لم ينتظر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أكثر من سبع سنوات ونيف لإعلان خطه السياسي الداعم للإخوان المسلمين في دول “الربيع العربي”. فبعد أن تأسس في لندن سنة 2004 وتحت أعين السلطات البريطانية، دخل الاتحاد تدريجيا في أخطبوط التنظيم الدولي للإخوان ليتصاعد دعمه واحتضانه له حتى صعود الإسلاميين إلى السلطة.

وبعد سقوط تجربة الإخوان المسلمين في مصر عقب ثورة شعبية، واصل الاتحاد وقوفه إلى جانب الإخوان، بل وأشرفت أعلى هيئاته على إعادة تكوين مكتب الإرشاد الدولي للجماعة مستغلين فوز أردوغان في الرئاسية أخيرا.

اجتمعت الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لعلماء المسلمين في الأيام الأخيرة في العاصمة التركية إسطنبول، وقد تم في الاجتماع اختيار عدد من قيادات الإخوان المسلمين في مجلس أمناء هذا الاتحاد (مثل صفوت حجازي وصلاح سلطان)، ليتم التأكد مرة أخرى لدى الرأي العام مدى تمسك الإخوان بتسييس الدين واختراق المنظمات الدولية وتطويعها لخدمة أجندة الجماعة.

 

الاتحاد واجهة التنظيم الدولي

تتواصل سياسة الاختراقات و”التقية” التي دأب عليها تنظيم الإخوان المسلمين منذ تأسيسه في مطلع القرن الماضي مع ما يسمى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وذلك عبر سيطرة الإخوان على كامل مفاصله وهيئاته وجعله بوقا دعائيا لمظلومية الإخوان المزعومة.

ويؤكد خبراء في الجماعات الإسلامية، أن الهدوء الذي فرضه نظام ما بعد ثورة 30 يونيو “لا يخدم مصلحة الإخوان” في محاولاتهم المتكررة لفرض نسقهم على المشهد السياسي المصري. وبعد أن تفطن الشعب المصري إلى آليات عمل الإخوان ونشاط جمعياتهم، فإنه لم يعد للجماعة مساحات شعبية للتواصل والفعل السياسي في الداخل المصري، وبالتالي فإن اللجوء إلى منظمة مثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من شأنه ـ حسب رؤية الإخوان المسلمين ـ لملمة بعض التعاطف مرة أخرى هنا وهناك لكسر حاجز الصمت.

وفي السياق، يقول ثروت الخرباوي الإخواني سابقا، إن “التنظيم الدولي للإخوان سيحاول في المرحلة المقبلة إحراج النظام السياسي في مصر، عبر حملة دعائية يقودها يوسف القرضاوي وباقي قيادات الإخوان لكسب أقصى حد من الحظوظ الممكنة في الانتخابات البرلمانية المرتقبة في مصر في المدة القادمة”.

 

أردوغان رجل الإخوان

يؤكد العديد من الخبراء في المجال السياسي العربي، أن توقيت اجتماع الجمعية العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ليس مفاجئا أو غريبا، بل إن تفسيره يوجد في فوز رجب طيب أردوغان برئاسة تركيا. ويؤشر ذلك على استمرار الرجل في دعم الإخوان المسلمين وتبني طروحاتهم في المنطقة وتنظيمهم، وهو الداعم القوي على المستوى الإقليمي تماما مثل إيران.

وتؤكد تصريحات مراقبين أن تواصل دعم أردوغان للإخوان رغم خسارة ورقتهم، يشير إلى أن الرجل لا يريد التعديل من سياسته الخارجية لبلده تجاه مصر والدول العربية بشكل عام، وهي سياسة قد تدهورت فعلا بعد سقوط محمد مرسي وإبعاد الإخوان عن سدة الحكم في مصر بعد سنة من الفشل.

وقد صرح الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد بان، أن “دعم أردوغان للإخوان سوف يتصاعد خلال الفترة المقبلة، مما سيصعب على السلطات المصرية الاستمرار في الحفاظ على الاستقرار في الشارع، خاصة بعد توالي الضربات الأمنية على عناصر التنظيم الإخواني”.

 

أداة اللعبة الإقليمية

لا يمكن أن نقرأ المشهد السياسي الذي يحاول الإخوان التحرك فيه اليوم، دون التوقف عند عنصر رئيسي الآن وهو “الأزمة الفلسطينية الأخيرة”. فاجتماع الجمعية العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بحث مع عناصر من حماس مسألة المبادرة المصرية حول وقف إطلاق النار بين الطرفين وإبجاد الصيغ الإنسانية لوقف العدوان على قطاع غزة.

ومن المتوقع أن يخلص الاجتماع إلى نتائج لن تخدم سوى مصلحة خط الإخوان المسلمين سياسيا وإقليميا ودوليا، وضخ دماء جديدة للسياسات الإسرائيلية الإرهابية والمتطرفة، باعتبار أن الجماعة تريد تصوير الصراع مع إسرائيل على أنه صراع إسلامي ـ يهودي مما يعطي “شرعية” موهومة لمفهوم “يهودية الدولة الإسرائيلية”. فالمطلوب من الجزء الحمساوي من الإخوان المسلمين إيجاد مساحات مناورة على المستوى السياسي، كي يتم إدخال الحلفاء الإقليميين في لعبة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي.

إن إيجاد موطئ قدم لكل من قطر وتركيا وإيران في المجال السياسي الفلسطيني لن يكون إلا عبر حركة حماس التي تمسك بتقاطعات مصالح هذه القوى الإقليمية، والتي تريد أن تستفيد من القضية الفلسطينية للترويج لأنظمتها والدعاية المكثفة لكسب تعاطف الناس، ولعل سياسة أردوغان مع الإسرائيليين مثالا واضحا على ازدواجية الخطاب تجاه الفلسطينيين، فهو يجرم الإسرائيليين مدافعا على غزة من جهة، ويقوم بإجراء مناورات عسكرية مع الجيش الإسرائيلي ويتلقى التعويضات على ضحايا اقتحام الجيش الإسرائيلي لسفينة مرمرة من جهة أخرى.

وبالنظر إلى العلاقة المتينة بين الإخوان المسلمين والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهي علاقة عضوية تجمع ما بين الانتماء التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين والجماعة التي تسمي نفسها فقهية وعالمية، فإن للاتحاد مهمة ظرفية وعاجلة الآن تتمثل في إيجاد فضاء لاحتواء أزمة الإخوان على المستوى الدولي، وذلك بالإشراف على التركيبة التنظيمية الجديدة لمكتب الإرشاد الدولي نظرا لوجود قيادات مكتب الإرشاد في السجن وانتظار محاكمتهم.

ويعتبر خبراء في الجماعات الإسلامية أن الأسلوب الذي تدأب عليه الجماعة اليوم في الاختباء وراء ستار التنظيمات الدولية هو سلوك سياسي معهود، وللإخوان خبرة في التعاطي مع مثل هذه الوضعيات لأن كل تاريخهم السياسي كان في الخفاء والظلام.

وقد ذهب سامح عيد الباحث في شؤون جماعات الإسلام السياسي في تعليقه حول الاجتماع الأخير للجمعية العامة للاتحاد، إلى أن مؤتمر اتحاد علماء المسلمين ناقش خلال اجتماعه الرابع في إسطنبول إمكانية إعادة هيكلة مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بعد اعتقال المرشد العام وجميع قيادات مكتب الإرشاد، بالإضافة إلى أن المؤشرات تؤكد سعي التنظيم الدولي للإخوان نقل مكتب الإرشاد خلال المرحلة القادمة إلى تونس، نظرا للتضييق الأمني وحظر أنشطة الجماعة وإدراجها على قائمات المنظمات الإرهابية بقرار من الحكومة المصرية.

ويوضح أن مشاركة محمد الصلابي القيادي الإخواني الليبي في مؤتمر علماء المسلمين، يعني مزيدا من الفوضى داخل ليبيا وإمكانية اتساع رقعة التوتر والانقسام المسلح بين الميليشيات الإسلامية ونظيرتها المسلحة للاستيلاء على المدن الليبية، وإقامة مناطق حكم ذاتي وإعلاء أعلام الخلافة الإسلامية، بالإضافة إلى إمكانية تصعيد التوتر المسلح على الحدود الليبية مع مصر لاستنزاف الجيش المصري في حرب عصابات على الحدود الجنوبية والغربية والشرقية.

 

 

*نقلا عن العرب اللندنية