مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة في غرب افريقيا تعود ملكيتها للأجانب.. أفراد وشركات عابرة للقارات تسعى للحصول على أكبر قدر ممكن من الأراضي الافريقية الصالحة للزراعة. جزء من هذه المساحات عجز أصحابها الأصليون عن استغلالها جراء ضعف أو غياب التمويل، وجزء آخر دخل حيّز هيمنة الشركات المتعدّدة الجنسيات التي تبحث على طرق تأمين أنشطتها في بلدان الغرب الافريقي، عبر استئجار أو شراء أكبر قدر ممكن من الأراضي الصالحة للزراعة، في وقت تعجز فيه مناطق عديدة من القارة الافريقية عن تحقيق أمنها الغذائي، وتشهد انتشار المجاعة بسبب ضعف الانتاج الزراعي أو غيابه.

البحوث التي أجريت مؤخرا من قبل منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، وشملت 9 دول في غرب أفريقيا (بنين، بوركينا فاسو، كوت ديفوار، غينيا، غينيا بيساو، مالي، النيجر، السنغال وتوغو)، توصّلت إلى أنّ مساحة الأراضي التي حصل عليها الأجانب تقدّر بنحو 7 ملايين و125 ألف و968 هكتار، من جملة  121 مليون و413 الف هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة في البلدان المذكورة، أي بنسبة تقدّر بـ 6.4 بالمئة من الأراضية الفلاحية أو تلك الصالحة للزراعة في هذه البلدان.

وتقدّر المساحات التي تحوّلت إلى ملكية الأجانب في دول غرب افريقيا بـ 85 ألف و764 هكتار في بنين، 5 ملايين و 747.602 هكتار في بوركينا فاسو، 119 ألف و578 هكتار في كوت ديفوار، 34 ألف و900 هكتار في غينيا، إضافة إلى 2860 هكتار في غينيا بيساو، 74 ألف و938 هكتار في مالي، و  207 ألف و643 هكتار في النيجر. أما في توغو، فتبلغ هذه الأراضي مساحة 77 ألف و65 هكتار، و844 ألف و976 هكتار في السنغال.

ووفقا لأحدث دراسة أجريت مؤخرا من قبل معهد "أوكلاند" الأمريكي، تتصدّر شركات كوريا الجنوبية لائحة المشترين للأراضي الصالحة للزراعة في غرب أفريقيا والقارة الأفريقية بشكل عام. ويقدّر مجموع الأراضي المستأجرة أو المشتراة من قبلها بمليونين و912 ألف هكتار، تليها المملكة العربية السعودية بمليون و912 ألف و117 هكتار، ثمّ الهند بمليون و 644 ألف هكتار، فالصين بمليون و460 ألف و800 هكتار، ومصر بمليون هكتار، فيما استحوذت اليابان على 922 ألف و862 هكتار، وليبيا على 264 ألف هكتار.

وتعقيبا على هذه المنافسة المحتدمة بين دول العالم للحصول على أكبر قدر ممكن من الأراضي الافريقية، قال المختص في الاقتصاد الريفي بـ "الوكالة الوطنية للتنمية الريفية في كوت ديفوار" (حكومية) "كونيه ميامون"، أنّ "أطماع الشركات المتعدّدة الجنسيات تدفعها نحو تأمين أنشطتها".

وأضاف "العولمة أدّت إلى اشتداد المنافسة، وخلقت نوعا من الحاجة لدى الدول لتأمين احتياجاتها أو احتياطاتها من المواد الأولية.. إنّها إحدى الأسباب الرئيسية التي تدفع بالشركات متعددة الجنسيات إلى المجيء إلى افريقيا، واقتناء الأراضي بأسعار زهيدة، وهذا راجع بالأساس إلى عجز أصحاب تلك الأراضي عن تقييم قيمتها الحقيقية واستغلالها، نظرا لغياب الموارد المالية واللوجستية والتقنية اللازمة".

ولم يقدّم "ميامون" توضيحات بشأن سعر الهكتار الواحد، واكتفى بالإشارة إلى أنّ الأسعار غير مستقرّة، ولا يمكن بالتالي تحديدها، لافتا إلى أنّ "إلغاء القيود التي كانت تقف بوجه المستثمرين الأجانب، وسريان عرف ينصّ على أنّ الأرض لم تعد ملكا للمجتمعات، فتحا الطريق أمام هؤلاء لاقتناء الأراضي الافريقية الصالحة للزراعة".

وعلى صعيد آخر، وجّه الخبير الاقتصادي أصابع الاتهام نحو "النظم التعليمية والاقتصادية الأفريقية، غير المواكبة، بشكل دائم، للمستجدّات في القارة (الافريقية)". فنظام التعليم الافريقي أثبت فشله في إقناع الطلبة بقيمة العمل في المجال الزراعي، وأهمية المبادرات الخاصة في هذا المجال.

وفي السياق ذاته، أشار "ميامون" إلى أنّ الهيمنة الأجنبية على الأراضي الافريقية الخصبة تعود بشكل أساسي إلى ضعف أو غياب التمويل، وهو ما يكبح تقدّم الاستثمارات الزراعية في القارة، ذلك أنّ "البنوك ترفض تمويل المشاريع الصغرى، بسبب ارتفاع مخاطرها، إلى جانب ضعف الانتاج وعدم انتظام الأسواق المرتبطة به.. صعوبات بالجملة ينبغي التغلّب عليها لتشجيع الأفارقة على الاستثمار في قطاع الزراعة، واستغلال واستثمار أراضيهم الخصبة، والتي تمّ التخلي على جزء كبير منها".

موضوع "الاستيلاء" على الأراضي الافريقية الصالحة للزراعة أسال الكثير من الحبر، وأثّث نقاشات عديدة في وسائل الإعلام ومكاتب الدراسات، بينها "غروتيوس الدولي" (المتخصص في الجيوسياسية الانسانية) والعديد منها اعتبرته "استعمارا عقاريا جديدا لمنطقة الغرب الافريقي".

وبخصوص وجهة النظر هذه، أوضح "غروتيوس" أنّ عبارة "الاحتلال الجديد عبر العقار، تتماهى وتتناغم  مع توسّع "الهيمنة الرأسمالية" على ثروات افريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهو ما يدفع نحو التفكير في استعادة أساليب الاستكشاف القديمة، و"نهب الوقت"، والتي سادت خلال فترات ما قبل استقلال الدول الافريقية، أو في "تمديد ما يسمى بالاستعمار الجديد، رغم التحولات التي يشهدها السياق الافريقي"، بحسب المصدر نفسه.

من جانب آخر، لم ينكر "غروتيوس" أن الدول الإفريقية تغنم بعض الأرباح كالمقابل المادي على إيجار أراضيها للمستثمرين الأجانب وخلق فرص عمل، وإن كانت هذه الأرباح، "ضعيفة"، على حد تعبيره.