يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي لن يكون بعيدا عن أي قضية في العالم. أي قشة تذروها رياح ما تكون إسرائيل في أول الغيمة. من لوبيّها القوي والنافذ في الولايات المتحدة وما يمثله من جماعة ضغط في سياسات واشنطن الخارجية، إلى أوروبا والتموقع في مفصل الاقتصاد والسياسة، إلى إفريقيا والقفز وسط الفراغ المتروك بعد رحيل زعماء التحرر الوطني، إلى المنطقة العربية والتاريخ الكبير من الوحشية والجرائم، وأخيرا يقفز الاسم أيضا في الحرب الدائرة بين أذربيجان أرمينيا على إقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه. 

الاحتلال الإسرائيلي اليوم يرتمي في كل المواقع، حتى التي يكون بعيدا عنها سيكون واضعا أثره. نحن العرب من المؤسف أن نقول أن منطق القوة وفرض النفوذ يكون بهذه الطريقة. القوة العسكرية والاقتصادية تجعلانه موجودا في أماكن كثيرة من العالم، والأمر الواقع الآخر أن المجتمع الدولي بأسره يتعامل معه بلين مفرط بل بصمت مريب ومتعوَّد عليه.

في الحرب التي تدور رحاها بين أذربيجان وأرمينيا صعد إسم إسرائيل. الأمر الطبيعي أن يصعد ليكون مشكلا ككل مكان يوجد فيه. هذه المرة تعيده الظروف إلى حليفه الآخر تركيا ليكونا معا جبهة إسناد لأذربيجان على حساب أرمينيا التي يبدو أنها وضعت في زاوية ليست بمنطق أحقيتها التاريخية على أرض حولها خلاف قديم، لكن بمنطق السياسة التي وضعتها ظروفها في موقع "المقاوم الأعزل" الذي انفضّ من حوله الجميع باستثناء، بعض التصريحات الخافتة من هنا وهناك. أما الخصم الآخر فهو يعيش نشوة الانتصارات كما نشوة الإسناد التي يلقاها من الإسرائيليين والأتراك.

تعود العلاقات بين أذربيجان ذات الأغلبية الشيعية مع الاحتلال إلى بداية التسعينات من القرن الماضي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي كعدوتها أرمينيا أيضا. في ذلك الوقت لم تكونا لوحدهما، عدد آخر من الجمهوريات السوفياتية سار في نفس المسار، وهو أمر مكشوف في تلك الفترة باعتبار العلاقة مع الاحتلال الاسرائيلي آليا هي علاقة مع الولايات المتحدة حاضنتها الدائمة

الأرمن وفي ورطة الحرب الأخيرة وجدوا أنفسهم في مواجهة أعداء جدد. ظاهريا العلاقة بإسرائيل طبيعية في ظل وجود اعتراف دبلوماسي بينهما، بل حتى علاقات اقتصادية قوية، لكن في امتحان الأزمة الأخير يكتشف الأرمن أنهم كانوا غافلين عن خصم غير مباشر يدعم جارتهما بأكثر أنواع السلاح تطورا منذ 3 سنوات، وهذا أمر لم تحسب له أرمينيا حسابا أو كانت تصمت عليه تهربا من الحرج مع "صديق" أصبح تقليديا.

فمن خلال بيانات المعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم، يعتبر الاحتلال الإسرائيلي "أول مزود أسلحة أجنبي معلوم لأذربيجان بين 2017 و2019 بمبيعات تجاوزت قيمتها 375 مليون دولار"، وهي أسلحة متنوعة من بينها "قطع من سلسلة طائرات عسكرية مسيرة جديدة"، حسبما ذكرت وسائل إعلام صهيونية.

وفي أول فعلي رسمي أرميني أعلنت "يريفان" الخميس استدعاء سفيرها لدى الاحتلال بسبب بيع أسلحة لأذربيجان. وقالت وزارة الخارجية الأرمينية إن «أسلوب العمل الإسرائيلي غير مقبول، كان لزاماً على الوزارة أن تستدعي سفيرها في إسرائيل». وتعتبر هذه المرة الأولى التي تستدعي فيها أرمينيا سفير ها هناك، باعتبار أن الجرائم الإسرائيلية في فلسطين لا ترى أرمينيا لنفسها موقفا منها.

إسرائيل اليوم أقرب إلى أذربيجان منها إلى أرمينيا، صفقات السلاح الماضية تذهب في ذلك الاتجاه. والأرمن اليوم في موقع الغاضب من الموقف الإسرائيلي وعلى ذلك تم استدعاء السفير. لكن من غير المتوقع أن تتوتر العلاقة بين الطرفين، لأسباب مختلفة من بينها محاولة استمالة الصهاينة في الصراع التاريخي مع تركيا في مشهد متداخل ومتشابك تحسمه دائما القوة الدبلوماسية. لكن الإسرائيلي ومن خلال تاريخه في المناورة لا يُعتقد أن يتعامل مع أرمينيا بلغة التصعيد وليس مستغربا أيضا أن يكون في قادم الأيام جزءا عملية "سلام" بين الجانبين تعزيزا لتموقعه في الأزمات الدولية.