في ظل ما يعصف بالبلاد من أزمات يشهدها الملف السياسي والأمني المتفاقم، في الوقت الذي كان المجال الاقتصادي يعاني هو الآخر دون أن تكترث له حكومات ليبيا المختلفة على الرغم من أهمية الأمر وخطورته وتأثيراته على المشهد الليبي ككل، إلا أن هذا الملف لم يولى الاهتمام المناسب حتى الآن.
وللحديث عن الاقتصاد الليبي والتحديات التي تواجهه والمقترحات وسبل الحلول أجرت بوابة أفريقيا الإخبارية، هذا الحوار مع الأمين العام للمركز الليبي للتنافسية الاقتصادية وتطوير القطاع الخاص فوزي عمار اللولكي، الذي تطرق إلى الملف من عدة أوجه.
وإلى نص الحوار:
-بداية.. ما هو تقييمك للأوضاع الاقتصادية الليبية؟
الوضع الاقتصادي في ليبيا حتى هذه اللحظة لم يتم النظر إليه بصورة جدية، باعتبار أن الحديث كله منصب ويدور حول السياسة والخطاب الديني، ونظرا إلى عدم قيام الدولة إلى هذه اللحظة كمؤسسات في ليبيا بعد أحداث 2011، فلا يوجد اتفاق على مشروع اقتصادي إلى الآن، ولا يوجد اتفاق حول ما هو شكل الاقتصاد الليبي في المرحلة القادمة، هل سنبقى على ما كان متواجد في السابق حيث كانت الدولة هي الضامنة و التي تقوم بتوفير احتياجات المواطن، أم سيتم التحول كما ينادي الكثير من رجال الأعمال إلى اقتصاد السوق أو الاقتصاد الحر، حيث تصبح كل أصول الدولة مطروحة للبيع والشراء. كما أن وجود المال المشاع الذي هو النفط و الغاز يجعل الصراع أكثر حدة على المال العام وما لم نتفق على مشروع يراعي العدالة قبل المساواة ويعترف بالاقتصاد الخاص ويؤسس للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص وصولا إلى تحسين مؤشرات التنمية من خلال الاعتماد على الاقتصاد المبني على المعرفة الذي يهتم أولا بصناعة الثروة ويراكمها وهو سؤال معرفي وليس التفكير في توزيع الثروة التي هي طرح أيدلوجي .. وصولا لتحسين دخل الفرد وجودة الحياة، وإلا لن يحل المشكل في ليبيا لأن جزء كبير من الصراع سببه اقتصادي بالأساس وهذا ما أهملته كل محاولات الحل من قبل بعثة الامم المتحدة في السابق.
-كيف يمكن التحول في ليبيا من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد مبني على المعرفة؟
الاقتصاد الريعي هو عادة الاقتصاد المبني على النفط أو اقتصاد الدول النفطية، أما الاقتصاد المعرفي هو اقتصاد التقنية أو الصناعات التكنولوجية والابتكار والاختراع كالأجهزة الإلكترونية الحديثة، السيارات، الهواتف الذكية، وفي ليبيا يمكن تطبيقه في صناعة منتجات المصافي، أو الصناعة التكميلية القائمة على الحديد والصلب، ولكن المهم هو أن ينتقل إلى مرحلة أكثر تطورا ويتم سن التشريعات والقوانين، وأن يتم الاهتمام به والصرف عليه والاهتمام بالبحث العلمي الخاص به.
ففي السابق كانت الدولة هي الضامن، الآن هناك دعاوي للتحول إلى الاقتصاد الحر والاقتصاد السوقي، خاصة من خلال شريحة قليلة من رجال الأعمال الذين اثروا من خلال علاقات مشبوهة مع السلطة الحاكمة سابقا والآن.
من وجهة نظرننا في المركز الليبي للتنافسية الاقتصادية نرى أن هذا ليس ممكن الآن، حيث اتضح بعد التقييم أنه ليس من السهل أو من الحكمة أن نتحول إلى اقتصاد السوق وذلك لسبب بسيط جدا وهو وجود عنصر المال المشاع وهو النفط، لأن النفط يخص كل الليبيين و95 % من موارد الدولة وميزانيتها من مورد النفط.
الاقتصاد الحر في أمريكا مثلا الذي ينص علي أن من يملك الأرض يملك ما عليها وما تحتها، وهذا ما لا يمكن أن يطبق في ليبيا في ظل وجود النفط، و بالتالي نحن في المركز الليبي للتنافسية الاقتصادية، ننظر إلى تجربة الاقتصاد المختلط المطبقة في إسكندنافيا (السويد والنرويج والدنمارك وفلندا)، وفكرة الاقتصاد المختلط هي أن الدولة تملك الموارد وتشتري الخدمة من القطاع الخاص، فمثلا شركة كـ ستات أويل بالنرويج هي التي تملك كل النفط الموجود في النرويج، على عكس ما هو موجود في أمريكا، وهو أن القطاع الخاص هو من يمتلك قطاع النفط، ويدفع فقط الضرائب للدولة بل نحن مع أن تملك الدولة الموارد و الخدمة تشتريها من القطاع الخاص ولا تنافس الدولة القطاع الخاص بل تعترف به كرافد من روافد الاقتصاد الوطني أسوة بالقطاع العام.
وكما نرى فأن دول اسكندنافيا دائما متواجدة في قمة مؤشرات التنمية، مثل مؤشر جودة الحياة ومؤشر السعادة، كذلك ظهر مؤخرا ما يسمى بالاقتصاد الإنساني والاقتصاد الأخضر، الذي يعتمد على إعادة تدوير المخلفات بحيث يصبح الاقتصاد صديق للبيئة.
ورؤيتنا في المركز الليبي للتنافسية الاقتصادية أن أقرب نموذج يمكن أن يطبق في ليبيا هو نموذج ما يسمونه بـ "نموذج الشمال للرفاه"، فمع وجود المشاع يفترض علينا ويقيدنا بأن يكون لازما علينا أن نستعمل هذا النوع من طبيعة المشروع الاقتصادي أو الاقتصاد النفطي. هناك دراسة تمت في المجلس الوطني للتطوير الاقتصادي في السابق، ترى أن ليبيا قد تكون سوق جيد للخدمات، ومحطة جيدة لتجارة العبور، نظرا للموقع اجغرافي المميز اذا تم الاهتمام بالبنية التحيتة، وهذا يتطلب بنية تشريعية تناسب الرؤية وتجعل من بيئة الأعمال بيئة جاذبة و ليست طارئة وبعد استتباب الأمن فلا تنمية في وجود فوضي وانتشار السلاح الذي يهدد حياة الناس قبل المستثمرين.
-كيف يمكن تحديد التنافسية الاقتصادية وما دور القطاع الخاص في ذلك؟
التطوير الاقتصادي يرفع دخل الفرد، وكل الدول التي طورت اقتصادها بداية من ماليزيا، وأندونسيا وغيرها ارتفع فيها حجم دخل الفرد إلى 10 مرات و 15 مرة كما شاهدنا في سنغافورة بتطوير نموذج اقتصادي مدروس، وهذا النموذج لا يمكن تطويره إلا بالنظر إلى التنافسية الاقتصادية، وهي تحديد تنافسية أي دولة، فلم يعد الاقتصاد ينظر إلى المنافسة في الأسعار، وفي أحيان كثيرة لا تستطيع منافسة منتج مثل المنتج الصيني فنجد على سبيل المثال فلندا عملت على شركة نوكيا، وسويسرا اشتغلت على الساعات مثلا في ليبيا قد يكون النفط هو الرافعة اذا توجهنا للصناعات المعتمدة على الطاقة.
فالتنافسية هي تحديد قطاع من القطاعات يرفع دخل الدولة وتستمر الاستدامة ولا يستطيع غيرك أن ينافسها، وإذا طبقنا هذا الكلام على ليبيا نجد أن الميزة الموجودة في ليبيا هي النفط، وبالتالي المشروعات التي تعتمد على الطاقة لا يمكن لدولة مثل تونس أو مصر أن تنافس ليبيا عليها، فميزة ليبيا التنافسية هي الطاقة، كذلك الموقع الجغرافي كل هذا يمكن التركيز عليه كتنافسية اقتصادية. ترفع النمو الاقتصادي وتحقق فائض في ميزان المدفوعات.
كما أن نموذج الاقتصاد المختلط يعتبر أجذر النماذج الاقتصادية المناسبة لليبيا اليوم و الجدير الاشارة إلى ضرورة حل المشكل البنيوي أولا قبل المشكل التشغيلي.. (ولهذا حديث آخر في مقام آخر).
-ما هي آليات تحقيق التكامل التنموي في ليبيا؟
القيمة التنافسية للدولة مسألة مهمة جدا وهي حديث العصر، فمن الضروري جدا أن يبنى المشروع الاقتصادي على تحديد التنافسية، إضافة إلى التركيز على مجموعة أخرى من النقاط وهي الاهتمام بأن يكون التخطيط للمشروعات عن طريق التخطيط بالمشاركة، والاهتمام أيضا بجود التعليم وربط التعليم بالمشاكل الموجودة في الدولة، وتحقيق خماسية التكامل التنموي التي تربط بين كلا من (القطاع العام- القطاع الخاص- التمويل- المؤسسات الأهلية - التواصل الرقمي)، وكذلك العمل على تحقيق التكامل بين دول الجوار، فجزء من الاقتصاد هو أن تعرف مركز قوتك وأن تأخذ وضعك في الاقتصاد العولمي، ودور القطاع العام في هذا الصدد أن تقوم بتوقيع اتفاقيات تعاون مزدوج بين الحكومات، مثل توقيع اتفاقية عدم الازدواج الضريبي أو إلغاء الجمارك، والاتفاق على فتح مناطق حرة مشتركة، كما يجب الاهتمام بدور البحث العلمي في معرفة وتحديد احتياجات السوق، والتركيز على قوانين البيئة وقوانين الجودة.
ولذلك يجب خلال المرحلة القادمة أن يتم الإعداد والتجهيز لمجموعة من الخطوات تبدأ بأن يتم الاعتراف بالقطاع الخاص، وأن يتم تحديث القوانين التشريعية، والاهتمام بقوانين الجودة والبيئة، وأن تسعى الحكومات إلى عقد اتفاقيات مع الدولة وخاصة دول الاتحاد الأوربي، على أن يتم التكامل بين الصناعات و القطاعات و التشابك و أن لا يتم العمل في جزر منعزلة، وأن يتم التخطيط بالمشاركة مع التخطيط التأشيري فبعد اعتراف الدولة بالقطاع الخاص اول نجاح المشروع الاقتصادي الحديث ان يجمع بين القطاع العام و الخاص دون تغول أحد القطاعات على الآخر بل في تكامل و تشارك.
والاهتمام بالتنمية المكانية للمناطق الأقل حظا يعتبر جزء أصيل من أي خطة تنموية فالتنمية معنية بحياة الفرد في كل مكان و ليس فقط في النمو الاقتصاد الذي يحقق ربح للدولة أو الاقتصاد الكلي التخطيط التأشيري يعتبر نهج حديث وهو يمثل المنهح الوسط بين أساليب حل المشكلة الاقتصادية له خصوصية وأسلوب متكامل، يتضمن عملية مزج دقيقة بين ملكية الدولة للموارد وبين تخطيط إصلاحي تقوم فيه الدولة بدور محدود في النشاط الاقتصادي يعالج الاختلالات والمتاعب دون أن تتدخل بشكل مباشر في القطاع الخاص و الملكية الفردية.
كما يعتمد الاقتصاد المختلط اليوم على التخطيط التأشيري حيث يسمح بتكامل أدوار قطاعات الملكية دون أن تصبح الملكية العامة مسيطرة بالكامل ودون أن تلقي بهموم إدارة الاقتصاد وحل مشاكله على أي طرف ما يميز هذا الأسلوب ويجعل منه الخيار الأفضل ما يتمتع فيه من مرونة في التطبيق، بحيث يتمشى مع الواقع الذي تعيشه الدولة ويعتبر منهجا ويتطور من خلال مراحل التخطيط والتنفيذ.
كما أن الغاية في النهاية هي الوصول لتحقيق الأهداف التنموية المستدامة والتي تحددت بـ 17 هدف.
-في النهاية..ما هي خطوات المركز الليبي للتنافسية الاقتصادية للمساهمة في حل أزمة الاقتصاد الليبي؟
نحن في المركز الليبي للتنافسية الاقتصادية نعتزم في الفترة المقبلة بعقد سلسلة من الاجتماعات واللقاءات تضم عدد كبير من المتخصصين من كافة الأطراف للتفكير في المشروع الاقتصادي الأنسب لليبيا، والذي نرى أنه من الضروري أن يتم التركيز خلاله على تحقيق العدالة اولا قبل المساواة والتي تعد أهم النقاط التي لابد أن يقوم عليها مشروع الاقتصادي في ليبيا لحماية الشباب والطبقات الهشة وتوفير فرصة متكافئة لجميع الشرائح للدخول إلى مجتمع الأعمال دون الخوف من المنافسة الشرسة مع الشركات الكبري أو كبار المستثمرين.