في مثل هذا اليوم 26 مايو من العام 1835 قامت الخلافة التركية بعزل والي طرابلس علي الثاني پاشا بن يوسف القرمانلي ونقله الى الأستانة، وبذلك قضت على حكم القرمانليين في طرابلس.

أدت حرب الساحل البربري الأولى التي شنتها الولايات المتحدة الوليدة على يوسف القرمانلي إلى فقدان قراصنة الساحل البربري لهيبتهم في البحر المتوسط. 

وانخفضت بشكل كبير المبالغ التي تدفعها الدول الغربية الكبرى (الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا) بصفة سنوية لحكام الساحل البربري مقابل عدم التعرض قراصنة الساحل البربري، الذين يأتمرون بأوامر حكام تلك الدويلات مما دفع يوسف باشا وباقي حكام الساحل البربري إلى زيادة الرسوم المطلوبة من الدول الاوروبية الصغيرة، مثل نابولي وصقلية وسردينيا وجنوة واسبانيا وهولندا والدنمارك. 

رفضت الدول الاوروبية الصغيرة الموافقة على الزيادة، فقام القراصنة بالإغارة على سفن تلك الدول، مما دفع تلك الدول الاوروبية إلى شن غارات على ميناء طرابلس، إما بغرض التأديب أو بغرض اجبار يوسف القرمانلي على تجديد الاتفاقية السنوية بنفس المبلغ السابق. ونشأ إجماع غربي على ضرورة التخلص من يوسف باشا القرمانلي.

التناقص الحاد في دخل طرابلس من القرصنة (جهاد البحر) دفع يوسف القرمانلي إلى فرض ضرائب باهظة على الأهالي، لتعويض العجز. وقسم الولاية بين أولاده فأعطى لابنه (علي الكبير) غريان ولابنه (مصطفى بيك) مصراتة ولابنه عثمان مدينة الخمس ولابنه عمر ورفلة ولابنه إبراهيم زليتن ولمملوكه مصطفى بيك (درنة) فأصبح كل فرد من أولاده يعمل خلاف المصلحة العامة للبلاد. فساءت الحالة العامة جداً وثار أهل المنشية على (يوسف باشا) ومعهم ولده (محمد بيك) واستغلت الدول الأجنبية ضعف سلطته. وسقطت هيبته في قلوب القبائل فتنازل لابنه (علي بيك) في 5 أغسطس 1833م. بعد أن دام حكمه 39 سنة. فازداد الثوار عتواً ونفوراً.

أدت الضرائب الجديدة إلى ثورة في منطقتي المنشية والساحل في طرابلس، بقيادة يوسف باي محمد الذي أعلن نفسه حاكماً وحاصر طرابلس إلا أن علي الثاني باشا حظي بتأييد كل من برقة وفرنسا.

وكان قد وصل إلى طرابلس (شاكر أفندي) موفداً من قبل السلطان لـ (علي بيك) الذي تنازل له والده، ولكن شاكر أفندي وجد البلاد في حالة فوضى ووجد عموم الأهالي مُصرين على التخلص من عائلة القرمانلي، ولم تفلح وساطة الباب العالي في حل الأزمة، بالرغم من عقدها مباحثات مباشرة بين الطرفين في 1833. فرجع إلى اسطنبول وأخبر السلطان (محمود الأول بن عبد المجيد الأول) بحالة البلاد فعين الفريق نجيب باشا والياً لولاية طرابلس الغرب فقدم إليها على رأس أسطول مكون من 22 سفينة حربية محملة بالجنود والمعدات والأرزاق. 

فاحتفل علي بيك بقدومه أولاً ثم بعد شهر طلب نجيب باشا علي القرمانلي إلى إحدى المراكب باسم الضيافة. فلما وصل إليه أمر بإلقاء القبض عليه ونزل بجنوده إلى البر وأعلن ولايته لطرابلس ثم قرأ الفرمان السلطاني بتوليته. ولما سمع محمد بيك بن يوسف باشا بمصير أخيه (علي القرمانلي) أقدم على قتل نفسه! وفر أخوه أحمد بيك يوسف إلى مالطة. وأما علي القرمانلي وأتباعه فقد أرسلهم نجيب باشا إلى اسطنبول. وبذلك انطوت صحيفة القرمانليين وانتهى حكمهم سنة 1251 هجري – 1835 – ميلادي. وذلك بعد أن دام قرابة (126 سنة).

والأسرة القرمانلية هي أسرة تُنسب لإقليم قرمان بالأناضول، حكمت ليبيا مدة قرن وربع تقريباً. أسسها أحمد القرمانلي سليل بني قرمان الذين أسسوا سابقا "إمارة قرمان" عام 1250م جنوب الأناضول. 

قاد أحمد القرمانلي سنة 1711 ثورة شعبية أطاحت بالوالي، وكان أحمد القرمانلي ضابطا في الجيش العثماني وقرر تخليص البلاد من الحكام الفاسدين ووضع حد للفوضى. ولما كان الشعب الليبي قد ضاق ذرعا بالحكم الصارم المستبد فقد رحب بأحمد القرمانلي الذي تعهد بحكم أفضل، وقد وافق السلطان على تعيينه باشا على ليبيا ومنحه قدرا كبيرا من الحكم الذاتي. ولكن القرمانليين كانوا يعتبرون حتى الشؤون الخارجية من اختصاصهم، وكانت ليبيا تمتلك أسطولا قويا مكَّنَها من أن تتمتع بشخصية دولية وأصبحت تنعم بنوع من الاستقلال.

كان يوسف باشا القرمانلي حاكما طموحا أكد سيادة ليبيا على مياهها الإقليمية وطالب الدول البحرية المختلفة برسوم المرور عبر تلك المياه. كما طالب في سنة 1803 بزيادة الرسوم على السفن الأمريكية تأمينا لسلامتها عند مرورها في المياه الليبية. وعندما رفضت الولايات المتحدة تلبية طلبه استولى على إحدى سفنها. الأمر الذي دفع الأمريكيين إلى فرض الحصار على طرابلس وضربها بالقنابل. ولكن الليبيين استطاعوا مقاومة ذ لك الحصار وأسروا السفينة الحربية الأمريكية "الفرقاطة فيلادلفيا" عام 1805 الأمر الذي جعل الأمريكيين يخضعون لمطالبهم. وبذلك استطاع يوسف باشا أن يملأ خزائنه بالأموال التي كانت تدفعها الدول البحرية تأمينا لسلامة سفنها. ولكن يوسف باشا ما لبث أن أهمل شؤون البلاد وانغمس في الملذات والترف ولجأ إلى الاستدانة من الدول الأوروبية.

كان السلطان العثماني قد بدأ يضيق بيوسف باشا وبتصرفاته، خاصة عندما رفض يوسف مساعدة السلطان ضد اليونانيين 1829 وفي هذه الأثناء قامت ضد القرمانليين ثورة عارمة بقيادة عبد الجليل سيف النصر. واشتد ضغط الدول الأوروبية على يوسف لتسديد ديونه. ولما كانت خزائنه خاوية فرض ضرائب جديدة، الأمر الذي ساء الشعب وأثار غضبه، وانتشر السخط وعمت الثورة وأرغم يوسف باشا على الاستقالة تاركا الحكم لابنه علي وكان ذلك سنة 1832، ولكن الوضع في البلاد كان قد بلغ درجة من السوء استحال معها الإصلاح. وعلى الرغم من أن السلطان محمود الثاني (1808-1839) اعترف بعلي واليا على ليبيا فإن اهتمامه كان منصبا بصورة أكبر على كيفية المحافظة على ما تبقى من ممتلكات الإمبراطورية خاصة بعد ضياع بلاد اليونان والجزائر 1830. وبعد دراسة وافية للوضع في طرابلس قرر السلطان التدخل مباشرة واستعاد سلطته. وفي 26 مايو 1835 وصل الأسطول التركي طرابلس وألقى القبض على علي باشا ونقل إلى تركيا، وانتهى بذلك حكم القرمانليين في ليبيا.