في مثل هذا اليوم 27 مايو 2014، تمت عملية اغتيال  مفتاح بوزيد، وهو كاتب صحفي وناشط سياسي ليبي ورئيس تحرير جريدة "برنيق" التي تعتبر من أهم الصحف الصادرة في بنغازي. 

ولد مفتاح عوض بوزيد في 26 يناير 1964، في مدينة بنغازي الليبية، حيث نشأ وتخرج من جامعتها وبالتحديد قسم العلوم السياسية في كلية الاقتصاد. ترأس إدارة قسم الحوادث في جريدة قورينا سابقاً وفي 2011 عمل في جريدة برنيق التي أصبح ثالث رئيس تحرير لها.

حظي بوزيد باحترام واسع وسط سكان مدينة بنغازي، بفضل مواقفه "الثابتة والجريئة" ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة التي انتشرت في ليبيا ،وفي الأشهر الأخيرة قبل اغتياله عُرف عنه ظهوره بشكل مكثف في وسائل الإعلام الليبية والعربية منتقداً بجرأة الجماعات الإسلامية في البلاد وكذلك المؤتمر الوطني العام.

كما تم مصادرة العدد الأخير من صحيفة برنيق قبل وفاته حيث كانت في طريق الشحن إلى طرابلس براً بسبب اغلاق مطار بنينا حيث تم مصادرتها من قبل درع ليبيا وفي بوابة تابعة لمدينة مصراتة (غرب ليبيا) بحجة (أنها تدعم ما وصفوه بالانقلاب) والمقصود بها عملية الكرامة العسكرية التي أعلن عنها المشير خليفة حفتر.

في صباح الإثنين 27 مايو 2014، وبينما كان يهم بركن سيارته أمام احدى المكتبات في شارع جمال عبد الناصر في وسط بنغازي تم اغتياله بثلاث رصاصات من قبل شخصين يستقلان سيارة حيث ترجل مطلق الرصاص منها، لتستقر الرصاصات في رأسه وبطنه ويده وليهرب الجناة. وكان بوزيد قد ظهر في أحد البرامج الحوارية التلفزيونية قبل يوم من وفاته، وانتقد المجموعات الإسلامية المتطرفة في بلاده.

وبالرغم من أن أي جهة لم تعلن رسمياً مسؤوليتها عن الجريمة، إلا أن الاتهامات تطال ثواراً سابقين وخاصة الإسلاميين منهم في جرائم قتل مماثلة طالت قضاة وصحفيين وعسكريين وناشطين مدنيين.

تسببت جريمة اغتياله في ردود أفعال غاضبة داخلية وخارجية حيث أدانها الكتاب والصحفيون والمنظمات الليبية كما أدانتها مراسلون بلا حدود وبعثة الأمم المتحدة في ليبيا والتي دعت السلطات الليبية للتحقيق الفوري في هذا العمل الإرهابي والقبض على الجناة وتقديمهم للعدالة.

وأعربت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونسكو عن حزنها العميق إزاء مقتل مفتاح بوزيد، رئيس تحرير جريدة "برنيق"، وقالت  "إنني أدين اغتيال مفتاح بوزيد. وعلى الجميع أن يدرك أن الأسلحة لا يجب أن تُسكت التعبير عن تنوع الآراء، ولا يجب البتة أن تحل محل الكلمات في ضمان دعم المجتمع المدني".

وأضافت إيرينا بوكوفا قائلة: "لقد تأثرت اليونسكو كل التأثر إزاء هذه الخسارة جراء اغتيال بوزيد؛ حيث أن زملاءه يتذكرون مشاركته الحماسية العام الماضي في حلقات العمل المعنية بالصحافة المهنية التي قمنا بتنظيمها مع فريق دعم الانتخابات للأمم المتحدة في ليبيا".

إن مفتاح بوزيد، رئيس تحرير الصحيفة الأسبوعية "برنيق"، كان من أشد مناهضي الإسلاميين المتطرفين؛ وتفيد التقارير بأنه تلقى تهديدات تمس حياته بسبب الآراء التي عبّر عنها. وقد لقى مصرعه وسط مدينة بنغازي.

و قالت هيومن رايتس ووتش  إن على النائب العام الليبي أن يفتح على الفور تحقيقاً محايداً ومتكاملاً في مقتل رئيس تحرير بارز ومحاسبة المسؤولين عن تلك الواقعة.

وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يبدو أن للاستهداف المتعمد للصحفيين في ليبيا هدف واحد، هو خنق حرية التعبير والمعارضة السياسية. بعد ثلاثة أعوام تقريباً على اغتيال الرئيس معمر القذافي، تعد عدم قدرة الصحفيين على التعبير عن آرائهم دون خوف من الاعتقال أو الاعتداء أو الموت حتى، مأساة وطنية".

كان بوزيد معروفاً بانتقاده للميليشيات الإسلامية في بنغازي، وقد ظهر مراراً انتقاده لممارساتهم في الصحف وعلى شاشات التلفزة. وفي 26 مايو أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات هاتفية مع أربعة من زملاء و اصدقاء بوزيد في طرابلس وبنغازي.

في محادثة اخرى بتاريخ 26 مايو 2014، قال شاهد عيان على الواقعة: "إن رجلاً غير ملثم أطلق النار على بوزيد وأرداه قتيلاً حوالي الساعة العاشرة صباحاً، فيما كان الأخير داخل سيارته المتوقفة، في طريقه لتوصيل الصحف في بنغازي، عند نهاية شارع الاستقلال (شارع جمال عبد الناصر سابقاً)". وأضاف شاهد العيان، أنه رأى المعتدي في ثياب مدنية، يخرج من سيارة متوقفة بالقرب من بوزيد ويطلق خمس إلى سبع رصاصات مما يعتقد أنها كانت بندقية آلية (رشاش)، قبل أن يعود إلى سيارته ويهرب. قال الشاهد:

رأيت من أطلق النار، ولم أتعرف عليه، قام برفع ذراعه وأطلق عدة رصاصات على السيارة. كان شكله مثل أي رجل من بنغازي، كان شاباً، لا يرتدي قناعاً، ويرتدي ثياباً مدنية وحليق اللحية. لم تكن ذقنه مثل "الإسلاميين". حدث كل شيء بسرعة بالغة، لم يستغرق الأمر عشر ثوان في تقديري. بعد إطلاق النار مباشرة، اقتربت من سيارة مفتاح مع آخرين. وبشكل ما لم أتوقع أن يكون بالسيارة أحد، لذا صُدمت عندما رأيته راقداً والدم يلطخ رأسه.  فات الاوان، كان قد مات بالفعل.

قال الشاهد "إن العملية تبدو له منظمة للغاية و"احترافية"، إذ تمكن من أطلق النار ورفاقه من ارتكاب الجريمة في وضح النهار وفي شارع مزدحم دون أدنى تردد". كما قال إنه لم ير سوى الرأس الدامي ولم ير أو يذكر إن كانت هناك أية رصاصات أخرى في باقي الجثمان. قال إن المعتدي ركب في المقعد الخلفي لسيارة يعتقد أن بها ثلاثة آخرين، وهربت السيارة بسرعة. قال إن الجيران لم يكن بوسعهم سوى تغطية جثمان مفتاح ونقله إلى مستشفى الجلاء.

أما محمد الشيخي، وهو مصور صحفي مستقل من بنغازي، فقال لـ هيومن رايتس ووتش أثناء مكالمة هاتفية في 26 مايو إن بوزيد كان يوصل نسخاً من الصحف بنفسه لمحال بيع الصحف والكتب في بنغازي، طيلة أيام الأسبوع الثلاثة التي تُنشر صحيفة برنيق خلالها. قال إن بوزيد كان معروفاً بكونه منتقداً قوياً للميليشيات الإسلامية والفصائل السياسية في البرلمان الليبي؛ المؤتمر الوطني العام، وكان يعلق كثيراً على الأحداث في مختلف البرامج الإخبارية. قال الشيخي إن بسبب استقطاب الإعلام والمجتمع، فمن المستحيل توجيه أصابع الاتهام إلى مجموعة بعينها تتحمل مسؤولية اغتياله.

أما إدريس المسماري، رئيس هيئة دعم وتشجيع الصحافة، التابعة لوزارة الإعلام، فقد أخبر هيومن رايتس ووتش بأنه كان يعرف بتلقي بوزيد للعديد من التهديدات بالقتل، لا سيما خلال الأيام الأخيرة السابقة على مقتله. يعتقد أن القتل ربما سببه تعليقات بوزيد التي أدلى بها في مقابلة على قناة خاصة هي ليبيا الأحرار، بتاريخ 25 مايو  وقد انتقد فيها المؤتمر الوطني العام والميليشيات، وتحدث عن الاجتماع بحفتر ومناقشة عملية "كرامة ليبيا" من أجل "مكافحة الإرهاب".

قال المسماري إنه يعتقد أن اغتيال بوزيد مؤشر خطير يدل على مدى استهداف الصحفيين الليبيين على ما يقولونه. تسمع الهيئة التي يرأسها بانتظام عن صحفيين يواجهون التخويف والتهديدات بالقتل والاعتداء البدني، لتكميم أفواههم. قال إن العديد من الصحفيين يمارسون الرقابة الذاتية: "إنهم [الجناة] قد نجحوا في إسكات بعض الصحفيين. يمكن أن تتخذ التهديدات عدة أشكال، بما في ذلك اختطاف طفلك أو الاعتداء على أسرتك. ثم ما هو الأسوأ من القتل؟ إنه قادر على إسكاتك".

بعد مرور ستة أعوام على تلك الجريمة ، لا يزال إغتيال بوزيد دون عقاب لمرتكبيه الذين لم يتم الكشف عنهم.