تحيي فرنسا اليوم الثلاثاء الذكرى السنوية الخامسة للهجوم الذي شنه مسلحون على مقر صحيفة "شارلي إيبدو" الأسبوعية في 7 يناير 2015، والتي أدت إلى مقتل 12 شخصا بينهم عدد من رسامي الصحيفة، وإصابة آخرين.
وبهذه المناسبة قررت الصحيفة تقديم موعد صدورها الأسبوعي لليوم الثلاثاء ليتزامن مع إحياء الذكرى الخامسة للهجوم من خلال إصدار عدد خاص مخصص لأشكال الرقابة الحديثة، وفقا لما أعلنه مدير تحرير الصحيفة "ريس".
وأحدث هجوم "شارلي ايبدو" زلزالا كبيرا حينذاك على الساحة الفرنسية، حيث أصيب المواطنون بحالة من الصدمة والذهول على إثر هذه الهجمات الدامية، وخرج الملايين من المتظاهرين إلى الشوارع احتجاجا على هذا العمل الإرهابي، رافعين الشعار الشهير "أنا شارلي"، وانضم إليهم الرئيس الفرنسي السابق، فرنسوا هولاند، مع عدد من القادة الدوليين في مسيرة حاشدة في العاصمة الفرنسية باريس، للتأكيد على نبذ العنف والإرهاب.
وشكَل هجوم "شارلي ايبدو" نقطة تحول فاصلة في تاريخ البلاد حيث أنه كان بمثابة حلقة البداية لسلسة من العمليات الإرهابية الدامية التي تعرضت لها فرنسا وخلفت أكثر من 250 قتيلا. وكان آخر هذه الهجمات مقتل أربعة أفراد من الشرطة خلال هجوم على مقر شرطة باريس في أكتوبر الماضي نفذه شرطي يدعى "ميكاييل آربون" اعتنق الإسلام منذ 10 سنوات وتبنى أفكارا متطرفة.
وشهدت البلاد العديد من العمليات الإرهابية بعد مجزرة "شارلي إيبدو" من أبرزها هجوم 13 نوفمبر 2015 الذي يعد أسوأ اعتداء إرهابي في تاريخ فرنسا وأوروبا حيث هاجم إرهابيون العديد من المواقع الفرنسية، وقتلوا 130 شخصا وأصابوا 350 آخرين في عدة مواقع مستهدفة من بينها قاعة باتاكلان للحفلات الموسيقية، وحانات ومطاعم وستاد "دو فرانس" شمال العاصمة. وأعلن تنظيم داعش مسئوليته عن الهجمات.
وفي 14 يوليو 2016، اقتحم شخص يقود شاحنة حشدا في مدينة نيس جنوب فرنسا بعد قليل من إطلاق الألعاب النارية احتفالا باليوم الوطني، وقتل 86 شخصا وأصاب أكثر من 400 آخرين. وتبنى تنظيم داعش أيضا هذا الاعتداء.
كما تعرضت البلاد في 26 يوليو من العام نفسه إلى حادث إرهابي جديد عندما أعلن داعش مسئوليته عن مقتل قس ذبحا في كنيسته في بلدة "سانت إتيان دو روفريه" غرب فرنسا.
ونتيجة لكل هذه الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا أصبحت قضية الإرهاب على رأس الأولويات الفرنسية. لذلك حرصت السلطات الفرنسية على حشد جهودها على مختلف الأصعدة بالتعاون مع شركائها الدوليين بهدف محاربة الشبكات الإرهابية على أراضيها وفي الخارج، فضلا عن اتخاذ كافة الإجراءات الجنائية اللازمة لوقف تمويل الجماعات الإرهابية، وتجميد الأصول المالية لهم.
ومن بين الإجراءات التي اتخذتها فرنسا في هذا الصدد إنشاء أعمال أول نيابة عامة وطنية متخصصة بمكافحة الإرهاب، والتي انطلقت أعمالها في يونيو الماضي وتضم 26 قاضيا تحت قيادة مدع عام، وهي متخصصة في شؤون الإرهاب والجرائم ضد الإنسانية.
كما منحت الحكومة الفرنسية وسائل إضافية للأجهزة الأمنية لتعزيز أجهزة الاستخبارات، فضلا عن تخصيص الأموال أمام التهديدات الإرهابية.
إضافة لذلك أولت فرنسا اهتماما ملحوظا بمكافحة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي من خلال تواجد قواتها العسكرية والتي تنتشر هناك منذ أكثر من ست سنوات بعد أن أمر الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند، بالتدخل العسكري في مالي، لمنع المتطرفين من النزول من المناطق الشمالية، واحتلال العاصمة باماكو. وكانت العملية وقتها تحمل اسم "سرفال"، ثم تحولت بعدها إلى "قوة برخان الفرنسية"، التي تضم 4500 عنصر في منطقة الساحل والصحراء الكبرى بهدف محاربة المجموعات الإرهابية المسلحة المنتمية إلى تنظيم داعش والقاعدة.
ويرى المراقبون أنه على الرغم من نجاح فرنسا في إحراز تقدم في مجال مكافحة الإرهاب خلال الفترة الأخيرة إلا أن الطريق لا يزال طويلا لتجاوز الثغرات والنقائص غير المفهومة التي تستخدمها الجماعات الإرهابية في تنفيذ بعض عملياتها ومنها على سبيل المثال الهجوم الدموي الذي استهدف مقر الشرطة في باريس في أكتوبر الماضي، والذي بدا وكأنه يستهدف الدولة من قلبها من خلال استهداف مكان يفترض أنه من أكثر الأماكن تحصينا في فرنسا.