شهدت الساحة الليبية منذ ما يزيد عن سنة، عودة قوية للدبلوماسية الإيطالية من خلال زيارات مكثفة لمسؤولين إيطاليين رفيعي المستوى إلى طرابلس بدأتها رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني في يناير الماضي ولاتزال الزيارات مستمرة ولن يكون آخرها خلال انعقاد مؤتمر الهجرة عبر المتوسط الذي انتظم قبل أيام بالعاصمة طرابلس.

هذه العودة الإيطالية القوية تأتي بالتزامن مع ما تتداوله وسائل الإعلام المحلية والدولية عن تشكيل فيلق أوروبي تشارك في تكوينه إيطاليا وبريطانيا وفرنسا إضافة للولايات المتحدة الأمريكية، ويأتي تشكيل هذا الفيلق تحت غطاء توحيد الميليشيات المسلحة في البلاد للمضي قدماً نحو إجراء الانتخابات الرئاسية المؤجلة منذ عام 2021.

مطلعون على تطورات المشهد السياسي والعسكري في ليبيا، يرون أن سلبيات تواجد الفيلق الأوروبي غرب البلاد أكثر بكثير من الإيجابيات، وخير دليل على ذلك هو الاشتباكات المسلحة التي تشهدها المنطقة الغربية من فترة لأخرى، وآخرها كان في الأيام القليلة الماضية.

حيث شهدت مدينة الزاوية إشتباكات مسلحة عنيفة بين الميليشيات أدت إلى محاصرة عدد كبير من العائلات والأشخاص في منازلهم من دون التمكن من الخروج أو حتى الوصول إليهم. وناشد الهلال الأحمر الليبي فرع الزاوية جميع الجهات الأمنية للتعاون، كما طلب ذلك أيضاً من أطراف النزاع معتبراً أن العائلات تستغيث ولا ذنب لأي منها فيما يحصل.

ويعتبر البعض أن اشتباكات الميليشيات في الزاوية دليل على أن الفيلق الأوروبي بدأ بالفعل نشاطه في ليبيا، حيث أنه كلما جاءت قوة أجنبية جديدة إلى البلاد يبدأ الصراع بين الميليشيات لتوسيع مناطق نفوذها بهدف استقطابهم إلى هذه القوة الجديدة.

وبالحديث عن الفيلق الأوروبي، يؤكد الخبراء أن إيطاليا هي المحرك الرئيسي لتشكيل هذا الفيلق، كونها ترى في الأراضي الليبية كنز غازي ونفطي لا يمكنها التخلي عنه وتسعى لنهبه بالاتفاق مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية غرب البلاد برئاسة عبد الحميد الدبيبة في صفقة تُعرف بـ" النفط مقابل السلاح والبقاء في السلطة".

وتسعى روما لأن تكون ليبيا نقطة إنطلاقها نحو دول القارة السمراء، وفق خطة ماتي التي أعلنت عنها رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، مطلع العام الجاري والتي ترمي لاستثمار مليارات الدولارات لتوسيع النفوذ الإيطالي في إفريقيا بهدف مكافحة الهجرة غير الشرعية.

ويشير باحثون سياسيون إلى أن التواجد الأجنبي في ليبيا مرفوض تماماً من الشعب الليبي ومن الميليشيات نفسها المتحاربة فيما بينها، وخير دليل على ذلك إعلان المجلس الأعلى لثوار الزنتان رفضه القاطع لوجود أي قوات أجنبية داخل المدينة أو وجود شركات تنقيب نفطية أو شركات استثمارية أجنبية عاملة في مجال النفط، داخل الحدود الإدارية للمدينة الممتدة حتى الجزائر شرقا.

وأشار البيان أنه لابد من أخذ إذن مسبق من المجلس المحلي، مشددين أن حقول النفط الموجودة بالمدينة ملك للشعب الليبي بأكمله، وأنهم لن يسمحوا بالتعدي عليها في ظل غياب حكومة شرعية منتخبة موحدة للبلاد.

مضيفين أن الطرف الوحيد المستفيد من التواجد الأجنبي سواءً بالشركات النفطية أو القوات الأجنبية هو عبد الحميد الدبيبة وحاشيته، وإذا إستمر الوضع على ماهو عليه فستشهد المنطقة حرباً عنيفة بين الميليشيات المسلحة وسينتهي الأمر بإستمرار الفوضى الأمنية والسياسية في البلاد إلى أجل غير مسمى.