يقول صفوان بوعزيز، أحد المحتجين المتابعين االثلاثاء الماضي ، بعد أكثر من ثلاث سنوات على فرار بن علي، أنه ضحية "لانتقام أجهزة الأمن".

"نعم، كنت واحدا من بين محتجين كثر في سيدي بوزيد في اليوم الذي قتل فيه محمد البراهمي يوم 25 يوليو الماضي. لكنني لم أفعل أي شيئ مما تتهمونني به. إنه ببساطة مجرد انتقام تقوم به أجهزة الأمن". وصفوان بوعزيز ناشط من منطقة منزل بوزيان وهو واحد من المتهمين الذين مثلوا اليوم الثلاثاء أمام المحكمة العليا في سيدي بوزيد، مهد الثورة التونسية منذ ثلاث سنوات. عمره 30 سنة، عاطل عن العمل منذ أن أنهى دراسته ومتهم "بتحقير العلم الوطني وتهديد موظف عمومي"، ولكن أيضا بإضرام النار في مقر الحرس الوطني، وهي التهمة التي قد تؤدي به إلى السجن مدى الحياة.

يتهم صفوان الأجهزة الأمنية بالانتقام من أبناء المنطقة التي احتضنت ثورة ديسمبر 2010 ولا تزال ثائرة إلى اليوم. "نعم كنت هناك. وأذكر أنني التحقت بالمظاهرة متأخرا قليلا، لكن لم يسبق لي أن ضربت ضابط شرطة أو أحرقت مركز الحرس الوطني. أُحاكم لأنني أحضر في كل المظاهرات منذ أكثر من ثلاث سنوات. تهاجم المصالح الأمنية الناشطين في الحركة الثورية أينما كانوا، إنهم ينتقمون".

أهداف الثورة

معظم الشباب الذي مثلوا أمام المحكمة االثلاثاء ينحدرون من سيدي بوزيد، مدينة "الشهيد" محمد البوعزيزي الذي تخيم صورته العملاقة على وسط المدينة. البعض، مثل صفوان، ينحدرون من منزل بوزيان، والبعض الآخر من مكناسي أو من بن عون، غير بعيد. هذه المدن الفقيرة وسط تونس لم تر شيئا من أهداف الثورة التي ناضل شبابها من أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية. ولهذا استمروا في التظاهر.

وتابع صفوان منددا، أنه كان عليهم مواجهة نفس التواجد الأمني كما في أيام الدكتاتورية. بالنسبة لهم، من المهم التأكيد على أن احتجاجات 25 يوليو، ساعات فقط بعد اغتيال ممثلهم البرلماني في تونس، جرت في فترة ما بعد الظهر. أما الحريق الذي يُتهم بضلوعه فيه فقد وقع في مساء ذات اليوم. "لقد هرعنا بسرعة كبيرة للتعبير عن رفضنا للإرهاب ورغبتنا في رحيل حكومة الاسلاميين النهضوية واستمرار مشروع الشهيد البراهمي"، يوضح صفوان.

130  قضية

"لكنهم اغتنموا الفرصة لتلفيق اتهامات باطلة لنا". وهي اتهامات ليس صفوان وحده من يتبرأ منها. خالد عوينية، المحامي الذي يدافع عن عدد من الناشطين من شباب الثورة، يشاطره هذا الإحساس بالظلم ورغبة الأجهزة الأمنية في الانتقام. في مكتبه في سيدي بوزيد، حيث تحيط به أكوام من ملفات هذه القضايا، يعبر المحامي بشكل مباشر حين يقول: "لقد عادت الآلة الأمنية بقوة وكشرت عن مخالبها التي قطعت إبان الثورة. فالثوار الشباب الذي أجبروا بن علي على الهروب يعانون الآن من المتابعة ويعيشون في حالة من الخوف".

وقد أحصى المحامون والنشطاء التونسيون ما يناهز 130 قضية اتهام في مختلف أنحاء البلاد ضد النشطاء الفاعلين إبان الثورة. هناك المئات من النشطاء المتابعين الذين تُؤجل محاكمتهم باستمرار. يشدد خالد عوينية على أن "كثيرا من القضاة يؤجلون هذه القضايا إلى مواعيد لاحقة حتى لا يشاركوا في هذه العدالة الزائفة "، مضيفا أنها تُأجل أيضا "بفضل العديد من المظاهرات الاحتجاجية التي تنظم أمام المحاكم".

مرة أخرى ضرب الشباب موعدا ، الثلاثاء الماضي، أمام المحكمة العليا في سيدي بوزيد على الساعة 10. لكن الخوف يبقى قائما من مغبة إنهاء مشوارهم خلف القضبان لسنوات عديدة. "لا أستطيع النوم. لا أريد أن أتخلى عن معركتي، لكن التهم المحاكة ضدي ثقيلة جدا ..."، يُقر صفوان. "لا يسعني سوى الرجاء مرة أخرى في عدالة بلدي."