في حوار حصري لـ "بوابة إفريقيا الإخبارية" تحدث عمر القويري, وزير الإعلام الليبي السابق في حكومة عبد الله الثني, عن أهم الملفات الحارقة في بلاده منذ أحداث 17 فبراير 2011, على رأسها تطورات الوضع الراهن ومخرجات حوار تونس وعمليات تهريب النفط والجهات التي تقف وراءها.
عمر القويري, أول وزير إعلام حكومة طبرق السابق المثير للجدل بتصريحاته النارية كما يصفه البعض, أكد في حواره معنا أن كل ما يرشح به المشهد في ليبيا يندرج ضمن العمل على استمرار الفوضى, معتبرا في الأثناء أن الفوضى في وطنه متواصلة حتى مطلع العام المقبل لأن الكبار مختلفون حول الكعكة الليبية.
القويري اعتبر كذلك في حديثه لـ "بوابة إفريقيا الإخبارية" أنه يجب تعليق عمل لجنة الدستور, وأنه من حق سيف الإسلام القذافي التمتع بشروط المحاكمة العادلة, مشددا في المقابل على أن سبتمبر مات ومات من صنعه ( في إشارة إلى ثورة الفاتح).
وفي ما يلي نص الحوار:
كيف تقيمون الوضع الراهن في ليبيا؟
الوضع الراهن في ليبيا هو حالة اللادولة، وأقصى ما يمكن للأطراف الفاعلة القيام به هو ادارة الفوضى و إدارة الصراع. كل الجهود منصبة في هذا الاتجاه, و هذا ما تسبب في كارثة في الخدمات المقدمة للمواطن.
ما رأيكم في قرار إعادة تصدير و إنتاج النفط؟ و هل هذا الإجراء سيمكن من إيجاد حلول للأزمة الإقتصادية التي تشهدها ليبيا؟
الميلشيا والعصابة التي تغلق الموانئ النفطية لا أعتقد أنها تملك قرار نفسه, إنها هي من قامت بأمر الإغلاق لأن النفط لدينا فيه شركاء دوليون ومنهم انجليز وأمريكان. لا أعتقد أن صايع مثل ابراهيم جضران يملك كل هذه القوة التي تخيف القوى العظمى في العالم والتي تضررت مصالحها، ولا شك أن إعادة صادرات النفط سوف يوفر العملة الصعبة والإيرادات التي تعاني من استنزاف للرصيد والودائع الليبية بسب ازدياد حجم الإنفاق وانعدام الإيرادات.
هل ترون أن حكومة الوفاق قادرة على وقف النزيف الليبي وتوسيع سيطرتها على الوضع في بلدكم؟
ما يوجد على الأرض هو المجلس الرئاسي لا حكومة الوفاق ويجب التفريق بينهما. حكومة الوفاق تنتظر مصادقة مجلس النواب الليبي وإلى الان هو لم يمنحها الثقة. هناك مساومات بين الأطراف السياسية, ولكن الأعم والأغلب هي مصالح خاصة وشخصية يغطونها بالشعارات والحديث عن حماية الجيش والسيادة, وكل ذلك غير صحيح. أغلب من في المشهد يتمنى ويعمل على استمرار الفوضى لضمان استمراره في منصبه.
هل أن ليبيا مقبلة على خيارين اثنين لا ثالث لهما, مثلما يرى متابعون, وهما التقسيم أو الصوملة؟
ليبيا الان تعيش حالة صوملة, فقد تقسمت. على الأرض هناك كونتونات صغيرة جهوية وقبلية وأصبح التنقل بين المدن الليبية أشبه بالسفر من دولة إلى دولة, لكن تقسيم ليبيا أمر مستحيل لأنها لا تقبل القسمة إلا على نفسها, ولعل سيناريو الدولة الفاشلة هو المراد لها. التقسيم لم يقدم حلا للسودان بل ضاعف مشاكله.
ما تقييمكم لدور دول الجوار, من ذلك تونس, إزاء الملف الليبي؟
الدول العربية كاملة دون استثناء تتعامل مع المواطن الليبي كرقم يصنف كسائح أو زائر أو لاجئ, وأغلبهم زاد الضغوط والعقبات في حركة المواطن الليبي والسفر عبر هذه الدول. أرى واستمع إلى وجود حالة من الإحتقان لدى الليبيين من تعامل الدول العربية معهم في مطاراتها أو خلال إقامتهم فيها, إضافة إلى تعقيد الإجراءات لهم. لن يكون أثر هذا الأمر طيبا في العلاقات الليبية العربية وسيساهم في الإبتعاد عن العمق العربي والبحث عن اتجاهات أخرى بعيداً عن العرب. تونس على سبيل المثال تعاني من وضع اقتصادي هش لا يسمح لها بالحركة أو المجازفة، ولكنها تفتقد إلى التخطيط الإستراتيجي والتنسيق بشكل رسمي وقوي لمواجهة التحديات المشتركة. الإعلام في تونس والمال الإسلامي والإخواني قاموا بدورهم في توجيه الرأي العام إلى الاتجاهات التي يرغبون فيها, وعبد الحكيم بلحاج ضخ ملايين من الدولارات في الإعلام التونسي.
هل تعتقدون أن أنصار النظام السابق سيحكمون ليبيا من جديد؟ وهل هؤلاء هم الخيار الأمثل لإنهاء الأزمة؟
العودة إلى الوراء حلم لا يزال البعض يعتقد به, فحتى ما قبل نظام القذافي البعض يدعو إلى عودة الملكية وبعضهم إلى وصاية إيطالية, والبعض الاخر يريد الإنضمام إلى الخلافة العثمانية والباب العالي. الخيار الأمثل هو المصالحة الوطنية الإجتماعية والشراكة السياسية بيننا كليبيين للخروج من النفق.
في رأيكم لماذا تم استبعاد القبائل الليبية من جلسات الحوار الليبي منذ انطلاقته وإلى غاية اليوم؟
حوار القبائل عادة يكون داخل ليبيا و تستضيفه إحدى القبائل، هكذا جرى العرف. مشاركة القبائل الليبية مطلوبة في كل الإجتماعات وتمثيلها مهم لإنجاح أية مبادرة.
ما تعليقكم على الأخبار المتداولة مؤخرا بخصوص إطلاق سراح سيف الإسلام القذافي؟
لن يقدم أو يؤخر في شيء. سيف اجترار لأوهام الماضي. الان سيف ورقة يحاول الجميع استخدامها بما فيهم الدول التي تتحدث عن ضرورة محاكمته أو نقله إلى لاهاي, إلخ. سيف الإسلام ورقة مفعول بها لا ورقة فاعلة, وبالتالي لست مهتما بمتابعة هذا الملف إلا من الجانب الإنساني. سيف الإسلام له الحق في محاكمة عادلة ومعلنة وفي ضمان حقوقه في الدفاع عن نفسه.
ليبيا بعد القذافي: حكومتان و برلمانان وانتشار رهيب للأسلحة والإرهاب.. إلى أين يتجه الوضع؟
ستستمر حالة الفوضي إلى مطلع العام القادم. لا يوجد قرار دولي لإستقرار ليبيا كما وجد قرار لضربها وإسقاط نظام الحكم فيها. الكبار مختلفون على كعكة ليبيا ولم يصلوا إلى حل حتى هذه اللحظة.
ما دور الأجندات الخارجية إقليميا ودوليا في الأزمة الليبية؟ وهل جنى النفط على البلد؟ وماذا تقولون عن عمليات تهريب النفط الليبي؟ ومن يقف وراءها؟
غياب الأجندة الوطنية الليبية يجعل الأجندة الخارجية تجد الفراغ في المشهد الليبي. أما بخصوص تهريب النفط فيتم في المشتقات النفطية المدعومة. جاري استنزاف موارد البلد من الإحتياطات النقدية إلى السلع المدعومة بشكل ليس له مثيل. المهربون معروفون, وكل ما ثار من إيطاليا وغيرها كذب, فهم يعلمون أسماء المهربين وعناوين منازلهم وكل التفاصيل عنهم ولا يقومون بأي تحرك ضدهم.
ما تشخيصكم لجلسات الحوار السياسي المنعقد في تونس مؤخرا؟ وهل سيمكن هذا الحوار من حلحلة الأزمة أم أنه يمثل أطرافا لا تمتلك الشرعية؟
الحوار بين أطراف متصارعة على السلطة لا أطراف مختلفة تبحث عن حل. الجميع يؤمن بالحسم ولا يوجد طرف قادر عليه. أنصاف الحلول قد تكون حلول مقبولة في وضع مشابه للوضع الليبي.
في اعتقادكم لماذا غرقت ليبيا في الفوضى بعد سقوط نظام العقيد؟ وهل ترون أن 17 فبراير ثورة أم مؤامرة كبرى لتدمير وطنكم؟
فبراير قادمة لا محالة سواء كانت بدعم من الخارج أم لم تكن. النظام السابق كان قد بلغ مداه وعجز عن قراءة المتغيرات الدولية قراءة واقعية. النظام القديم كان يعيش في وهم سلطة الشعب و النظام الأخير لحل مشكلة نظام الحكم و النظرية العالمية الثالثة ولا خوف من الشعب لأنه من يملك الحكم في ليبيا و هذا غير صحيح. النظام السابق كان نظام الفرد يوفر الحد الأدنى للمواطن ويمارس العبث والسفه السياسيين طيلة عقود دون حسيب أو عقاب. الفوضى أمر طبيعي فقد تم إسقاط المؤسسات وحلها و شل حركتها عن عمد لإسقاط الدولة. فبراير فشلت نعم, ولكن لا عودة لما سبقها فسبتمبر مات ومات من صنعه. علينا جميعا التخطيط لرسم المستقبل متناسين الأحقاد وتصفية الحسابات، وهذا ما يجب القيام به.
كيف تقيمون الدستور الليبي الجديد؟ وهل هو دستور كل الليبيين, خاصة وأن هناك خلافات حول بعض بنوده؟
يجب تعليق عمل لجنة الدستور. ليبيا محتاجة الى إستقرار أمني قبل الحديث عن دستور يكتبه مواطن أمريكي ويتم عقد جلسات أعضاء اللجنة في سلطنة عمان. الدستور ليس الحل. الكثير من الدول الفاشلة تملك أجمل الدساتير.
رغم تحفظ مصر, مجلس الأمن يقر نقل أسلحة ليبيا الكيميائية إلى الخارج, ما تعليقكم؟
المجتمع الدولي تحركه القوى الكبرى التي لا يهمها سوى مصالحها, فالملفات التي تشكل خطرا عليها نرى فيها قرارا عاجلا وسريعا واتفاقا فيما بينها، ولكن القضايا التي تهم المواطن والشعب الليبي لا يحسم فيها شىء ويتم تقاذفها فيما بينهم. نحن لا نملك رفاهية الوقت, ولو كنت مسؤولا ليبيا لما سلمت أو وافقت على نقل هذا المخزون هكذا بدون اتفاق شامل يخدم مصلحة الشعب الليبي.