في مثل هذا اليوم 14 ابريل من العام 1922 رندلعت معركة الزاوية بين المجاهدين الليبيين والقوات الإيطالية الغازية ، حيث قام المجاهدون بتركيز قواهم في المنطقة الغربية, وضربوا حصارا حول الحامية الإيطالية في العزيزية, كما قاموا بقطع خطوط السكة الحديدية الواصلة بين طرابلس والزاوية, وطرابلس والعزيزية. وفي نطاق هذه الحملة شن المجاهدون هجوما على الحامية الإيطالية في الرأس الأحمر بالزاوية ، ونشبت معركة بالموقع اضطر فيها الإيطاليون الي الاستنجاد بالسفينة الحربية (روما) لضرب منطقة القتال بالزاوية وتأمين سلامة الحامية وتكوين حصن عائم لإنقاذها عند الخطر.

دفع مؤتمر غريان سنة 1920م بالشيخ محمد فرحات الزاوي  إلى العودة المباشرة لحركة الجهاد. فبعد عودته من إيطاليا سنة 1921م، شارك في مفاوضات فندق الشريف التي جرت في نهاية شهر مارس سنة 1922م وأول أبريل بين هيئة الإصلاح المركزية وممثلي الحكومة الإيطالية، خاصة وأن الإدارة الإيطالية قد تعنتت في مفاوضاتها مع المجاهدين، مما أدى إلى قطع هذه المفاوضات وقيام هيئة الإصلاح بتعيين الشيخ محمد فرحات في وظيفة القائد العسكري والإداري لمنطقة الزاوية التي كانت قد خضعت لإيطاليا منذ شهر يناير سنة 1919م.

 ولما كان الشيخ محمد فرحات يسكن داخل مدينة طرابلس منذ سنة 1912م مع أفراد عائلته فإنه تسلل خفية دون أن يشعر الإيطاليون بتحركاته باتجاه الزاوية، حيث كان المجاهدون في استقباله بالمنطقة الغربية من الزاوية وفي الوقت الذي تولى فيه الشيخ محمد فرحات القيادة العليا، ساعده العديد من الأشخاص العسكريين من أبناء الزاوية وغيرهم في تقديم الرجال المسلحين والتموين القادمين من المناطق الأخرى إلى الزاوية. وكانت الخطة العسكرية لمعارك الزاوية تقوم على التالي:

عزل القوات الإيطالية الموجودة بالزاوية بقطع خط سكة الحديد التي تربط بين الزاوية ومدينتي طرابلس وزوارة، بهدف إدخال الذعر في نفوس أفراد القوات الإيطالية.

الاعتماد على سرعة الحركة في مواجهة القوات الإيطالية حيث كان المجاهدون يقومون بتغيير مواقع المدفعية من فترة إلى أخرى.

القيام بتدريب المجاهدين تدريباً سريعاً على الأسلحة لرفع الروح القتالية لديهم.

أما الخطة الإيطالية التي وضعت لأجل صد هجوم المجاهدين على الزاوية، فإنها كانت تقوم على التالي:

استخدام سلاح الطيران في قصف تجمعات المجاهدين.

الاستعانة بقطع الأسطول البحري.

قصف مواقع المجاهدين بالغازات السامة.

إعداد حملتين عسكريتين يتم توجيههما إلى مواقع المجاهدين بالزاوية، تخرج الأولى من طرابلس تحت قيادة الجنرال كاتور، والثانية تخرج من زوارة تحت قيادة الكولونيل جراتسياني.

وضمت الحملتان القادمتان من زوارة وطرابلس إلى منطقة الزاوية العديد من الكتائب الإريترية والمجندين الليبيين والإيطاليين مثل: كتائب الفرسان والمشاةوالمدفعية. ولما كانت القوات الإيطالية متمركزة قبل اندلاع المعارك بالزاوية في يوم 14 أبريل 1922 م بمناطق الرأس الأحمر، وهو ربوة عالية تقع في شرق المدينة، وفي محطة القطار لتأمين سلامته، وفي قصر الزاوية الذي كان بمثابة قلعة عسكرية حصينة منذ العهد العثماني،

بدأ المجاهدون المعركة الحاسمة في صباح يوم 14 أبريل بالهجوم أولاً على القوة الإيطالية الموجودة بقصر مدينة الزاوية والتي لم تصمد طويلاً في مواجهة المجاهدين، فانسحبت إلى موقع الرأس الأحمر الذي كان أكثر تحصيناً. وقد غنم المجاهدون بمخازن القصر العديد من مواد التموين والبناء وبعض قطع الأسلحة والذخيرة. ثم تابع المجاهدون الزحف على مواقع القوة الإيطالية المتمركزة بمحطة القطار. فدارت هناك معركة استمرت عدة ساعات أجبرت على أثرها القوات الإيطالية على الانسحاب باتجاه حصن الرأس الأحمر بعد أن تكبدت بعض الخسائر في الأرواح. وغنم المجاهدون مخازن محطة القطار، وهي تحمل الشعير ونحوه ؛ كما غنم المجاهدون عربات القطار، وهي محملة بالبضائع. فقاموا بحرق العلم الإيطالي الذي كان مرفوعاً فوق المحطة كما قام المجاهدون بإضرام النار في القطار وحرقه. وشدد المجاهدون بعد ذلك الحصار على القوات الإيطالية الموجودة داخل حصن ربوة الرأس الأحمر، حتى أجبروها على الانسحاب منه باتجاه شاطئ البحر بـمرسى ديلة. وبذلك تم تحرير الزاوية من أيدي القوات الإيطالية بداية من يوم 14 أبريل، ولكن القوات الاستعمارية الإيطالية شددت من هجماتها على المنطقة أثناء الليل والنهار مستخدمة قطع الحربية الرأسية بمرسى ديلة بالزاوية بتوجيه نيران مدافعها صوب المنازل والمزارع؛ كما قامت الطائرات بالتعاون مع القطع البحرية بخمسين غارة بالقنابل واثنتين وخمسين عملية استطلاعية، وإحدى وعشرين رحلة جوية لإلقاء المنشورات على الأهالي، وثلاث غارات بالمدافع الرشاشة، بالإضافة إلى عمليات النقل والاتصال خلال الفترة ما بين 14 و28 من شهر أبريل 1922م. وفي الوقت الذي تمكن فيه المجاهدون من تجميع نحو 3500 مجاهد بين مشاة وفرسان كانت القوات الإيطالية التي وجهت إلى منطقة الزاوية نحو 7000 جندي بداية من يوم 22 أبريل خرجت من زوارة وطرابلس وكانت موزعة على الآتي:

كتيبتان إيطاليتان

أربع كتائب من المجندين الليبيين مع إيطاليا؛

كتيبتان أريتريتان (الثانية والعاشرة)؛

أربع كتائب أريترية أخرى مختلطة؛

فرقة من الفرسان الإيطاليين؛

ثلاث فرق من الفرسان (السبابيس)؛

ثلاث بطاريات مدفعية؛

فرقة من الهجانة (الجمالة)؛

ثماني سيارات مزودة بالمدافع الرشاشة.

وفي يوم 24 أبريل سنة 1922م، وصلت طلائع هذه القوات إلى الزاوية، وأحاطت بها من الشرق والغرب والشمال. ولذا لم يبق أمام المجاهدين الذين تناقصت أعدادهم عدا الجهة الجنوبية. فدارت عدة معارك طاحنة بين المجاهدين والقوات الإيطالية، وخاصة في سيدي نصر بن ربوح شمال المدينة، وضي الهلال، وأخيراً المعركة الفاصلة بالقبي الواقعة إلى الغرب من مدينة الزاوية والتي تصدى فيها المجاهدون لقوات جراتسياني القادمة من زوارة وزادت فيها خسائر المجاهدين عن مائة شهيد. وباحتلال الزاوية، اتجه المجاهدون إلى الجنوب منها تحت قيادة الشيخ محمد فرحات الذي فقد في معركة القبي محفظته مع مجموعة من المفاتيح كان يحملها معه، من بينها مفتاح خزينته ومنزله داخل مدينة طرابلس. وكان من نتائج معارك الزاوية من 14 إلى 25 أبريل سنة 1922م

ارتكبت القوات الإيطالية أبشع الجرائم ضد سكان المنطقة مثل:

أ - الإعدامات لعدد من الأشخاص مثل: محمد زكي مقيق، وعلي عبد القادر العائب، وعبيده عبد الله زكري المحجوبي، وامحمد الدريدي ؛

ب - إصدار الأحكام الجائرة المؤبدة على أكثر من عشرين شخصاً كانوا قد شاركوا في معارك الزاوية مثل: أحمد الفرجاني، ومحمد الصغير القمودي، وعبد الرحمن شلابي، وامحمد هويسة، ومحمد هويسة. وكانت أحكام الإعدام قد صدرت ضدهم في يوم 9 ديسمبر سنة 1922م، ولكنها استبدلت بالأحكام المؤبدة؛

ج - صدور العديد من الأحكام الأخرى المتفاوتة المدة بين ثلاثين سنة وعشر سنوات؛

 د - مصادرة الأملاك والأموال والماشية من المواطنين؛ هـ - تعرض سكان المنطقة للتشريد والنزوح إلى خارج منطقة الزاوية، هروباً من جور الإيطاليين، سواء إلى داخل ليبيا أو إلى خارجها مثل الشيخ محمد فرحات الذي هاجر إلى مرزق والضابط الطاهر شلابي الذي هاجر إلى تونس وتوفي بها ؛ والضابط الشيباني هويسة الذي وصل إلى تونس ولقي مصرعه بها، في الوقت الذي توفي والده امحمد هويسة في ترهونة أثناء نزوحه من الزاوية ؛ وعلي بنيني، وغيث بن عمار، وجموم ومحمد شلابي وغيرهم من الذين نزحوا إلى المنطقة الوسطى، والجنوبية، والشرقية، وإلى تونس ومصر.