أكّد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، أنّ بلاده جاهزة لعقد القمة العربية المقررة في الأوّل من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
يأتي هذا وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في آذار/ مارس الماضي، إنَّ "القمة العربية التي تستضيفها الجزائر سوف تُعقد في الأول والثاني من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل"، وذلك بعد أن أعلنت الجامعة العربية في الـ 31 من تموز/يوليو الماضي، أنّ القمة المقبلة ستكون "قمة إجماع عربي". ولمزيد من التفاصيل حول القمة العربية المرتقبة كان لـ "بوابة إفريقيا الإخبارية" هذا الحوار مع الكاتب والباحث الجزائري الدكتور محمد بغداد، وإلى نص الحوار:
- وضعية العالم العربي اليوم في أسوء حالاته.
- الجزائر تراهن أن تكون القمة العربية المرتقبة محققة للقدر المعتبر من لم شمل المنطقة العربية.
- الخلاف بين المغرب وتونس يعتبر خلافا عابر ولا تأثير له.
- الملف الليبي من أهم الأولويات في منطقة المغرب العربي.
بداية ما قراءتكم للقمة العربية المرتقبة الجزائر؟
القمة العربية المنتظرة في شهر نوفمبر القادم بالجزائر تعتبر الموعد الذي لم يلتق فيه زعماء العالم العربي منذ سنة 2019، وهي المدة التي حدثت فيها متغيرات جيوسياسية كثيرة، بداية من الحكام أنفسهم إضافة إلى تداعيات جائحة كورونا وما حصل في العالم من مستجدات كثيرة.
وبقليل من التأمل والمسح السريع، فإن وضعية العالم العربي اليوم في أسوء حالاته وعلى كل المستويات وتشير التوقعات أن الوضعية ستزداد تدهورا في السنوات القادمة، فنصف العالم العربي دمرته الحروب الطاحنة التي تزامنت مع انهيار النظام الأمن الاقليمي وتوسع مستويات التطبيع مع إسرائيل وتراجع مستوى القضية الفلسطينية من جدول الخطاب العربي الرسمي، وارتفاع معدلات الفقر والتخلف وغيرها من الكوارث الخطيرة.
هنا تأتي الأهمية القصوى لقمة الجزائر التي ترافع من جعل أن تكون قمة (لم شمل العرب) والتوجه نحو رؤية جديدة، يكون همها الأول انقاذ ما يمكن انقاذه قبل فوات الأوان، وقد رافع الخطاب الرسمي الجزائري منذ البداية على ضرورة بناء هذه الرؤية والعمل على تأجيل الخلافات البينية والنظر إلى المستقبل، من خلال إعادة الثقة في المواطن العربي في انتمائه إلى هذا الفضاء وإزالة على الأقل بعض اليأس والاحباط عبر استعادة مكانته واقناعه بإمكانية العيش بأمان.
إلى أي مدى تتوقعون نجاحها؟
حتى نكون موضوعيين فإن التحدي الذي يواجه قمة الجزائر كبير وخطير بحجم خطورة الأزمات التي يعيشها العالم العربي، ومن الموضوعية كذلك تحديد معنى للأفق الذي يمكن أن تبلغه القمة الذي يبقى مرتبط بمجموعة من العوامل في مقدمتها الإرادة والرغبة التي يمكن أن تكون عند مكونات الجامعة العربية، وكذا القضايا التي ستكون في جدول أعمال القمة.
ولكن التعويل على نجاح القمة تلوح مؤشراته في الخطاب الرسمي الجزائري الذي بذل الكثير من الجهود من أجل توفير الظروف المناسبة والأجواء المقبولة لنجاح القمة، خاصة وأن القمة ستعقد في تاريخ يمثل رمزية عالية ليس للجزائر وانما للأمة العربية، إلا وهو تاريخ اندلاع الثورة التحريرية المباركة، كما أن إرادة بعض الدول العربية الوازنة والتي تؤكد تصريحاتها رغبتها في انجاح القمة، يوفر الكثير لحساب أن يكون النجاح المعقول لقمة الجزائر، وحتى لا نبالغ فإن قمة الجزائر لا يجب أن يربط نجاحها بأن تحل مشاكل المنطقة العربية، التي عجزت كل القمم العربية على حلها، ولكن الجزائر تراهن أن تكون هذه القمة محققة للقدر المعتبر من لم شمل المنطقة العربية.
ما أهميتها وما المـأمول منها؟
إن قمة الجزائر تنعقد والعالم العربي يواجه أزمتين خطيرتين أولها الأمن وثانيهما الغذاء، فنصف الشعوب العربية تقريبا تعيش أوضاعا أمنية مأساوية نتيجة الحروب الدائرة في عدد من الأوطان، أو تلك الحروب المتوقعة في المستقبل المنظور، كون نظام الأمن الاقليمي العربي اليوم منهار، والبعض يرى في إيران وتركيا خطرا داهما ويجب الاستعداد لمواجهته عبر التحالف مع إسرائيل والتقليل من التعويل على الولايات المتحدة الأمريكية، والبعض يرى أن الخطر يأتي من اسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة الامريكية في المنطقة وبالذات الجماعات الإرهابية، وما يتشعب من قضايا الأمن الاقليمي، وأما موضوع الغذاء فلا يقل خطورة عن سابقه، كون المنطقة العربية تعيش أوضاعا معيشية خطيرة وهي من أكثر مناطق العالم مهددة بالأوبئة والمجاعات وتداعيات ما يسمى بغير المناخ، وانهيار معظم الاقتصاديات العربية مما جعل شعوب المنطقة في حالة من الاحباط واليأس والخوف الشديد من المستقبل.
ماذا عن الخلافات بين المغرب وتونس في القمة القادمة؟
ما ظهر مؤخرا من توتر في العلاقة بين تونس والمغرب، يندرج في سياق الأزمات التقليدية في العالم العربي ويضاف إلى ذلك السجل الطويل من الخلافات، ولا يتوقع أن يتصاعد مستوى التوتر وسرعان ما تعود المياه إلى مجاريها، كون سبب هذا الخلاف أمر يرجع إلى قرار سيادي خاص بالدولة التونسية، وطالما كانت القمة العربية مدعمة لاستقلال الدول في قراراتها السيادية الداخلية، ولا اعتقد أن كل من تونس والمغرب على استعداد لتصعيد هذا الخلاف وهو من الخلافات التي يمكن أن يتم تجاوزه وحل فتيله بقليل من الوساطات العربية، كما أن المنطقة لا تتحمل أزمة جديدة، ومن هنا فإن هذا الخلاف من نوع الذي يعتبر خلافا عابر ولا تأثير له، إلا في الأوساط الإعلامية خاصة الافتراضية منها.
وما تأثير الصراع المتصاعد بين بين الجزائر والمغرب؟
الخطاب الرسمي للدولة الجزائرية يؤكد أن (قضية الصحراء الغربية) هي تصفية استعمار وهي ملف في الأمم المتحدة، والقوانين والشرعية الدولية كفيلة بهذه القضية، وقد تم الاتفاق بين الجزائر والمغرب بحضور المملكة العربية السعودية على ترك القضية في بين أيدي الأمم المتحدة، وعدم جعلها حجرة عثرة في التأثير على البلدين أو منطقة المغرب العربي، وأما على المستوى الثنائي بين الجزائر والمغرب فإن الأزمة الأخيرة هي جزء من أزمات سابقة تعود إلى أيام الثورة التحريرية الجزائرية وفي بداية الاستقلال فيما عرف (بحرب الرمال)، وصولا إلى منتصف التسعينات في أيام الإرهاب، وغيرها من المحطات، التي عرفت توترا في العلاقة بين الجزائر والمغرب.
ولا أعتقد أن هذا الملف سيكون في جدول أعمال قمة الجزائر (كون الأمانة العامة لم تعلن بعد عن جدول أعمال القمة)، وأطن أن تجربة البلدين تمكنهما من حل المشاكل العالقة أو الأزمات الطارئة، بطرقهما الخاصة وبشكل ثنائي، دون الحاجة إلى ترحيلها إلى مستوى القمة العربية.
برأيك هل تفتح القمة الباب لعودة العلاقات بين دول المغرب العربي؟ وهل هناك وساطات بينهم؟
من الناحية النظرية فإن الثابت في السياسة هو مبدأ (كل شيء ممكن)، ولكن الواقع اليوم يؤكد أن موضوع التكتلات الجهوية أصبحت في مواجهة نوع من المراجعة وإعادة النظر، خاصة في المنطقة العربية، والتجربة ماثلة في الاتحاد الخليجي والاتحاد الافريقي، كون البنية الهيكلية والرؤية السياسية لهذه التكتلات أصبحت مجبرة على إعادة النظر والمراجعة العميقة التي تجل منها قادرة على مواجهة التحديات الحالية والوقوف في وجه الأزمات المستجدة.
ويبقى الملف الليبي من أهم الأولويات في منطقة المغرب العربي، والذي تشكل توقعاته المتشائمة تؤرق صناع القرار في المنطقة برمتها، كون الوصول إلى حل يضمن وحدة ليبيا واستقرارها، واستعادتها لكيان الدولة، من أكثر من يسعى إليه أطرف اتحاد المغرب العربي، زيادة على الأمن في الساحل الأفريقي الذي تتصاعد مخاطره.
كيف يمكن مناقشة الملفات المطروحة في ظل الخلافات بين الدول المشاركة؟
موضوع القمة العربية منذ بداياتها سنة 1945 تؤكد أن كل القمم عقدة والأزمات العربية في أوجها، إلا أن الأمر مرتبط بمستوى التحدي الذي يواجه كل قمة والأولويات التي تتصدر جدول أعمالها، والمعروف عن الجامعة العربية أنها قادرة على ترحيل الأزمات وتأجيل الخلافات ولو إلى حين، وأغلب أزمات المنطقة العربية التقليدية والحديثة، حلولها أما تكون بنية (التسوية بين أطرافها)، وإما تأتي من خارج المنطقة العربية.
وفي بعض الأحيان يكون انعقاد القمة في حد ذاته انجازا للجامعة العربية، كون ذلك يوفر فرصة لحلحلة بعض الفجوات ومراجعة بعض السلوكيات، وتقدم رسالة مفادها أن الكيان العربي ما يزال قائما، وبالإمكان تعليق الأمل به، حتى وأن كان ذلك يكتنفه الغموض الذي تخلفه الأزمات المتصاعدة.