الملف الشائك، أو القنبلة الموقوتة، والمتعلّقة بعودة الرئيس الملغاشي السابق "مارك رافالومانانا"، المنفي في جنوب أفريقيا، ما يزال موضع جدل في البلاد، بل إنّ الخلافات التي أثارها –وما يزال-  طالت مختلف الفرقاء السياسيين في البلاد، بما في ذلك النظام الحاكم.

ملف جعل الصدع يلمّ بالطبقة السياسية الملغاشية على اختلاف مشاربها، في ظلّ غياب شبه كلي لملامح انفراج ولو مؤقّت، بحسب المطلعين على الشأن العام في البلاد.

أنصار الرئيس الملغاشي الحالي "هري راجاوناريممبيانينا" أبدوا تردّدهم حيال عودة  "رافالومانانا" -المحكوم عليه بالأشغال الشاقة المؤبّدة في أحداث 7 فبراير/ شباط 2009 في مدغشقر  -على الأقلّ في الوقت الحاضر.

وأحداث 7 فبراير وقعت إثر إطلاق الحرس الرئاسي النار على الحشود التي كانت متجهة نحو القصر الذي يضم مكاتب الرئيس في وسط العاصمة ما أدى إلى سقوط 30 قتيلاً على الأقل وإصابة أكثر من 100 آخرين بجروح.

وزير الخدمة العامة والعمل والتشريعات الاجتماعية "جان دو ديو ماهارانت"، والمؤيد للرئيس الملغاشي الحالي، قال في تصريح للأناضول "هذا غير مناسب في الوقت الراهن".

ومن جانبه، تحدّث وزير الشؤون الخارجية "آريزوا رازافيتريمو" عن "شروط غير متوفّرة"، في خضمّ تبريره لموقف النظام الحالي من عودة الرئيس الملغاشي السابق، قائلا "الحكومة لا تستطيع منع عودة المنفيين، غير أنّ خارطة الطريق (وثيقة إطار تم توقيعها، في 17 سبتمبر/ أيلول 2011، بين القوى السياسية في مدغشقر لإدارة المرحلة الانتقالية) تقرّ شروطا ينبغي توفّرها للعودة، وهذه الشروط غير مستوفاة إلى حدّ الساعة".

وتساءل "ما الذي ستحمله معها هذه العودة؟ هل تحمل معها الاضطرابات أم لا؟ على أي حال، ينبغي أن نطرح عليه (رافالومانانا) سؤال ما إن كان يريد حقا العودة إلى البلاد".

وتناولت "المجموعة الدولية لدعم مدغشقر"، في اجتماعها، المنعقد مؤخّرا، بحضور الشركاء الفنيين والماليين للجزيرة الكبيرة، ملف "رافالومانانا"، وذلك ضمن لقاء يهدف إلى تنسيق الجهود لدعم إعادة إعمار مدغشقر من قبل المجتمع الدولي، وإنعاش اقتصادها بعد 5 سنوات من الأزمة السياسية التي عصفت بها.

سفير جنوب أفريقيا "يوهانس جروبلر" قال معقّبا على الموضوع للصحافة "لا يمكنه (رافالومانانا) أن يستقلّ طائرة اليوم، ويعود إلى البلاد في الغد".

ومن جهتها، قالت الممثّلة الخاصة ورئيسة مكتب الاتصال لدى الاتحاد الأفريقي في أنتاناناريفو " حواء أحمد يوسف" إنّ حالة الرئيس السابق ليست ثابتة، مشيرة إلى أنّ "الاتّحاد الأفريقي، ومجموعة التنمية بجنوب أفريقيا، بالإضافة إلى حكومة مدغشقر بصدد مناقشة الموضوع".

عودة "مارك رافالومانانا" إلى مدغشقر تعدّ من القضايا الشائكة بالنسبة للنظام الجديد، والذي اعتلى سدّة الحكم بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ديسمبر/ كانون الأولّ 2013. فترة انتقالية فائقة الحساسية، قد لا تحتمل عودة شخصية لا تلقى الإجماع في مدغشقر، وخصوصا وأنّ جراح الأزمة لم تندمل بعد..

ففي يناير/ كانون الأول العام 2008، أوقفت الجهات المانحة في مدغشقر (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، والبنك الأفريقي للتنمية) صرف الدعم بسبب تهم الفساد التي أحاطت بـ"رافالومانانا".

ودخلت مدغشقر بعدها في أزمة سياسية واقتصادية خانقة، رافقتها مظاهرات واحتجاجات طالبته بالاستقالة. وأدت حالة الفوضى السياسية على مدى عدة أشهر إلى تعطيل النمو الاقتصادي في الجزيرة المعروفة بمخزونها من النفط والفحم واليورانيوم والكروم والنيكل والكوبلت.

وفي 7 فبراير/ شباط 2009، أطلق الحرس الرئاسي النار بدون طلقات تحذيرية على الحشود الذين كانوا يتجهون نحو القصر الذي يضم مكاتب الرئيس في وسط العاصمة، ما أدى إلى سقوط 30 قتيلاً على الأقل وإصابة أكثر من 100آخرين بجروح.

وفي مارس/ آذار العام 2009، استسلم "رافالومانانا" للضغوط الممارسة عليه للتنحي عن منصبه، بعدما فقد السيطرة على الحكومة والجيش، وقام بتسليم السلطة إلى الجيش الذي قام بدوره بتسليمها إلى الرئيس المؤقت "أندريه راجولينا"، والذي أصبح رئيساً لمدغشقر بعد تزكية القادة العسكريين له، على الرغم من معارضة الاتحاد الأفريقي.

وحكم على "رافالومانانا"  غيابياً بالأشغال الشاقة المؤبدة في إطار محاكمة منفذي مذبحة أطلق خلالها الحرس الرئاسي النار على الحشود في فبراير/ شباط 2009.

وتقضي خارطة الطريق بحق المنفيين السياسيين في العودة "دون قيود أو شروط".

الوثيقة ذاتها لفتت إلى عدم التغاضي عن سيادة مدغشقر، موضحة أنّ "العودة دون شروط" لا تعني إعفاء المنفيين من الملاحقة القضائية، أو الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة".

أنصار الرئيس الملغاشي السابق، ممّن يساندون النظام الحالي أيضا، لم يفقدوا بعد الأمل في التوصّل إلى حلّ يرضي الجميع، ويقرّ عودة الرئيس السابق إلى مدغشقر.

وزير الزراعة والتنمية الريفية "رولاند رافاتومانغا"، وهو أيضا رئيس مفوّضية  "رافالومانانا"، قال، في السياق ذاته " تحدثت للتو مع الرئيس رافالومانانا، وقد كرّر رغبته في العودة إلى مدغشقر حتى اليوم إن أمكن ذلك".

وأضاف هذا العضو الوحيد في الحكومة، القادم من معسكر الرئيس السابق قائلا أنّ العودة "لا تعدو أن تكون سوى مسألة تنظيم"، لافتا إلى أنّ "الرئيسين رافالومانانا وراجاوناريممبيانينا تحدّثا حول هذا الموضوع، وأنا أميل إلى القول بأنه على العكس من ذلك، فإنّ عدم العودة (الرئيس السابق) يمكن أن تعرّض "عملية المصالحة" للخطر، لأنّ الكثير من الناس يدعمون فكرة رجوع الرئيس السابق".

الولايات المتحدة  تصرّ من جانبها على تنفيذ خارطة الطريق لعودة الرئيس السابق للدولة. وأشار "إيريك وونغ" القائم بالأعمال في سفارة الولايات المتحدة، في خطابه بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني لبلاده يوم 3 يوليو/ تموز إلى أنّ "العمل بأحكام هذه المادة (حول عودة المنفيين السياسيين) سيكون خطوة مهمة نحو إنشاء المصالحة الوطنية".

أمّا فرنسا، فموفقها بدا غير دقيق، حيث قال السفير "فرانسوا غولدبلات" للصحافة يوم 12 يونيو/ حزيران، على هامش الاحتفال بالعيد الوطني الروسي "نحن مهتمّون بجميع القضايا (في مدغشقر)، ولكن عودة رئيس الدولة السابق ليست من أولوياتنا".