في خطوة متوقعة، وبعد جدل ونقاشات وخلافات مختلفة، أعلنت عدة مصادر نهاية أبريل عن انطلاق تدريجي لعملية "ايريني" الأوروبية لتنفيذ حظر السلاح المفروض دوليا على ليبيا، ومراقبة السفن التي يشتبه في أنها تحمل أسلحة أو مقاتلين، اعتمادا على بارجات وطائرات وأقمار صناعية متطوّرة بعد استعدادات تعطلت لأيام، في خطوة أغضبت تركيا وحكومة الوفاق الحليفان القويان في الأزمة الليبية، ووسط تواصل المعارك بين الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والقوات التابعة لفائز السراج غرب البلاد.
ويشمل قرار الحظر الأسلحة المعلن عنه أوروبيا، الذخيرة والمركبات والمعدات العسكرية والمعدات شبه العسكرية وقطع الغيار، وكل ما من شأنه أن يكون سببا في تعميق الصراع في ليبيا. العملية التي ستدوم سنة تخضع للتقييم كل أربعة أشهر، ستكون مقتصرة على شرق البحر المتوسط بعيداً عن طرق عبور المهاجرين، وهي النقطة التي أدخلت خلافا بين الأوروبيين المتخوفين من موجة اللاجئين.
الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل أعلن في أولى التصريحات أنه "في مواجهة الوضع في ليبيا، تفهم الاتحاد الأوروبي أن عليه أن يتحمل جزءًا كبيراً من المسؤولية في حلّ الأزمة، التي لا تزيد فقط معاناة الليبيين، بل تؤثر في الأمن والاستقرار في دول الجوار والساحل، وأيضاً في مصالح الأوروبيين بالمعنى الواسع".
وقالت الخارجية الفرنسية في تعليق على العملية إنها ستتيح للاتحاد الأوروبي الإسهام، "من خلال العتاد البحري والجوي والأقمار الاصطناعية، في تنفيذ حظر توريد الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة. وتدلّ على التزام الأوروبيين الحازم بالعمل معاً للدفاع عن مصالحهم السياسية والأمنية المعرّضة للخطر في إطار الأزمة الليبية".
وأضافت أنها "تجسيد النداءات بالامتثال لحظر توريد الأسلحة وبالامتناع عن أي تدخل في الصراع الليبي في أفعال، في الوقت الذي تستمر فيه الانتهاكات وتدفق المرتزقة الأجانب"، في إشارة واضحة غير مباشرة إلى ما تقوم به تركيا من دعم لحكومة الوفاق، عبر استقدام مسلحين من سوريا لمواجهة الجيش الليبي.
الأوروبيون في الاتفاق المشترك قالوا إن "إيريني" تهدف إلى ضمان الاستقرار في ليبيا والمساهمة في العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة. وقد عرفت في البداية خلافات بين الأعضاء بسبب مشكل اللاجئين، كما قوبلت بردة فعل غاضبة من فائز السراج وحكومته، لكن لتوضيح الهدف من العملية قدمت دائرة الإعلام في الخارجية الألمانية تعريفها لها مشيرة إلى أن مراقبة حظر الأسلحة تعتبر نقطة أساسية، لكنها كانت نقطة من مجموعة نقاط إلى جانب مراقبة التصدير غير المشروع للنفط، وتدريب البحرية الليبية وبناء قدراتها لمجابهة تجار البشر وحركة المهاجرين في البحر المتوسط.
وقبل بدء عملية "إيريني" قال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي بيتر ستانو إن المهمة تمتلك كل الظروف لنجاحها معلنا التوصل بين الدول الأعضاء على استقدام أولى السفن والطائرات وأقمار المراقبة اللازمة، موزعة كمرحلة أولى بين فرنسا الدولة الأكثر حرصا على المهمة وإيطاليا ولوكسمبورغ بالإضافة إلى ألمانيا واليونان ومالطا التي تبدو الأقل تحمسا من بقية نظرائها في الاتحاد بسبب مواقفها حول الهجرة غير الشرعية في المتوسط متهمة بقية دول الاتحاد بتركها وحيدة في مواجهة أزمة المهاجرين.
العملية الأوروبية التي بدأ تنفيذها بالكامل يوم 8 مايو، بالقدر التي لقت صداها لدى بعض الدول خاصة المتداخلة في الأزمة الليبية باعتبارها ستحدّ من التدخلات التركية ومن حركة عبور السلاح والمسلحين، بالقدر التي أغضبت حكومة الوفاق واسطنبول وبدرجة أقل روسيا. فالتصريحات التركية ذهبت إلى أن الخطة "لم تُطلق من أجل السلام في ليبيا، بل للدفاع عن مصالح الأوروبيين في أحد أغنى البلدان الأفريقية بالنفط والغاز، وأنّهم "شعروا بالخطر الذي يشكله الحضور القوي لتركيا وروسيا في البلاد، مما قد يسحب البساط من تحت أرجلهم في البلد الذي يعتبرونه حديقتهم الخلفية." حسبما نقل موقع حفريات. وقال أردوغان في تعليقه على الخطوة الأوروبية أن "الاتحاد لا يملك أي صلاحيات بشأن ليبيا، معلنا أن بلاده لن توقف دعمها لحكومة الوفاق إلى حين سيطرتها الكاملة على طرابلس.
من جانبها انتقدت روسيا العملية، عبر وزير خارجيتها سيرغي لافروف الذي دعا إلى الكشف عن تفاصيلها كاملة، قبل دخولها حيز التنفيذ، مطالبا الاتحاد الأوروبي بالحصول على موافقة أممية معتبرا أن عدم إطلاع الأمم المتحدة بها يثير أسئلة كثيرة". والانتقاد الروسي متوقع باعتبار تخوفات موسكو من خسارة موقعها في بلد ترى أنه مكسب اقتصادي لاستثماراتها مستقبلا.
أما حكومة الوفاق المعني المباشر بما يحصل فقد اعتبرت أن ما يقوم به الاتحاد الأوروبي هو محاصرة للوفاق وتخفيف للضغط على المشير خليفة حفتر. وقد توجه فائز السراج في نهاية أبريل، برسالة إلى مجلس الأمن قال فيها إنه "لم يُتَشاور مع حكومة الوفاق حول العملية العسكرية كما تنص قرارات مجلس الأمن"، مضيفا أن "عملية الاتحاد الأوروبي تغفل مراقبة الجو والحدود البرية الشرقية لليبيا".
فن الإطار ذاته قال وكيل وزارة الدفاع في حكومة الوفاق صلاح النمروش في تصريحات لوسائل إعلام تركية إن "أوروبا تقوم بهذه العملية من دون أن نعلم المقصود منها في هذا التوقيت. لكن جميع المؤشرات تشير إلى محاصرة حكومة الوفاق ودعم حفتر". مشيرا إلى أن الاقتصار على الحدود البحرية دون غيرها فيه انحياز لطرف على طرف.
وعلى الرغم من هذه الخطوة الأوروبية التي من شأنها أن تحد من التدخلات التركية في ليبيا، لكن كل ذلك يبقى رهين التزام دول الاتحاد بتعهداتها لأن علاقاتها القوية مع تركيا من شأنها أن تعدّل من بعض الإجراءات، خاصة أن تلك الدول دائما ما تفكر في المصالح الخاصة وهذا ما يمكن أن تضمنه لهم اسطنبول في كل لحظة.