وصف الباحث والمحلل السياسي التونسي منذر ثابت، المشهد السياسي التونسي بأنه مشهد يتسم بـ "الفوضى والتشظى". 

وقال ثابت في حوار خاص مع "بوابة إفريقيا الإخبارية"، إن "تونس تعيش حرب استنزاف بين الرئاسة التونسية وحركة النهضة"، مشيراً إلى أن الحلول المطروحة للعبور إلى شاطئ السلام تكمن في تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية، والذهاب مع الرئيس قيس سعيد نحو الاستفتاء حول النظام السياسي للاختيار بين النظام البرلماني والنظام السياسي والنظام المختلط، مع فتح المجال للأحزاب والمنظمات للتعبير بصفة حرة عن مواقفها وطروحاتها، مع ضرورة حسم ملف النظام السياسي والدستور ومن ثم الذهاب إلى الانتخابات.... وإلى نص الحوار:

-المشهد السياسي التونسي يتسم بالفوضى والتشظي.

-25 جويلية/ يوليو دشنت لمسار جديد من الانتقال الغامض.

- تيارات الإسلام السياسي تراهن على استمرار حركة النهضة في تونس.

- النهضة تستثمر كل توتر يمكن أن يباعد بين الرئيس التونسي ومكونات المجتمع بمختلف القطاعات.

-الصراع بين رئاسة الجمهورية وحركة النهضة عمق الأزمة الاقتصادية في البلاد.


بداية.. كيف تقيم المشهد التونسي؟ 

تونس تعيش حرب استنزاف معلنة بين رئاسة الجمهورية متمثلة في قيس سعيد وبين حركة النهضة، والمشهد السياسي التونسي يتسم بالفوضى والتشظي، فمرة أخرى نمر إلى مرحلة انتقالية ثانية بعد مرحلة التأسيس الأولى التي أفضت إلى منظومة برلمانية لم تنجح في ضمان تحقيق المعادلة بين النظام والحرية، وهي مرحلة أفضت أيضاً إلى تشظي السلطات وإلى نزاع صلاحيات شبه دائم ومستمر وانهيار اقتصادي، إذا 25 جويلية/ يوليو دشنت إلى مسار جديد من الانتقال الغامض الذي لم نعلم إلى حد الآن أن كان سيفضي إلى مشهد ديمقراطي تعددي، أم أنه في يتجه نحو إعادة صياغة مفردات الفعل السياسي من خلال الطرح المجالسي وما شابه، وبالتالي فالمشهد التونسي الآن هو مشهد مشوش يكرس الأزمة على مختلف الصعد.

برأيك.. ما أسباب إصرار حركة النهضة على تحشيد الشارع؟

الآن وبالنسبة إلى الحركات الإسلامية هناك رهان مركزي أن تستمر النهضة في تونس، ويمكننا القول بإن تونس من أخر معاقل الإسلام السياسي بالنسبة للمنطقة العربية، خاصة بعد سقوط التجربة في مصر، وفي المغرب، وبالطبع التعثر في ليبيا، لذلك تعتبر تونس أخر معاقل الحركات الإسلامية في المنطقة العربية، وهناك مراهنات على استمرار هذه التجربة، وإذا نظرنا إلى المدعمات الخارجية لحركة النهضة فهي لا تزال قائمة تحديداً فيما يتعلق بدولتي قطر وتركيا.

إذا بالنسبة لحركة النهضة فهي تسعى للاتجاه نحو الشارع ومحاولة الاستمرار في المظلومية وكل هذه هي من التكتيكات المعتادة والتقليدية للحركات الإسلامية، وبكل تأكيد فأن النهضة تحاول محاصرة الرئيس قيس سعيد، والرد عليه بعنف على مختلف الوجهات والتي من ضمنها الشارع، وهي تراهن في ذلك على أن قيس سعيد لا يمتلك تنظيم قادر على التعطيل وقادر على ضمان الاستمرارية في حرب استنزاف معلنة بين الطرفين.

من وجهة نظرك.. هل تسعى الحركة لاستغلال الخلافات بين المجلس الأعلى للقضاء والرئيس؟

بالنسبة للمجلس الأعلى للقضاء لابد من أن نشير إلى أن حركة النهضة تستثمر كل توتر يمكن أن يباعد بين الرئيس التونسي ومختلف مكونات المجتمع المدني، والمجتمع السياسي، ومختلف القطاعات، أي كل ما من شأنه أن يقلص وأن يقزم من الأغلبية التي يحظى بها الرئيس قيس سعيد وهي أغلبية اجتماعية أكدتها عمليات سبر الآراء، وهذه مسألة مؤكدة ولا تقبل الشك، إذا الاتجاه كما قولت نحو حرب استنزاف معلنة على مختلف الواجهات تقودها النهضة وحلفائها ممن يعتبرون أن 25 جويلية/ يوليو والإجراءات الاستثنائية لمرسوم 117 تكرس للانقلاب على الدستور وعلى الجمهورية الثانية، كل هؤلاء يعتبرون أن قيس سعيد خارج سياق الدستور والقانون وأنه بصدد إرساء دعائم ديكتاتورية جديدة، ولكن وعلى الرغم من أن النصوص التي تبدو شديدة وقاسية نجد أن ثمة قبول بـ 25 جويلية/ يوليو وأن ثمة اعتراضات واحترازات تجاه المنهج، ولعل هذا ينعكس في أخر ما صدر عن الخارجية الأمريكية بضرورة الاهتمام بإقحام كل مكونات المجتمع السياسي وكل الأحزاب في عملية الاستشارة، أي أن ثمة قبول ضمني بمسار 25 جويلية/ يوليو، وهذه معطيات لابد من الانتباه إليها، ولنقول إنه وبالرغم من التطورات والتصعيد الا أنه يظل في الحدود السلمية إلى حد الآن، والمسألة لم تخرج عن سياق الاحتجاج والمعارضة السلمية.

ما أسباب تجدد الاتهامات للحركة بالوقوف وراء الاغتيالات السياسية؟

هذه مسألة تقليدية لأن الاتهام الموجه إلى الحركات الإسلامية بالعنف، ليس وليد اللحظة ولكن تاريخه يعود إلى الصراع بين جمال عبدالناصر وحركة الإخوان في مصر، بمعنى أنه دائما ما تعتبر هذه الحركات مشرعة إيدلوجيا باسم الجهاد وباسم العقائدية للعنف، وهي حركات يمكن أن تأسس في ديناميكية الصراع الأيدلوجي الداخلي ويمكن أن تفرغ لتيارات عنيفة، هذا ما يفسر أن هذه الحركة تاريخيا اتهمت بكونها حركات عنيفة أو حركات تشرع للعنف بأي شكل من الأشكال سواء على جهة الفقه، أو على جهة التأسيس للنموذج الأخلاقي، أو على جهة الاختراق للمجتمع الجاهل وتأسيس المجتمع المسلم، وما يسمى بالـ "ميكرو" (مجتمع داخل المجتمع) كل هذه التنظيرات تولد هذه الاتهامات، وأكيد أن ما حدث من تمركز للإرهاب ومن اغتيالات سياسية تم تحت حكم حركة النهضة، هذه معطيات لا يمكن التشكيك فيها، لكن التأويلات والتوظيفات الاختلاقات هي مسأل أخرى وهذا لا يعني بالضرورة أن لدينا ما يثبت ماديا ضلوع النهضة بقياداتها في مثل هذه الأعمال ولكن الشبهات قوية.

إلى أين تتجه الأوضاع في تونس في ظل استمرار مسلسل الخلافات؟

الأوضاع في تونس تتجه نحو مزيد من التأزم، وسيناريوهات الاسقاط فيما يتعلق باستشراف المستقبل لا تخلو من فرضيتين؛ اما انتصار قيس سعيد والمرور إلى جمهورية ثالثة بنظام رئاسي يكرس الفصل الحاد بين السلطات ويمكن رئيس الجمهورية من امتلاك السلطة التنفيذية، وهذا السيناريو يحتاج لتوضيح قيس سعيد موقفه من الأحزاب السياسية وهل أن سعيد يتجه بالفعل إلى ما يشبه اللجان الشعبية للراحل معمر القذافي، أم انه على العكس يدعو إلى تغيير بنية ومعمارية وثقافة الأحزاب السياسية في اتجاه أكثر ديمقراطية وانفتاح، لسنا نعلم إلى حد الآن ما يسعى إليه الرجل، لكن في كل الحالات ثمة سيناريو ثاني وهو؛ أن يفشل هذا المشروع وأن تعود ديناميكية المؤسسات في شكلها البرلماني وهذا مستبعد الحقيقة.

ما تأثير ذلك على الأوضاع الاقتصادية؟

الصراع المحتدم حاليا بين رئاسة الجمهورية، وحركة النهضة ومنظومة الأحزاب الداعمة لها، لا يمكن إلا أن يعمق الأزمة الاقتصادية والمالية، فحالة الافلاس التي تعبرها الدولة تحتاج إلى نوع من الاستقرار الإيجابي في صلة بالإصلاحات الاقتصادية المطلوبة دولياً وخاصة من صندوق النقد الدولي، وهذه الإصلاحات من المفترض أن تقود إلى الحد من إيقاف نزيف المالية العمومية لكن الكلفة باهظة وهي كلفة اجتماعية في علاقة بالطبقات المجتمعية على وجه الخصوص، حيث يمثل رفع الدعم أكبر تحدي، وخاصة أنه يفترض إيجاد الآليات التي بواسطتها يمكن توجيه الدعم إلى مستحقيه، وتقريبا 12% من إجمالي الدعم وهو جزء ضئيل يذهب إلى الشرائح التي تستحقه، وأيضا الإصلاحات تحتاج إلى التسريح الموظفين والضغط على كتلة الأجور، لتقليل تلك الأرقام الهائلة في أعداد المنتسبين للوظيفة العمومية، وفي ذات الوقت خفض مستوى الدينار أي تخفيض قيمة الدينار وهي تمثل كذلك أحدى التحديات الكبرى، إذا كلها تحديات تحتاج إلى حالة من الاستقرار الإيجابي، والاتجاه نحو سياسات تحررية بالحفاظ على دور الدولة التعديلي، فالخلافات السياسية تعمق من الأزمة الاقتصادية وكل وكالات التصنيف الدولي تعتبر أن غياب الاستقرار السياسي يعد عنصر سلبي يحسب ضد الاقتصاد التونسي في سياق التصنيف.

هناك حلول مطروحة للوصول إلى توافقات سياسية؟

الحلول المطروحة للعبور إلى شاطئ السلام تكمن في تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية، والذهاب مع الرئيس قيس سعيد نحو الاستفتاء حول النظام السياسي للاختيار بين النظام البرلماني والنظام السياسي والنظام المختلط -وهذا لا يمكن التشكيك في جدارته- مع فتح المجال للأحزاب والمنظمات للإدلاء بدلوها والتعبير بصفة حرة عن مواقفها وطروحاتها، ولابد وحسم ملف النظام السياسي، لكن هذا يحتاج كما قولت إلى حد أدنى من الاتفاق السياسي، اتفاق أولاً حول الإنقاذ الاقتصادي فبدون استقرار اقتصادي لا يمكن لأي مشروع سياسي ديمقراطي أن ينجح، ثم بالطبع الذهاب إلى انتخابات، ومجرد التصديق على النظام السياسي وصياغة دستور من هيئة من الخبراء اعتقد أن الذهاب إلى انتخابات عامة وقتها سيكون عملية ممكنة وعملية برجماتية ناجعة، لكن في كل الحالات لابد من حسم ملفي النظام السياسي والدستور والاتجاه نحو انتخابات تنهي هذه المرحلة المضطربة غير المستقرة التي آلت إليها عشرية كاملة من تصفية الحسابات ومن السطو على طريقة قطاع الطرق على الحكم.