تحتفل تونس و على غرار العديد من المجتمعات، اليوم بعيد الأم الذي يصادف آخر يوم أحد من الأسبوع الأخير في شهر مايو من كل سنة، و رغم اختلاف تاريخ و عادات الاحتفال به من بلد لآخر و الذي يطرح بدروه عدّة نقاط استفهام ، يبقى لهذا اليوم في قلوب التونسيين ميزة خاصة، يقدّمون فيه القبلات و الدعوات و الهدايا و تمتلأ صفحات التواصل الاجتماعي بصور أبناء و بنات يحضنون أمهاتهم ، لكن بعيدا عن الكلام الشاعري و العاطفي الذي يطغى عموما على مثل هذه المناسبات، يبرز وجه آخر لهذ الروايات الجميلة ، أمهات يعانين العقوق ،امهات يعانين فراق أبنائهن مصير بعضهم مازال مجهولا خلف البحار، أمهات يعانين سجن أبنائهن، أمهات مهمشات في الارياف يعانين الفقر والحرمان.

اهتز حي التضامن أكبر أحياء العاصمة تونس ، الأسبوع الفارط على حادثة أليمة، راحت ضحيتها أم  كانت تعيش مع ابنها ،عاد في احد الايام بحالة سكر وطالبها بالمال ولما نهته عن مخالطة اصحاب السوء ،دفعها بقوة فماتت بعدما اصيبت بنزيف حاد، ضحية اخرى دفعت حياتها ثمنا لخوفها على مصلحة ابنها تلميذ الباكالوريا الذي رفض اجتياز الامتحان ولما اصرت امه على معاتبته التقط حجراواصابها في راسها فلفظت انفاسها ، حوادث تتواتر في الصحف التونسية و يتابعها التونسيون و مشاهدو برنامج "عندي منقلك" أحد البرامج الاجتماعية تبثّهقناة التونسية الخاصة، بكثير من الاستغراب و التأثر خاصة و إن كان الحديث عن عقوق الوالدين أو تعرّض الأم للتعنيف من قبل ابنها أو ابنتها.

قصّة واقعية عن أمهات منسيات و مهمّشات.. قصّة يروي تفاصيلها الإعلامي التونسي سمير الوافي.. يقول في أحدى قرى الشمال الغربي التونسي،زوج يستغيث ويستنجد..زوجته في حالة مخاض مباغتة..نقلها الى أحد مستشفيات الجهة على متن شاحنة فلاحية وهناك قالوا له ليس عندنا قابلة...نقلها إلى مستشفى ثان وهناك أجابوه بأن القابلة مفقودة عندهم أيضا...!!.ونظرا لحالة زوجته اتصلوا بالمستشفى الجهوي بالمدينة  يطلبون ارسال سيارة اسعاف لنقلها عاجلا لان كل دقيقة صارت مصيرية...لكن جواب المستشفى قال لهم ان سيارة الاسعاف غير متوفرة حاليا...!!.ثلاث مستشفيات في ولاية كبيرة عاجزة عن نجدة أم في حالة مخاض مستعجلة...تستغيث لانقاذها ولا حياة لمن تنادي...وزوجها يشاهدها تضيع وتتعذب وتتوجع أمامه...ويعجز عن انقاذها...وانقاذ مولوده الجديد القادم إلى وطن يرفض استقباله !!!..

المرأة الريفية في تونس تمثّل نسبة 35.5 % من عدد النساء التونسيات و ترعى أكثر من نصف أطفال البلاد باعتبار ما تبينه الدراسات الديمغرافية من ضخامة عدد الأولاد في الأسر الريفية (أكثر من 5 أطفال ) و تكرار إنجاب النساء الريفيات للأطفال الأمر الذي يرهق صحة الأم و يجعلها عرضة للأمراض الناجمة عن استنزاف قوتها في أعباء الحمل و الولادة و الإرضاع إلى جانب أعباء التنشئة للأطفال و إدارة المنازل . وكذلك بسبب غياب التغطية الصحية و المتابعة للأمهات الحوامل فمراكز الصحة الأساسية إضافة إلى قلتها و بعدها الجغرافي تشكوا من نقص حاد في الأدوية و في الطاقم الطبي اللازم  لتقديم الحلول و الإرشادات و التوعية حول قضايا الصحة الإنجابية و تنظيم الأسرة و كذلك الإشراف على عمليات الولادة .

و رغم عدم وجود إحصائيات حول عدد وفيات الأمهات اللاتي توفّين بسبب الإهمال أو الأخطاء الطبية، إلا أن الروايات المتواترة عموما ما تكون صادرة عن الجهات الداخلية للبلاد التونسية و المناطق المعزولة و المهمّشة ، و تؤكد ذلك الجمعية التونسية "لمساعدة ضحايا الأخطاء الطبية"، حيث تقول إن نسبة هامة من نساء هذه الجهات ممن يتوجهن الی مستشفياتها في حالة مخاض...يمتن بسبب الاهمال وغياب القابلة أو العناية الطبية الكافية...انها تضحيات أخری مختلفة لأمهات منسيات ومهمشات.

قصّة أخرى عن معاناة عدد من الأمهات في تونس، حيث نظمت اليوم بمناسبة عيد الأمهات ،جمعية إغاثة التونسيين العالقين بالخارج اعتصاما أمام المسرح البلدي بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة لأمهات الشباب المفقودين في سوريا وضحايا الهجرة السرية باتجاه إيطاليا الذين طالبوا السلطات بالتحرك من أجل معرفة مصير أبنائهم.

واتهم محمد إقبال بن رجب رئيس جمعية التونسيين المفقودين بالخارج السلطات وعلى رأسها رئاسة الجمهورية بالتقصير تجاه قضايا المفقودين, منتقدا المجهودات غير الكافية التي تقوم بها الأحزاب ومكونات المجتمع المدني في خصوص هذه المسألة. وطالبت الأمهات السلط التونسية بالتحرّك و مساعدتهن، لمعرفة مصير أبنائهن سواء أكانوا أحياء أو أموات حيث اعتبرن أن الحكومة تتعامل بتجاهل كبير في قضايا أبنائهم فيما قدمت لهم بعض الأحزاب وعودا زائفة للنظر في ملفاتهم ووجهن نداء إلى المعنيين بالأمر لإيجاد حلول لهذه القضايا.

من جانبها نشرت ، الناشطة السياسية والحقوقية نزيهة رجيبة المعروفة بإسم “أم زياد” و بمناسبة عيد الأمهات،تدوينة على حسابها الخاص على موقع التواصل الاجتماعيفايسبوك واست فيها أمهات شهداء الثورة وجرحاها ومساجينها.“كان الله في عون الأمّهات اللّاتي تصدّعت قلوبهنّ بفقد أبنائهنّ ….كلّ المواساة لأمّهات شهدائنا و جرحانا و كذلك لأمّهات شباب الثّورة المساجين”.