أكد الفنان الجزائري المعروف، حسان كشاش، أن شعوب البلدان المغاربية تمتلك خلفية ثقافية واحدة وخلفية اجتماعية متقاربة جدا"، معتبرا أن "السينما في هذه البلدان المغاربية تتطرق إلى هذا التجانس والتقارب الحاصل بين الشعوب المغاربية" وفق تعبيره.

وأفاد كشاش، الذي شارك في عدد من الأفلام في كل من الجزائر وتونس والمغرب، بأن "معظم المواضيع التي تطرحها السينما المغاربية تعالج قضايا متشابهة ومتقاربة، ويمكن ملاحظة أن مواضيع أفلام تونس والمغرب والجزائر وحتى ليبيا، جد متقاربة بالرغم من وجود حساسية في الأفلام من حيث طريقة الطرح والمعالجة الفيلمية والدرامية".

وتابع كشاش، في تصريح لهسبريس من العاصمة الجزائر، "نجد البعد الاجتماعي متشابها جدا، وهذا ربح ومكسب إضافي يدفع نحو توحيد الدول المغاربية، لأنها تطرح مواضيع متشابهة من حيث الآلام والآمال والطموحات، والتي تبقى هي أيضا متشابهة بالتأكيد".

وعن أهمية مثل هذه المهرجانات الفنية التي تنظمها بعض الدول المغاربية، اعتبر السينمائي الجزائري أن هذه "المبادرات تسمح تعزيز الروابط الثقافية بين الشعوب في المغرب العربي، كما تسمح للمبدع المغاربي باكتشاف نفسه عبر مرآة السينما".

واسترسل "هذه المبادرات تتيح للفنان المغاربي تركيب شيء جديد عن طريق اكتشاف الآخر، ومعرفة إنتاجاته على المستوى الفني والمعالجة السينمائية، تفتح الباب من أجل أعمال مغاربية مشتركة على مستوى أوسع، تعالج قضايا تهم كل شعوب المغرب العربي".

المغرب والجزائر وتونس

وبخصوص السر في هيمنة الأفلام المغربية والجزائرية الحاضرة بقوة في المهرجان الجزائري الثاني للسينما المغاربية، قال كشاف: "هذا الأمر يعكس أن السينما المغربية والجزائرية نشيطة، وهذا لا يقلل من شأن السينما التونسية والليبية والموريتانية مع وجود جيل جديد دخل عن طريق الفيلم القصير أو الفيلم الوثائقي".

ولفت المتحدث إلى أن المغاربة دخلوا بقوة إلى ساحة الإخراج، فضلا عن ارتفاع عدد المخرجات الموجودات في المنطقة المغربية، مشيرا أن "دخول المرأة إلى مجال السينما المغربية يعكس وجود تطور ثقافي على مستوى وضعية المرأة في منطقة المغرب العربي".

وأردف "الثقافة والسينما تحظى بدعم الدولة في الجزائر، وأيضا الدعم موجود في المغرب على مستوى السينما، لأن هناك الكثير من الجمعيات الخاصة بالمغرب تنشط في المهرجانات"، مضيفا أنه "في المغرب العربي نمتلك الجانب المادي والبشري الذي ستوكل له مهمة تقدم السينما المغاربة بشكل عام".

أما عن السينما التونسية، فلاحظ كشاش أنها تتوفر على الجانب البشري والثقافي ولها تاريخها في السينما، كما هو الأمر في ليبيا وموريتانيا، ولكنها تعاني من أزمة مادية نظرا للمرحلة الانتقالية التي تمر منها تونس حاليا، ولذلك فالسينما التونسية، يُكمل الفنان الجزائري، بدأت تنهج مقاربات جديدة، حيث بدأت سينما ترصد الحدث وتذهب في اتجاه تسجيل الأحداث التي تقع بالبلاد، أو تحاول أن تؤسس لتجربة جديدة، أي دراما مبنية على الأحداث الجارية. "هذا خيار لدى الزملاء في تونس، ما دام العمل السينمائي مسار يبدأ من فكرة وسيناريو إلى أن نصل إلى المشروع" يقول الممثل الجزائري.

السينما المغاربية..واقع وعراقيل

"السينما المغاربية في وضع جيد، تشارك في مهرجانات وتتحصل على جوائز بالمغرب والجزائر وتونس، ونتمنى نفس الشيء بالنسبة للسينما الموريتانية والليبية أن تحقق نتائج أكثر، لأن هذه المهرجانات تجعل السينما المغاربية تكتشف نفسها سواء هنا بالجزائر أو تونس أو المغرب، أو باقي البلدان المغاربية والعربية " يقول كشّاش.

وبخصوص وضعية السينما المغاربية في الفترة الراهنة، اعتبر كشاف أنها الآن في صحة جيدة وقادرة على تطوير نفسها، خاصة مع وجود شباب من خلال الأفلام القصيرة والوثائقية وكذلك وجود جيل الشباب الناجح في السينما المغاربية من حيث الجانب التقني.

واستطرد المتحدث أن "هؤلاء الشباب سيغنون رصيدهم، ويراكمون تجربة في العمل السينمائي، من خلال الحضور والمشاركة في مثل هذه المهرجانات، مع ضرورة وصل الجيل القديم مع جيل الشباب للحفاظ على الذاكرة السينمائية بالمنطقة المغاربية".

وماذا عن المتلقي أو الجمهور مع بداية أفول أو انقراض القاعات السينمائية في المغرب والجزائر، ناهيك عن موجة الفيديوهات التي بدأت تستقطب جمهورا كبيرا؟ يجيب حسان كشاف، في لقائه مع هسبريس، بالقول: "أي عمل فني أو إبداعي الهدف الأول الذي يتغيا تحقيقه إنما يتمثل في وجود الجمهور، وهو هدف أي عمل فني كيفما كان نوعه أو جنسه".

وتابع "في الجزائر كانت هناك أكثر من 450 قاعة سينما عشية الاستقلال، وربما نفس الشيء عندكم في المغرب، فجزء كبير من هذه القاعات قد انقرض واستخدم في وظائف أخرى، وفي السنوات الأخيرة اتخذت إجراءات من أجل استرجاع هذه القاعات".

وأكمل بالقول "هناك عملية مشروع قانون جارية في هذا الاتجاه بالرغم من وجود تعقيدات قانونية، كما أن هناك عمليات ترميم جارية هي أيضا لبعض القاعات، والتي شملت إلى الآن حوالي عشر قاعات في الجزائر العاصمةـ وفي عدد من المدن الجزائرية، وهناك عدد من القاعات السينمائية استفادت من التقنيات الحديثة، وهناك سياسة حقيقية جارية في هذا الاتجاه في الجزائر".

أما عن منافسة الفيديو للسينما، فاعتبر كشاف أن هذا واقعا، قبل أن يستطرد: "ولكن تبقى السينما مسألة طقوس مشاهدة الفلم السينمائي والمتعة ثم جمالية التلقي في مشاهدة الفلم السينمائي من حيث الصورة وتفاصيلها وتشكيل اللوحات والصوت، ولهذا تبقى السينما هي السينما والتلفزيون هو التلفزيون".

الفعل الثقافي والإعلامي

وحول دور الإعلام في تسويق العمل الثقافي وترويجه بالمنطقة المغاربية، أكد السينمائي الجزائري أن الإعلام هو الحامل للثقافة عبر وسائط متنوعة، مقترحا أن تتوفر بلاده الجزائر على قناة تلفزية مكرسة للجانب الثقافي الجزائري، وفي مجاله الأوسع المغاربي والعربي والعالمي.

هذه القناة، يضيف كشاف، وفي انتظار عودة الأفلام إلى القاعات السينمائية، تُعنى بالثقافة عموما من أمسيات شعرية وقراءة للكتب وحوارات مع مبدعين ومفكرين وقراءة في الكتب وكواليس المهرجانات والأفلام والتصوير، من أجل تقريب الفن السابع للمجتمع الجزائري وكذلك الشعوب المغاربية والعربية بشكل عام.

وقال كشاش إن الفعل الثقافي والبيئة الثقافية والثقافة بشكل عام مهمة جدا، كونها هي ما يتقاسمه المجتمع، ويتقاطعه من آمال وهموم وطموحات وأفكار وأحاسيس، وهي مشاعر إنسانية تتقاسمها الشعوب المغاربية والتي في حاجة إلى تعزيزها وتكريسها من أجل المساهمة في الهوية العالمية المشتركة".

وخلص الممثل الجزائري إلى أنه "بدون وجود فعل ثقافي مغاربي مشترك، والذي لا يتم إلا عبر الترويج الثقافي الأوسع في مجاله المغاربي، لا يمكننا أن نساهم في هذه الهوية العالمية، بل سنبقى تابعين وملحقين لهويات ثقافية أخرى" وفق تعبير كشاش.

 

*نقلا عن هسبريس