لم يعد خافيا على المراقبين أن رئيس لجنة الدعم التابعة للأمم المتحدة بليبيا الدكتور غسان سلامة يبدي تحاملا ضد الجيش الوطني الذي يصفه بـ”قوات خليفة حفتر”، مقابل تعاطفه مع الميليشيات والجماعات الإرهابية التي يطلق عليها اسم قوات الوفاق، في إشارة إلى حكومة المجلس الرئاسي التي لم تحظ في يوم ما بتزكية برلمانية تمنحها الشرعية لتقوم بدورها، بل ولم يعد لها سيطرة إلا النزر القليل من مساحة البلاد، ينحصر في العاصمة ومصراتة والزاوية وزليتن والخمس وزوارة وسرت، وبعض القرى الأمازيغية في الجبل الغربي.
وعندما يتهم الجيش غسان سلامة بأنه لا يبحث عن حل ليبيا وإنما للإخوان، فهو يعبّر عن حقيقة واضحة للجميع. فالمبعوث الأممي الذي تم تكليفه بمهمته الحالية منذ يونيو عام 2017، يحاول الاستمرار في هدف البعثة المخترقة، وهو إعادة تدوير الإسلاميين، وفرضهم على المجتمع الليبي كما تم ذلك خلال مؤتمر الصخيرات في ديسمبر 2015، وتأجيل كل الحلول السياسية والعسكرية طالما أنها لا تحمل بوادر التمكين للإخوان وحلفائهم.
وقد كان واضحا أنه سعى إلى ذلك من خلال ملتقى غدامس الذي كان مقررا لمنتصف شهر أبريل الماضي، بفرض حل يكون مجلس الدولة الإخواني شريكا أساسيا فيه، بالتعاون مع بعض الانتهازيين من أعضاء مجلس النواب، والمخاتلين من قوى سياسية سواء كانت محسوبة على نظام القذافي أو على محور فبراير، مقابل تهميش الفاعلين الأساسيين على الميدان وعلى رأسهم الجيش الوطني وأنصار سيف الإسلام القذافي الذي لا تزال محكمة الجنايات الدولية تلهث وراء القبض عليه ومحاكمته، في حين أن لا أحد يتحدث عن جرائم أمراء الحرب وقادة الميليشيات ممن تورطوا في جرائم إبادة جماعية، لا تزال مناطق قرقور وبني وليد وورشفانة وبراك الشاطئ وتاورغاء والمشاشية شاهدة عليها.
عندما يتحدث غسان سلامة أمام مجلس الأمن، نعتقد أن إحاطته محررة داخل غرفة عمليات إعلامية تابعة للإخوان، وموجودة في تركيا أو قطر، أو أنها تقرير صحافي مكتوب خصيصا لقناة “الجزيرة” مثلا، وهو ما يذكرنا بما كان يحدث عام 2011، عندما تم تجييش العالم للتدخل العسكري المباشر في ليبيا، دون التثبت مما سيكون عليه الوضع لاحقا، والذي كانت نتيجته ما نحن عليه اليوم. فبعد ثمانية أعوام لا يزال الوضع على ما هو عليه، بينما يتم نهب الثروات ليظهر في كل يوم مليونير جديد، والكلام لسلامة نفسه، الذي يبدو هذه المرة أقرب إلى وجهة نظر فتحي باشا آغا والسويحلي وحتى صلاح بادي وعبدالحكيم بلحاج.
كان سلامة شريكا في اتفاق أبوظبي بين القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، والذي استبشر به العالم، خصوصا وأن حفتر خرج في أوائل أبريل ليعلن أنه هناك حكومة وحدة وطنية ستعلن خلال شهر، لكن ماذا حدث؟
تراجع فايز السراج عن الاتفاق الذي كان سيفتح المجال أمام الجيش لدخول العاصمة سلميا، والسبب واضح. فالسراج لا يستطيع فرض قراراته ولا تنفيذ اتفاقياته، طالما أن ميليشيات مسلحة هي التي تتحكم في الموقف، وطالما أن تلك الميليشيات مستفيدة من استمرار الوضع على ما هو عليه، سواء من الناحية المالية والاقتصادية، أو من الناحية السياسية التي تصب في الإبقاء على الأزمة، ولو أدى الأمر إلى تقسيم البلاد.
وعندما يتحدث سلامة عن الحرب الدائرة في طوق طرابلس، ما الذي منعه من الإشارة إلى اعتماد قوات الوفاق، وفق تسميته، على إرهابيين بعضهم من القاعدة وداعش؟ وبعضهم ممن يخضع لعقوبات دولية؟ وبعضهم مصنّف في لوائح الإرهاب داخليا وخارجيا؟ بل ولماذا لم يشر إلى مرتزقة المجلس الرئاسي، وخاصة من الطيارين الذين يقصفون المدنيين في ترهونة وغريان وقصر بن غشر وعين زارة؟
وما الذي حال دون أن يطرح قضية السلاح التركي أو حتى الإيراني المتدفق على طرابلس ومصراتة بما يمثل تجاوزا لقرارات مجلس الأمن؟ وما الذي جعله يصمت على تمثيليات الرئاسي بقصف المدنيين للإيهام بأن الجيش هو الذي فعل ذلك؟
وما هي قصة الحرب الأهلية التي يحذر منها سلامة؟ هو بالتأكيد يقصد الحرب بين الجيش الوطني ومعه الشعب ضد الميليشيات الإرهابية، وهذه ليست حربا أهلية، وإنما حرب تحرير وتطهير، حيث لا يمكن أن يبقى القرار السياسي لأي بلد رهنا للإرهابيين، كما لا يمكن أن تبقى الثروات والمقدرات والمؤسسات، بما فيها المصرف المركزي ومؤسسة النفط الوطنية، والتعيينات والوظائف تحت سيطرة أمراء الحرب.
لكن البعض قد يقول وما الغريب في الأمر؟ ألم يصل مجلس الأمن بليبيا إلى أن تحولت في العام 2012 إلى أول بلد في العالم يشارك تنظيم القاعدة في حكمه وإدارة شؤونه؟ ألم يتم اعتبار الإرهابيين القادمين من قندهار وتورا بورا ثوارا يدافعون عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟
ألم يحصل القتلة والمخربون على تعويضات مجزية من خزانة الدولة؟ ألم يتم الاعتراف بالميليشيات وسلاحها وسجونها وقراراتها وغزواتها على أنها أمر واقع يجب التعامل معه؟
وعندما يتحدث سلامة عن الحل السياسي، فهل هو جاد فعلا في ذلك؟ هل يمكن تنظيم انتخابات قبل مصالحة حقيقية؟ وهل يمكن فتح صناديق الاقتراع تحت حراب المسلحين؟ وهل يمكن ضمان أن الأطراف المسلحة ستقبل بنتائج الانتخابات، أم أنها ستنقلب عليها مثلما حدث في العام 2014؟ وكيف للمصالحة أن تتم ولا يزال هناك معتقلون بسبب مواقفهم أو مناصبهم السابقة في سجون تحكمها ميليشيات إرهابية مرتبطة بمشروع إقصائي؟
أما عن موضوع التحالفات الاجتماعية الذي يطرحه سلامة، فيبدو أنه غير مدرك لمعناه الحقيقي، لأن الشعب الليبي الذي تحكمه قوانين وأعراف قبلية وجهوية تعرضت لمحاولات التدمير منذ عام 2011، هو ذاته الذي يقف اليوم مع الجيش ما عدا الإرهابيين والمتطرفين المحليين والمتمردين التشاديين والميليشيات، إلا إذا كان يقصد تحالف مجلس شورى ثوار بنغازي أو درنة وتحالفه مع لواء الفاروق في مصراتة أو الزاوية، أو مع صلاح بادي تحت راية الصادق الغرياني.
ربما يعتقد سلامة أن الجيش هو جيش برقة كما يزعم الإخوان، وربما يعتقد أن ترهونة وورشفانة والزنتان والصيعان والعجيلات وورفلة والنواحي الأربع وطرابلس ذاتها، ليست مع الجيش كما يدّعي الأتراك والقطريون، لكن الحقيقة عكس ذلك، فالجيش الوطني الليبي هو اليوم جيش كل الليبيين ومعركته معركة كل الليبيين من أجل تحرير عاصمة الليبيين جميعا، ما عدا قلة قليلة تستعمل كل الوسائل لتبقي على مصالحها سواء كعصابات مسلحة أو ككيانات عقائدية إقصائية تريد فرض نفسها بالقوة على الشعب والمجتمع.