محمد شوقي الزين : أشار الصديق إسماعيل مهنانة إلى مقال حول التنوير كتبه بطلبٍ من جريدة وطنية ولا يعلم إن نُشر أم لا. الصديق محمد الأمين بن عزة هو الآخر لم يحصل على نشرٍ لمقاله حول الموضوع نفسه. حدث معي الشيء نفسه قبل 11 سنة (عام 2010)، عندما طلبت مني جريدة وطنية أن أكتب مقالاً حول العقد المنصرم (منذ 2000) وآفاق المستقبل. أخذتُ بعض الوقت في تدوينه، وكتبته عن قناعة، دون رقيب باطني أو لف أو دوران. لم يُنشر المقال أبداً، مع أن الجريدة كانت هي صاحبة الطلب. ليس هذا التعتيم (blackout) جديداً. أنظروا في أعلى الصفحة، من بين جميع المؤلفات، لم يحظَ أيُّ كتاب أو ترجمة باهتمام وسيلة من وسائل الإعلام، خصوصاً المرئية، إذا استثنيت "إذاعة الجزائر الثالثة" التي استضافتني عدة مرات على هامش المعرض الدولي للكتاب.

بينما في الخارج، تدارستُ حول بعض المؤلفات مع تلفزيون البحرين عام 2010 بدعوة من وزارة الثقافة والفنون البحرينية على هامش مهرجان "تاء الشباب"، وقناة "دوتش فيله" الألمانية، وأخيراً "القناة المغربية الثانية" بدعوة من وزير الثقافة وقتها حميش بنسالم لحضور معرض الكتاب الدولي في الدار البيضاء. ليس المبتغى من كل هذا الأضواء والضوضاء، وأنا بطبعي المتنسِّك أميل أكثر إلى العزلة والتوحُّد والاشتغال في صمت، لكن يُنبئ هذا الأمر عن مأساة الكتاب والكُتَّاب في ديارنا، وهم كثيرون، الذين لا يحظون بتقديم منتجاتهم الفكرية أو الأدبية للقُرَّاء في وسائل الإعلام المتنوِّعة، إما لأن الانتقاء صارم جدًّا، أو لأن هناك شبكة من الصداقات والولاءات لا يندرجون في حلقتها (le cercle d’amis)، ومن ثمَّة فهُم "نِسْياً مَنْسِيًّا"، خصوصاً الشباب منهم الذين لهم طموحات مستقبلية يملؤها الأمل والعمل.

غير أن هذا التعتيم غالباً ما يُثبّط عزائمهم ويترك مذاق المرارة في ذواتهم. جُعل الكتاب ليُقرأ، وقراءته تمرُّ عبر "الإذاعة العمومية" publicité. ليس كلمة publicité مجرَّد "الإشهار"، بل هي كذلك "التعميم أو جعل الشيء عمومياً" (rendre public)، وإذا لم ينخرط الكتاب في هذا " الشيوع العمومي" بوسائط إعلامية، فهو يسقط في الخصوصي أو لدى القلَّة القليلة. وهذا ما يُعاني منه بالضبط العديد من الكُتَّاب الذين لا يكتبون لذواتهم فحسب، لكن لا يتوصَّلون بالجمهور كذلك بفقدان الوسائط (ما عدا الوسائط الافتراضية). لا يجدون "التعميم"، وإنما "التعتيم".