بينما يحتدم النقاش حول احتمالات التدخل في ليبيا عسكرياً، للقضاء على المجموعات المتطرفة، تقول مصادر إن فرنسا بدأت بالفعل في تنفيذ ضربات جوية، ضد أهداف محدّدة جداً في ليبيا، ويتم ذلك في سرية تامة، وأكدت مصادر في وزارة الدفاع الفرنسية، أن فرنسا تقوم بطلعات منتظمة في سماء ليبيا منذ فترة. وقد صرّح مسؤول ليبي مقرب من اللواء خليفة حفتر، بأن 180 جندياً فرنسياً موجودون في محيط مدينة بنغازي.

وقد وافق الرئيس فرانسوا هولاند، أخيراً، على عمل عسكري غير رسمي، تقوم به كتيبة من القوات الخاصة بالتنسيق مع وكالة الاستخبارات الفرنسية، في ليبيا، حيث تتنازع السلطة حكومتان في البلد الذي لا تخضع فيه مساحات صحراوية شاسعة لأي حكم.

وتشمل الحرب غير المعلنة ضربات موجهة بدقة، تستهدف زعماء التنظيمات المتشددة، وقد أرسل الجيش الفرنسي وحداته، سراً، في محاولة منه لإبطاء انتشار تنظيم «داعش» الإرهابي في ليبيا. ويذكر أن أجهزة الاستخبارات الفرنسية نفذت ضربة في نوفمبر الماضي، قتل خلالها أحد زعماء التنظيم في ليبيا. فيما ذكر مدونون متخصصون أنهم شاهدوا قوات خاصة فرنسية في شرق ليبيا، منذ منتصف فبراير الماضي.

لا يشكّك مراقبون في مشاركة وحدات فرنسية خاصة، وجهاز الاستخبارات في عمليات سرية منذ أشهر، سواء تعلق الأمر بليبيا أو سورية، ويرى هؤلاء أن نشاط الفرنسيين تطور كثيراً مقارنة بالعام 2014. وقد طالب حينها نواب في الجمعية الفرنسية (البرلمان) بإدماج وحدات خاصة تحت القيادة المشتركة للجيش.

ويقول القيادي في حزب «الجمهوريون» المعارض، جاك غوتييه، استنتاجاتنا في 2014 لم تكن دقيقة، والأوضاع تغيرت بشكل كبير في الوقت الحالي. مضيفاً، لم نكن بحاجة كبيرة إلى جهاز الاستخبارات خلال الأعوام الماضية، والآن يبدو أن التعاون قائم بين الأجهزة المختلفة في مكافحة التطرف الخارجي. وخلافاً لسلفه نيكولا ساركوزي، الذي كان يتبنّى نهجاً منفتحاً، يفضل هولاند السرية في بعض المهمات. واليوم تقوم الوحدات الخاصة بدعم جنود فرنسيين يعملون في الخفاء والسرية. وتقول تقارير عسكرية، إن أكثر من 1000 جندي وخبير عسكري يشاركون في مهمات خارج البلاد.

مهمات واسعة النطاق

وفي ذلك يقول خبير عسكري، فضل عدم الكشف عن اسمه، إنها وسيلة سيادية بيد رئيس الجمهورية، وهي تزيد من هامش المناورة بالنسبة له. موضحاً، «في عالم أصبح أكثر شفافية، يتعين على الدولة الفرنسية أن تتحرك في العلن وبشكل رسمي»، وبينما تتحرك فرنسا ضمن تحالفات إقليمية أو دولية، تفضل أحياناً القيام بمهمات خاصة بعيداً عن أعين حلفائها.

ويترأس حالياً، بيرنار باجولي، الإدارة العامة للأمن الخارجي، وقد كلفه هولاند الاستمرار في منصبه إلى غاية 2017، ويسعى باجولي، (67 عاماً)، الى بلورة خطوة استراتيجية لصالح وزارة الدفاع الفرنسية. وتطمح الإدارة إلى زيادة عدد الموظفين والعملاء الخاصين، إلى 7000 في غضون ثلاث سنوات.

منذ منتصف العام الماضي، تحلق طائرات الاستطلاع والمقاتلات الفرنسية في الأجواء الليبية، في مهمة مراقبة وجمع المعلومات الاستخباراتية. وأشار مسؤولون عسكريون في باريس إلى ضرورة التحضير من أجل المستقبل، للقيام بمهمات خارجية واسعة النطاق. وفي الوقت الراهن، يبدو أن باريس تفضل استراتيجية الكر والفر، في انتظار استكمال الخطط العسكرية والاستراتيجية. والوحدات الفرنسية معنية، في الوقت الراهن، باستهداف قيادات التنظيم الإرهابي، إضافة إلى إحباط أي محاولة لضرب أو تهديد مصالح فرنسا في الخارج أو الداخل.

يوجد عدد قليل جداً من المقاتلين ضمن «داعش» في ليبيا، وقد أرسل زعيمه أبوبكر البغدادي، بعضهم من العراق لتشكيل قوة في هذا البلد، وفقاً لتقارير استخباراتية. وفضلاً عن ذلك يوجد العديد من المقاتلين مزدوجي الجنسية، ضمن المقاتلين التونسيين الذين تراقبهم الأجهزة الفرنسية منذ فترة. إلى ذلك، أطلقت وزارة الدفاع تحقيقاً عقب نشر معلومات حساسة في وسائل الإعلام المحلية، حول قيام وحدات فرنسية خاصة بمهمات سرية في ليبيا، إضافة إلى وجود عملاء تابعين للإدارة العامة للأمن الخارجي، هناك.

النهج الأميركي

وفي هذا السياق، قال مسؤول في وزارة الدفاع، فضل عدم الكشف عن اسمه، إذا قررنا القيام بمهام عسكرية سرية، فيجب عدم الكشف عنها للرأي العام، وذلك من أجل سلامة عناصرنا في الميدان. ويشكك محللون في صدقية حكومة هولاند، التي تريد تحقيق مكاسب قبل انتخابات الرئاسة، التي ستجرى العام المقبل. وفي ذلك يقول المحلل جان لوفديك، من المؤسف أن نرى المسؤولين يبررون المهمات السرية، بضرورة الحفاظ على سلامة الجنود والعملاء، مضيفاً، الكشف عن المهمات لن يؤثر في سير العمليات، ويجب على الفرنسيين أن يعملوا جنباً إلى جنب مع حلفائهم، وإلا سيفقدون صدقيتهم.

ويبدو أن فرنسا اختارت النهج نفسه الذي سلكته الولايات المتحدة في ليبيا، من خلال القيام بمهمات خاصة ومركزة. ولكن الأمور على الأرض لا تسير كما ينبغي وفقاً للمراقبين. وما يزيد الأمور تعقيداً غياب التنسيق بين القوى الغربية التي تتدخل في ليبيا عسكرياً لحماية مصالحها هناك. ودعا خبراء إلى التنسيق الكامل بين البلدان الغربية في حربها ضد تنظيم «داعش» والتنسيق مع الفصائل المسلحة المحلية.

في حين لا يشكك مراقبون وخبراء في أن فرنسا تسعى للتصدي لخطر الجماعات المسلحة في المنطقة الإفريقية، يرى فريق من هؤلاء أن الهدف الرئيس وراء هذه الجهود، هو حماية المصالح الفرنسية. فالتدخل في مالي نجح في طرد المتشددين وتضييق الخناق عليهم. ويعتبر مسؤولون غربيون التدخل الفرنسي «شر لا مفر منه»، لأن القضاء على التهديد الإرهابي هو الغاية في نهاية المطاف.