياسية الدولية المساندة لـ» ثورة 17 فبراير»مع السيدين محمود جبريل وعلي العيساوي ..وقد كان لقاء ثلاثتهم مع الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي ثم لقاءاتهم مع سياسيين بارزين في بروكسيل حاسما لدفع المجموعة الدولية للتدخل عسكريا ضد نظام القذافي .. لكن السيد علي زيدان يقدم في هذا الحديث الصحفي الصريح ـ الذي أجريته معه في تونس ـ نظرة نقدية لما يجري في ليبيا اليوم ..وخاصة لأداء الجماعات السياسية التي تنتسب إلى «السلفية» و»الإسلام السياسي».. كما يقدم تفسيره لتوسع رقعة المواجهات المسلحة وأعمال العنف لتشمل مطار طرابلس الدولي والمؤسسات السيادية في الدولة:
• أستاذ علي زيدان..عرفت سياسيا معارضا لجأ مطولا إلى المانيا..ثم رئيسا للحكومة في مرحلة تاريخية ودقيقة من تاريخ ليبيا بعد إسقاط نظام القذافي..كيف تفسر التصعيد الأمني والعسكري في ليبيا وخاصة الهجوم على مطار طرابلس الدولي ..والذي تسبب في سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى واضرار بالطائرات والمطار ؟
- الهجمات على المطار وعلى المؤسسات السيادية للدولة واختطاف كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين والامنيين يؤكد أن معضلة ليبيا الاولى منذ اسقاط نظام القذافي هي انتشار الاسلحة بين ايدي الميليشيات والعصابات الإجرامية وما يسمى بـ»الدروع».. والحل يبدأ بتجميع كل الاسلحة ومركزتها بين أيدي الحكومة ..بدءا بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة ..
المسالة تتجاوز صراع نفوذ وهيمنة على المطار والمعابر ـ بسبب وزنها الاقتصادي والسياسي والأمني ورمزيتها ـ وهي تعني أولا أن بعض القوى المسلحة التي ينبذها المجتمع الليبي أصبحت تسمح لنفسها بالتورط في القتل ودرجات اكبر من العنف ..ولا بد من البدء من جمع الاسلحة التي بين أيديها ..
• قد يتساءل البعض : لماذا تصعيد العنف الآن بالذات..أي في الوقت الذي ينتظر فيه الجميع الكشف عن نتائج الانتخابات البرلمانية وعن استكمال عملية الانتقال الديمقراطي السلمي ؟
- الميليشيات المسلحة لا تفكر في مصلحة ليبيا ولكن في مصالح شخصية وفئوية وجهوية.. والاطراف التي تخشى الانتقال السياسي السلمي ترفض الانتخابات وتسعى الى مزيد تعفن الوضع .. لذلك لابد من جمع أسلحتها ..
• لماذا لم تجمع الاسلحة عندما كنت رئيسا للحكومة ؟
- طبعا حاولنا .. لكن في ليبيا الان كم هائل من الأسلحة..وعدد كبير من الميليشيات التي تسمي نفسها «ثورية «..والثورة منها براء ..فضلا عن كون الثورة قد أنجزت مهمتها المتفق عليها أي الاطاحة بحكم القذافي والواجب الوطني اليوم يقتضي المساهمة في البناء والاصلاح وليس مزيد تخريب البلد وتدمير مؤسسات الدولة .. الحكومات تزول لكن الدولة ينبغي ان تستمر ..
وبالنسبة الي طالبت عندما كنت رئيسا للحكومة ولا أزال بإحداث قوة إقليمية أو اممية لجمع الاسلحة وخاصة منها الثقيلة والمتوسطة ..
• كيف يمكن أن تكون هذه القوة الدولية القادرة على جمع الأسلحة؟
- يمكن أن تكون عربية ترعاها الجامعة العربية او اممية ترعاها الامم المتحدة أو تحت أي يافطة دولية أخرى .. لكن لا يمكن التمادي في السكوت عن انتشار الاسلحة بين ايدي ميليشيات توشك ان تتسبب في نشر الارهاب في كامل ليبيا وفي كل المنطقة ..
• بعض قادة الدول الأوروبية والأمريكية يترددون بدعوى «الكلفة المادية المرتفعة» لمثل هذه العملية؟
- اعلنت بوضوح واجدد ذلك اليوم : ليبيا قادرة على تسديد الكلفة المالية لمثل هذه العملية الدولية ..فضلا عن كون الدولة والمجتمع سيربحان الكثير والكثير من جمع الاسلحة بدءا من حقن الدماء وصولا الى استئناف الحياة الاقتصادية الطبيعية في البلاد ..
• هناك من اتهم حكومتكم بالتورط في دعم الجماعات المسلحة لأنها صرفت حوالي 900 مليون دينار ليبي ( اكثر من مليار دينار تونسي ) لقادة «الدروع» والمليشيات المسلحة تحت عنوان «رواتب»...
- ادارة مركزية من وزارة الدفاع وافقت على تسديد الـ900 مليون دينار لقادة «الدروع» والميليشيات تحت قوة السلاح والتهديدات بالقتل بدعوى أن نسبة كبيرة من العسكريين لم تحصل على رواتبها خلال اكثر من عام..
وكان قرارنا أن تسند الرواتب الى اصحابها مباشرة وبصفة فردية ..بعد الثبت في القائمات الصحيحة وحذف اسماء وهمية عددها ضخم جدا..
لكن قوة السلاح كانت اقوى ومثلما وقع الهجوم على مقرا اقامة رئيس الحكومة ورئيس المؤتمر الوطني العام وعلى مقرات وزارات الخارجية والعدل والدفاع وقع عدوان على مقر رئاسة الاركان كانت نتيجته إسناد الأموال إلى قادة «الدروع» وليس إلى الموظفين مباشرة .. بعد أن طلب مني رئيس المؤتمر الوطني العام (رئيس البرلمان الانتقالي والدولة) تسديد المبلغ .. واضطر مدير ادارة الدروع في رئاسة الاركان على التوقيع تحت الضغط ..
لكن الاصلاح الذي قمنا به مكن من الحد من «الرواتب الوهمية»..وظاهرة حصول عشرات الآلاف على اكثر من راتب وهمي ( احيانا اكثر من 10 رواتب وهمية) ..وقد تمكنا من استبعاد حوالي 340 الفً شخص اي حوالي مليون ونصف راتب..
• كيف تلخص حقيقة ما يجري في ليبيا الآن وتحديدا منذ تصعيد أعمال العنف في شهر فيفري الماضي؟
- ما يجري في مطار طرابلس وفي مناطق عديدة من ليبيا تكالب على السلطة والمال والنفوذ..واستغلال الظرف لمزيد إضعاف الدولة.. لا ننسى أن ما يسمى بـ»غرف ثوار ليبيا» سبق أن احتلوا وزارة الخارجية لمحاولة فرض تعيينات ديبلوماسية وخدمة مصالح شخصية وفئوية وجهوية..وقاموا بهجمات مماثلة على مواقع سيادية أخرى..والسبب هو انتشار السلاح بين قوات غير القوات الحكومية المركزية..
مرة أخرى أقول لأبناء وطني ..ولملايين الليبيين الوطنيين : الثورة انتهت والمطلوب دعم نفوذ الدولة المركزية ..
• بعض خصومكم السياسيين يعتبرون انكم تتحملون جانبا من المسؤولية في ما يجري في ليبيا بسبب قانون « العزل السياسي « أي القانون الذي اقصى ملايين الليبيين الذين عملوا مع الدولة في عهد النظام السابق ..
- الجميع يعرف إني كنت ضد قانون العزل السياسي وكل أشكال الإقصاء..لأسباب مبدئية..ولان مورد الرزق الرئيسي في عهد القذافي كان العمل مع الدولة..والجميع يعرف ان المصادقة والتوقيع على قانون العزل السياسي في ماي 2013 كان تحت تهديد قوة السلا..
نفس الكتائب المسلحة والكتل المتشددة التي فرضت قانون العزل السياسي هي التي هددتني وحاربتني وحاربت المؤسسات المنتخبة وسعت الى افراغ الادارة من كل الكفاءات..
وهي وراء الميليشيات التي هاجمت المؤتمر الوطني هي التي تهاجم مطار طرابلس الدولي..
• عرفت بدعوتك مبكرا للحوار الوطني والمصالحة الوطنية ..هل الحل يبدأ اليوم بإعلان مصالحة وطنية شاملة وحوار وطني سياسي دون اقصاءات؟
- كنت ولا زلت مع الحوار الوطني..وليبيا خسرت الكثير بسبب عدم اعلانه..
لكن الحوار الوطني لن ينجح قبل جمع الأسلحة وخاصة منها الثقيلة والمتوسطة ..
أنا مناضل ومثقف ليبي وطني قبل أن أكون مسؤولا سياسيا أو رئيس حكومة..واتابع الحوار والمشاورات مع المناضلين والسياسيين من مختلف الجهات عسانا ننجح في انقاذ بلدنا .. في مرحلة يطارد فيها المتشددون دينيا وسياسيا والمحسوبون على السلفية غالبية السياسيين المحترفين والخبرات.. لاستبدالهم بمناضلين سابقين من احزابهم ليس لديهم أي خبرة في تسيير شؤون الدولة ..
• من بين التهم الموجهة اليك والى بعض رفاقك التنسيق مع معارضين « فروا« الى الامارات ومصر والسعودية والاردن ..وعواصم غربية ..ضمن « مؤامرة « على ثورة ليبيا بينهم السيد محمود جبريل « زعيم التيار الفيديرالي « المتهم بمحاولة تقسيم ليبيا ؟
- أولا..ما المانع في أن تكون لدي علاقات بسياسيين في دول شقيقة مثل مصر والسعودية والإمارات وغيرها..أو مع عواصم استضافتنا طوال عقود..
ثانيا:لم ألتق شخصيا الصديق محمود جبريل منذ أكثر من عام..
ثالثا:شخصيا رفضت وأرفض كل سيناريوهات تقسيم ليبيا و»الحل الفديرالي»..
• ألن يتهمك « الثائرون « في الشرق والجنوب بخذلان مطالبهم؟
- لست مع الحل الفيديرالي ولست مع التقسيم ..ولكني مع حل سياسي يخفض مركزية الدولة ..حل تبقى فيه وزارة السيادة في طرابلس الى جانب مقرات وزرات الاقتصاد والتخطيط والمالية والنفط..
لكن لا بد من اعطاء المديرين الجهويين للوزارات واجهزة الدولة صلاحيات قوية وشاملة ..بدءا من المدن البعيدة عن طرابلس مثل بنغازي شرقا وسبها جنوبا ..
• مع ذلك تعتبر مع محمود جبريل من ابرز مهندسي عملية اسقاط القذافي دوليا؟
- زرت فور اندلاع ثورة 17 فبراير باريس وبركسيل مع الاخوين محمود جبريل وعلي العيساوي .. في باريس كان لنا لقاء مع الرئيس السابقنيكولا ساركوزي ..وفي بروكسيل مع مسؤولين من الاتحاد الاوربي ووزراء خارجية فرنسا وبلجيكيا ..ثم زرت لوحدي قيادة الحلف الاطلسي ببروكسيل ..
وكانت لنا لقاءات دولية في جنيف ..وكان الهدف دوما الحصول على دعم سياسي دولي للإطاحة بالقذافي ..وتمسكنا بموقفنا بقوة عندما اوشك القذافي ان يتوصل مع عواصم غربية على تقاسم نفوذ..والانسحاب إلى المنطقة الغربية من ليبيا والتنازل عن بنغازي ..ولم اعلم رفاقي بلقاء الحلف الاطلسي الابعد اكثر من عامين من الاطاحة بالقذافي .. وقد ساعدنا ديبلوماسيون وسياسيون عرب بينهم الاشقاء في تونس ..ولن ننسى ابدا استقبال الشعب التونسي لأكثر من مليون مواطن ليبي فروا من نيران الحرب في مواطنهم.. نحن فعلا شعب واحد ماضيا وحاضرا ومستقبلا ..
• هل نسقتم سابقا مع تونس لمحاولة اسقاط القذافي ؟
- جئنا الى تونس مرارا ..ونسقنا خلال معارضتنا للقذافي في عهد بورقيبة..
وقد تعرفت على الزعيم الكبير ورجل الدولة القدير والواقعي الحبيب بورقيبة.. والتقيت الباهي الادغم والهادي نويرة ومحمد مزالي..وكذلك الرئيس بن علي منذ كان وزيرا..لكنه عرقل تحركاتنا ضد القذافي لما اصبح رئيسا لتونس ..
كل هذا جزء من الماضي ..والاهم هو التفكير في مستقبل التعاون بين الشعبين ..واني ادعو مئات الاف الليبيين اللاجئين بتونس الى احترام حقوق المضيفين ..والى العمل بقوة لدعم العلاقات بين شعبنا في ليبيا وتونس خدمة لمصالح الجميع ..وادعو كل من يهمه الامر في ليبيا الى التعجيل بمعالجة مشاكل الاخوة النازحين..واعلن عن فتح مدارس لفائدة ابنائهم..
*نقلا عن جريدة "الصباح" التونسية