ماذا يحدث بالضبط في غرداية بجنوب الجزائر؟ هل هو صراع طائفي إثني بين عرب وأمازيغ؟ طائفي على اعتبار أن هناك مذهب اباضي ومذهب مالكي وهي أوجه وتجليات لطريقة اعتناق الدين الإسلامي، وإثني لكون هذا بربري أمزيغي وذاك عربي من قبائل " الشعانبة ". هل بسبب مشاكل التنمية المحلية والتكفل باهتمامات وطموحات الشباب في غرداية اندلعت فتنة بين الطرفين؟

هل المشكل اجتماعي أم اقتصادي؟

 هذه اسئلة كثيرا ما طرحت وتطرح بحدة خاصة في الآونة الأخيرة قبل الانتخاابت الرئاسية التي جرت في 17 أبريل. فقد اندلعت ما يسمى " فتنة طائفية " بين "عرب الشعانبة " القاطنين على أطراف وادي مزاب وهم من مسلمي السنة المتبعيين للمذهب المالكي، و والبربر الأمازيغ الذين يتبعون المذهب الإباضي ". وقد تأجج الخلاف لتندع على إثره موجة احتجاجات وأحداث عنف، إلى حد بلغ الأمر بحدتها إلى أن سقط فيها قتلى وجرحى من كلا الجانبين.

ميزاب " أو  المجتمع المحافظ .. " غيتوهات منغلقة على نفسها.."

    برغم محاولات التعامل مع الملف بمزيد من التناسي والتجاهل لحقيقة الصراع، إلا أن الحقيقة كما يرى بعض الأكاديميون هي أن المجتمع المزابي الأمازيغي في منطقة وادي مزاب، هو أن الإباضيون ييعيشون في مجتمع منغق أو ما يسمى في السوسيوثقافية بـ " المجتمعات المنغلقة " أو " مجتمعات الغيتوهات ..". وبرأي هؤلاء، فإن المشلكة الحقيقية هي رفض هذا لذاك، أي رفض الإباضي للسني، وهذا بالنظر للطابع الإثني المحافظ، فللمزابيين الأمازيغ منهج حياة محافظ وصعب عليه أن يقبل بالتغيير في مناحي كثيرة، يعتقد باحثون جزائريون أن السبب هو تشبثهم بالتقاليد وفقا للمذهب الإباضي الذي جعلهم مختلفين عن عرب الشعانبة الذين يعيشون على أطراف المدينة. وهم يعيشون بطريقة مختلفة كليا عن طريقة عيش المزابيين، وهذا أبرز ما أجج الصراع. يضاف إليه كون الإباضيين لهم نظام اجتماعي يحكمه الولاء للجماعة أو للطائفة بشكل يحتم على أبنائه أن لا يخرجوا من دائرة الطاعة للقبيلة، بينما لا يظهر ذلك في جانب العرب الشعانبة الذين يعيشون مثل بقية الجزائريين ويتأقلمون مع أي تغير في مناحي الحياة.

هل للاقتصاد دور في الصراع؟

يعتقد باحثون جامعيون في الجزائر أن تركيبة المجتمع المزابي الاباضي لها علاقة بما يحدث من صراع بين الشعانبة والمزابيين، والسكن بالتحديد هو الأهم. فالدولة أنجزت سكنات اجتماعية لسكان غرداية ككل، لكن المزابيين، يرون بأن العيش بشكل مختلط مع الشعانبة قد يأثر على مستقبل ابنائهم. لذلك فالسكنات تبقى فارغة حتى اللحظة. ويطرح البعض المشلكة من زاوية اقتصادية، فالمزابيون لديهم اقتصاد ثابت وهو التجارة في التجزئة، وهذا النوع من التجارة تعرض في الجزائر خلال الخمس سنوات الأخيرة إلى خسائر كبيرة بالنظر إلى غزو تجار " الجملة " أو ما يسميهم البعض بـ " أصحاب الشكارة " والتي تعني التجار الجدد من أصحاب التعامل بالملايير، هؤلاء من الذين يشجعون على النشاط التجاري المبني على استيراد السلع الأوروبية والآسيوية. وبالنتيجة، فالمزابيون نشاطهم قائم على الاحتكار، أي احتكار التجارة بالتجزئة ولما يغزوا الشعانبة من اصحاب الملايير السوق بغرداية، هذا يؤثر على استقرار نشاط الطرف الآخر، مما عزز الخلاف. ولعل سوء تعامل الدولة مع هذا الجانب واعتمادها على سياسات ترقيعية كان له أثر في عدم لاقدرة على خلق استقرار في المنطقة، يقول أكاديمي جزائري.

هل هو اجتماعي؟

حسب إحدى الدراسات التي أنجزت في الجامعات الجزائرية حول هوية المجتمع في وادي مزاب، فإنه منذ بداية الصراع في غرداية، فإن للتركيبة الإجتماعية في الولاية دخل كبير لما يحدث. كيف ذلك؟ يرجع هذا إلى تراكمات قديمة خلفها الإستعمار الفرنسي. فكان المزابيون في معظمهم أباضيون امازيغ. وتتحدث إحدى الدراسات التي قامت بها كلية علم الاجتماع بجامعة بوزريعة بالجزائر العاصمة، عن (المخيال وإعادة إنتاج الرموز الاجتماعية، وعالج صاحب البحث " البنية الرمزية للمجتمع المحلي الميزابي بين الأصول الأولى والتحولات الراهنة – مقاربة سوسيوأنثربولوجية لحالة قصر غرداية". ويفيد استطلاع للرأي نشره موقع " غرداية نيوز " الإلكتروني عن أسبا عدم الاستقرار الاجتماعي بولاية غرداية، أن الأمر له عدة أسباب منها، الجهوية والمحسوبية في الإدارة بدليل أن نسبة 44 في المائة من سكانةغرداية يقولون بذلك، بينما 22 في المائة منهم يرون بأن الإشكالية تكمن في انتشار المخدرات والآفات الاجتماعية، ويعتقد 18 في المائة بوجود أسباب أخرى منها الصراع الإثني والديني ( طائفي ). في 15 في المائة من الغرداويين يعتقدون أن المشكل يكمن في العقار.

هذه هي مطالب الإباضيين؟

للمجتمع الإباضي عادات وتقاليد يريد الحفاظ عليها، وهو ما جعله يظهر بالمجتمع المختلف عن المحيطين به من مدن يقطن بها العرب الشعانبة. حيث برغم اختلاف الأجيال القديمة عن جيل التسعينات والقرن الحادي والعشرين، إلا أن محاولات المحافظة عن خصوصية المزابيين الإباضيين الأمازيغي استمرت، والآن، يطالب هؤلاء من الحكومة الجزائرية أن تولي أبناء الإباضيين المسؤولية في  المناصب العليا، وكذلك، تدريس المذهب الاباضي في المدارس وكذا إدراجها في الكتاب المدرسي، وبناء مؤسسات دينية للفكر الإباضي. وهي مطالب في غاية الأهمية بالنسبة للمجتمع الاباضي الذي يتميز ويختلف في طريقة عيشه مقارنة بالمحيطين به من متبعي المذهب المالكي.

  كيف ترى جمعية العلماء المسلمين الصراع الطائفي في غرداية؟

   بلغة خطاب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، عبد الرزاق قسوم، يتضح بأن أزمة غرداية هي صراع طائفي أثني أكثر منه اجتماعي، فقسوم خاطب أهل وادي ميزاب قائلا " اسمعوها منّا، فهذه إليكم، نصيحة صادقة صريحة، نابعة من عمق وصدق القريحة. إنّكم، يا إخوتنا، عنوان الإيمان والتدّين، نحسبكم نموذجًا يُقتدى، ومثلا يُحتذى، أدّبَكم الإسلام فأحسن تأديبكم، وملأت شغاف قلوبكم الوطنية؛ فجَعلت منكم عينة لحسن التعايش في ظلّ العروبة، والإسلام. فماذا دهاكم! وماذا ألّم بكم! أنتم مؤمنون و"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" وأنتم إخوة "فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أخَوَيْكُمْ". وهذا الكلام فيه من الدليل كا يثبت أن على أهل غرداية من الطائفة " الإباضية " أن يتعقلوا ويجنحوا للسلم والحوار ولا يؤججوا الصراع، وفي رسالته إلى الإباضيين في غرداية، قال رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تضم مسلمي السنة من المذهب المالكي المتبع من طرف الجزائر، قال عبد الرزاق قسوم أن الفتنة التي تحدث في غرداية سببها تسلل بعض من وصفهم بـ " العقارب " ضمن المزابيين كي تخرج النزاع، بينما دعاهم إلى الوحدة ونبذ الفرقة. ثم عاد واضوح بأن شباب غرداية انتفض من أجل مشاكل اجتماعية عندما قال في رسالته " نحن ندرك أنّ للشباب في منطقتكم مشاكل لم تحلّ، وطموحات لم تُحقق. هناك مشاكل اجتماعية كأزمة السكن وتفشي الآفات، ومشاكل اقتصادية كالبطالة، واللامبالاة، ومشاكل ثقافية، نابعة من ضعف التكوين، وانعدام القيم التربوية، وغزو الثقافات، فمهما كانت مشاكلكم ومعاناتكم على اختلافها ولا أحد يمنعكم من المطالبة بما هو حقّكم، لكن هذا لا يبرر مطلقاـ الشائن من السلوكات. " وكان يقصد بأن الوضع الاجتماعي ليس مبررا للعنف الطائفي. خيث دعاههم  قائلا :" انبذوا يا إخوتنا كلّ فرقة، وكلّ تنابز بالألقاب، وقوموا جميعا قومة رجل واحد، لإفشال المؤامرة، واستئصال جذورها من الأساس، فأنتم النبراس، وفيكم يكمن إصلاح كلّ الناس للقضاء على كلّ وسواس خنّاس".