تصاعد التوتر خلال الأيام الماضية بين الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر وحكومة الوفاق الليبية برئاة فايز السراج،وذلك على خلفية معارضة الأخيرة للعمليات العسكرية التي أطلقها الجيش الليبي مؤخرا بهدف تحرير الجنوب الليبي من سيطرة التنظيمات الارهابية والعصابات الأجنبية.
ويبدو أن المليشيات المسيطرة على العاصمة تسعى لاستثمار التوتر الجديد بين الفرقاء الليبيين بهدف اعادة التموضع في طرابلس ومد أذرعها من جديد وذلك بعد أن فقدت خلال الفترة الماضية جزءا هاما من نفوذها على خلفية الترتيبات الأمنية التي أطلقتها حكومة الوفاق برعاية أممية بهدف انهاء دور المليشيات.
وفي هذا السياق،استنكرت "قوة حماية طرابلس" العملية العسكرية التي أطلقها القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر لتطهير الجنوب الليبي. واتهمت القوة في بيان أصدرته ليلة الخميس الماضي،المشير خليفة حفتر بالسعي إلى "تدمير الجنوب ومقدراته وثرواته ونسيجه الاجتماعي".
وعبّرت القوة،عن "استعدادها التام للوقوف والتصدي لمن يحاول المس بزعزعة واستقرار وطننا الغالي"، في إشارة إلى قوات الجيش وتصاعد الحديث عن قربها من العاصمة.وهو ما أعتبرها كثيرون محاولة من هذه المليشيات لعرض خدماتها على حكومة الوفاق الليبية التي تتجه منذ فترة نحو التخلي عنها.
ويأتي موقف هذه القوة المشكلة من أربع ميليشيات بارزة في العاصمة وهي قوة الردع الخاصة، النواصي، كتيبة ثوار طرابلس، والأمن المركزي أبوسليم،في وقت ازداد فيه الصراع بينها وبين وزير الداخلية الحالي فتحي باشاغا الذي عبر في أكثر من مناسبة عن انتقاده للمليشيات المسلحة في طرابلس.
آخر هذه الانتقادات،جاء خلال لقاء أجرته معه قناة "الحرة" الأميركية مساء الجمعة،حيث أكد باشاغا،أن الليبيين سئموا الميليشيات وتجاوزاتها ومن ممارساتها والمشاهد التي في العاصمة طرابلس، موضحاً أن مواقفه ضدها لن تتغير ولو بقي وحيداً.وأضاف، أن وزارته اتجهت إلى الجهات المنبثقة عن الاتفاق السياسي، كمجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، لإيجاد حلول لمشاكل المؤسسة الأمنية.
وفي مقابل انتقاده للمليشيات،إعتبر باشاغا أن تدخل قوات الجيش الوطني الليبي في جنوب البلاد،"مقبول من الناحية الوطنية من خلال تخليص الجنوب من الجريمة المستفحلة والهجرة وداعش والقاعدة"، موضحا أن هذا المشاكل موجودة "ليس بسبب إهمال حكومة الوفاق ولكن بسبب الانقسام السياسي".وأضاف باشاغا:" قوة حفتر التي انتقلت إلى الجنوب أدت دورها. نتمنى أن تؤدي دورها الوطني فقط ولا تزيد الانقسام".
وكان باشاغا المتحدر من مصراتة، والمعين وزيراً للداخلية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي،جاهر بخلافه مع المليشيات منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما اتهمها بعرقلة تنفيذ خطة الترتيبات الأمنية، بل اتهم بعضها بالارتباط بأجهزة استخبارات دولة عربية، لتتصاعد إجراءاته بقرار وقف رواتب عناصر هذه المليشيات وقادتها ووقف التموين عنها، متهماً إياها بالفساد.
وحمل باشاغا المليشيات مسؤولية الهجوم الذي استهدف وزارة الخارجية نهاية ديسمبر الماضي، قائلًا إن "الترتيبات الأمنية لم يتم تنفيذها على الإطلاق"، واصفًا الوضع الأمني بأنه هش وفوضوي.وأضاف "الكل يملك من الذكاء والقدرة على التمييز من هو الذي يعمل بمهنية ومن هو الفوضوي".
وتتبع أغلب مليشيات طرابلس، التي تجمعت تحت مسمى "قوة حماية طرابلس"، منذ أكتوبر الماضي، وزارة الداخلية.وتحالفت تلك الميليشيات خلال الحرب التي شهدتها العاصمة طرابلس في صيف العام الماضي، عقب تحرك "اللواء السابع" أو ما يسمّى محليا بـ"الكانيات" تحت شعار "تطهير العاصمة من دواعش المال العام".
ونجحت بعثة الأمم المتحدة في فرض اتفاق لوقف إطلاق النار في سبتمبر، لتتجدد الاشتباكات بين الطرفين في منتصف يناير الماضي، وهو ما دفع "قوة حماية طرابلس" إلى إعلان تمردها عن المجلس الرئاسي. وأعلنت القوة في بيان الخروج عن طاعة المجلس الرئاسي، إلا عندما "يكون مجتمعا وتصدر قراراته بكامل أعضائه التسعة".
وفي المقابل،إتهم وزير داخلية حكومة الوفاق الوطني الليبية،مجموعات وقوى مسلحة تمتلك إمكانيات كبيرة،بالهيمنة على موازنة وزارة الداخلية، وعلى القرار السياسي والاقتصادي أيضًا،مشيرا إلى"إن هذه المجموعات لا تخضع لأوامر الوزارة أو مؤسسات الدولة".
وأوضح الوزير الليبي أن "هذه القوى والمجموعات المسلحة كونّت نفوذًا كبيرًا خلال السنتين الماضيتين حتى أصبحت قوة موازية لوزارة الداخلية".و اتهم باشاغا الميليشيات بأنها مصدر للفوضى الأمنية كونها ترفض الامتثال لتعليمات كافة المؤسسات الحكومية من مخابرات ومباحث ووزارة داخلية، وبأنها تفعل ما تريد.
ويرى مراقبون،أن مصير باشاغا قد يكون مماثلاً لمصير رئيس الأركان السابق عبد الرحمن الطويل، الذي صدر قرار الخميس الماضي بإقالته بعد وقت قصير من تصريحه بأن قواتالجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في الجنوب هي "جزء من الجيش الليبي"، وتمّ استبداله باللواء محمد الشريف، مع تعيين اللواء سالم حجا معاوناً له.
وتصاعدت حدة التوتر بين حكومة الوفاق والجيش الليبي،وبلغت حد التصادم المسلح، قرب حقلي الشرارة والفيل النفطيين جنوب البلاد. وجاءت الاشتباكات بعيد تعيين المجلس الرئاسي للفريق علي كنة،آمرا للمنطقة العسكرية الجنوبية عقب ضغوط مارسها تيار الإسلام السياسي عن طريق ممثله خالد المشري رئيس مجلس الدولة.
وبدورها،طالبت الحكومة المؤقتة شرق البلاد،كافة الاجهزة التابعة لها بعدم التعامل مع المجلس الرئاسي والأجسام التابعة له.وقال المتحدث باسم الحكومة المؤقتة حاتم العريبي في مؤتمر صحفي إنه يحظر على الأجهزة التابعة للحكومة المؤقتة التعامل مع المجلس الرئاسي والأجسام التابعة له باعتباره مغتصب للشرعية معتبرا أن المجلس الرئاسي يعد منتحلا لصفة رسمية بالدولة مؤكدا أنه سوف اتخاذ الاجراءات القانونية حيال المخالفين.
ويرى العديد من المتابعين للشأن الليبي أن تحركات حكومة الوفاق ضد الجيش الليبي تأتي في اطار ضغوط من تيار الاسلام السياسي وعلى رأسها جماعة "الاخوان"،والتي تزايدت مخاوفها من امكانية توجه الجيش الوطني الليبي نحو العاصمة الليبية لتحريرها من قبضة المليشيات الموالية لها.
وتصاعدت هذه المخاوف مع تتالي بيانات التأييد للجيش في المنطقة الغربية والمدن القريبة من طرابلس،إضافة إلى إعلان تشكيلات عسكرية في بعض المدن في المنطقة الغربية دعمها للجيش.
ففي مطلع فبراير الجاري،أصدرت كتيبة 54 للمساندة والاستطلاع، ومكتب تحري الشرطة والسجون بمدينة صرمان، غرب العاصمة طرابلس،بيانا قالت فيه إنها تبارك العملية التي أطلقها الجيش في الجنوب.وقبل ذلك بأيام، أعلنت قبيلة أولاد صقر، وهي من أقوى القبائل المسلحة بمدينة الزاوية، دعمها لعملية الجيش في الجنوب.
وفي نهاية يناير الماضي أعلن آمر الشرطة العسكرية والسجون بالمنطقة الغربية العميد المختار فرنانة عن تدشين مكتب للشرطة العسكرية في مدينة الرياينة الواقعة بين الرجبان ويفرن إلى الشمال من الزنتان ليكون بذلك مكتبا مفعلا تابعا للقيادة العامة للقوات المسلحة.
ساهم إنهيار مؤسسات الدولة وغياب سلطة القانون عقب اندلاع الأزمة في العام،في ترسيخ وجود الميليشيات في ليبيا،حيث إستغلت إنتشار السلاح في البلاد لتكون لنفسها مناطق نفوذ تحت سلطة الرصاص، وهو ما أدخل البلاد في دوامة من العنف والفوضى وشكل خطرا كبيرا على حياة المواطن الليبي الذي بات في مرمى إنتهاكات الجماعات المسلحة.
ويرى مراقبون أن قوة المليشيات تتأتى من الصراعات والانقسامات بين الفرقاء الليبيين،حيث تمثل الفوضى وغياب الدولة البيئة المناسبة لهذه المليشيات التي كبدت ليبيا خسائر كبيرة،جعلت من اقتصاد البلد الغني بالثروات على حافة الانهيار وأضحى المواطن الليبي في وضع معيشي صعب.ويأمل الكثير من الليبيين أن ينجح الفرقاء في التوافق نحو بناء دولة قوية قادرة علة تحقيق الاستقرار والازدهار.