نشر موقع فير أوبزرفر الأمريكي تقريرا حول الأوضاع في ليبيا والتحديات التي تكتنف البلاد ومستقبلة الدولة الواقعة في شمال أفريقيا في ظل النزاع الداخلي، وقال إن هناك دلائل على أن السيناريو الأسوأ قد تم تجنبه في ليبيا.

وأضاف الموقع الأمريكي كانت آخر جولة دامت شهرا من القتال بين الميليشيات جنوب طرابلس -التي اندلعت في 27 أغسطس وتركت ما لا يقل عن 115 قتيلا- لها تأثيران لافت للنظر. فمن ناحية  سلط مستوى العنف الذي لم تشهده العاصمة خلال أربع سنوات الضوء على استمرار حالة الأمن المتقلبة، وبالتالي عدم استعداد ليبيا لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بحلول 10ديسمبر -على النحو المبين في  إعلان باريس الذي وافق عليه ممثلو الفصائل المتحاربة الرئيسية في ليبيا. ومن ناحية أخرى  أتاح القتال فرصة لإعادة التفاوض بشأن الترتيبات الأمنية لطرابلس.

وبعد عدة محاولات فاشلة لخلق الاستقرار في بلد شابته أعمال العنف والتشتت منذ سقوط الزعيم الليبي السابق معمر القذافي عام 2011 دخلت ليبيا مرحلة انتقالية جديدة. وستصبح خصائص هذه الفترة أكثر وضوحا خلال السنة القادمة وستكون لها آثار على هياكل الحكم في البلد وديناميات الأمن. وعلى الرغم من علامات الانقسام السياسي المستمر والخلافات الراسخة بين المنافسين واستمرار انعدام الأمن في جميع أنحاء البلاد  حدثت تطورات إيجابية خلال العامين الماضيين يمكن البناء عليها لتحقيق انتقال ناجح إلى السلام.

وبينما تنقسم الهياكل الحكومية الليبية بين مجموعات من المنافسين على المستوى الوطني إلا أن الشكل الأكثر فاعلية للحكم غالباً ما يكون محلياً. ويرجع هذا إلى الانقسامات على طول الخطوط القبلية والإقليمية والعرقية وكذلك إلى الذاكرة الحية للتنافسات السياسية والنضالات المسلحة منذ عام 2011. وقد أدت هذه العوامل إلى جانب الخلافات بين الجهات المعنية الدولية بشأن كيفية استقرار ليبيا إلى تقويض الجهود التي تقودها الأمم المتحدة لإعادة توحيد مؤسسات الدولة المجزأة ووضع حد للاضطرابات.

ولم يكن هناك نقص في المبادرات الدولية للتوسط في تسوية سياسية في ليبيا وتحقيق الاستقرار على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية. وقد أشرك هؤلاء أصحاب المصلحة على المستوى الوطني الذين كان تأثيرهم محدودًا في الغالب على دوائرهم الانتخابية وحدوا من القدرة على تغيير الحقائق على الأرض، وقد قوض هذا من فعالية تلك المبادرات.

وعلاوة على ذلك لا يمكن فصل مسارات الاستقرار السياسي والأمني عن بعضها البعض. ففي غياب قوات الأمن النظامية الموحدة والسلطات المركزية التي يعتبرها الليبيون في جميع أنحاء البلاد شرعية  فإن الجماعات المسلحة لها تأثير كبير على المؤسسات والأرقام السياسية ، في حين أن الجماعات السياسية لها ميليشيات مرتبطة بها. كما أن الانقسام السياسي يوفر فرصة لأن تزدهر مجموعة كبيرة من الجماعات الإجرامية والمسلّحة.

وقد ركزت جهود المجتمع الدولي للتوسط في جهود المصالحة في الأشهر الأخيرة على ضرورة أن تتحرك ليبيا نحو اعتماد دستور وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية كخطوة نحو إعادة توحيد البلد. كما كشفت الجولة الأخيرة من القتال في طرابلس عن نقاط الضعف التي تعانيها حكومة الوفاق الوطني والمعترف بها دولياً والحاجة إلى الانتقال إلى شكل جديد من أشكال الحكم. بما أنه من غير المرجح إجراء الانتخابات بحلول نهاية العام فهناك مؤشرات متزايدة على احتمال إجراء تعديل في مجلس رئاسة "حكومة الوفاق الوطني:  خلال الأشهر المقبلة للسماح لهيئة جديدة تمثل الجهات المعنية بشكل أفضل للإشراف على الانتخابات وجهود إعادة توحيد الدولة المؤسسات.

اللبنات

وقد تطورت ثلاث اتجاهات إيجابية رئيسية خلال العامين الماضيين ويمكن أن تكون بمثابة أساس لاستقرار البلد. الأول هو الانتعاش الجزئي لإنتاج النفط في ليبيا بعد هبوط حاد في الإنتاج - نتيجة للاضطرابات السياسية وحصار محطات التصدير من قبل حراس المرافق النفطية بين عامي 2013 و 2016 - وكان لسيطرة الجيش الوطني الليبي في شرق البلاد على محطات النفط في سرت باسين في سبتمبر 2016، وحل النزاعات الطائفية على حقول النفط في جنوب غرب مرزوق دور كبير في تمهيد الطريق لزيادة كبيرة  في إنتاج ليبيا من النفط ، والتي وصلت إلى مليون برميل يوميا بحلول منتصف عام 2017 لأول مرة في أربع سنوات.

ولم يكن هذا ممكنا إلا من خلال اتفاق ضمني يحمي بموجبه الجيش الوطني الليبي محطات تصدير وحقول النفط في سرت - التي تمثل 80٪ من احتياطيات ليبيا النفطية- في حين تواصل شركة النفط الوطنية التي تتخذ من طرابلس مقرا لها إدارة هذا القطاع. وبناءً على ذلك سوف تتدفق عائدات النفط أيضًا إلى مصرف ليبيا المركزي في طرابلس. وعلى الرغم من الاضطراب المتكرر في إنتاج النفط والتوترات بين السلطات المتنافسة حول إدارة الإيرادات  أدركت الفصائل الليبية فوائد التعاون للحفاظ على عائدات النفط - مصدر الدخل الرئيسي لليبيا - تتدفق.

ثانياً هناك علامات قوية على أن تصميم بنية أمنية أكثر كفاءة واستدامة جارية - ولو بخطى بطيئة - وأن ليبيا من المستبعد أن تنزلق إلى حرب أهلية شاملة أخرى مماثلة لتلك التي حدثت في عام 2014. دفعت المواجهات الأخيرة في جنوبي طرابلس حكومة الوحدة الوطنية إلى تنفيذ ترتيبات أمنية جديدة تتألف من انسحاب الميليشيات الرئيسية في طرابلس من حماية مرافق البنية التحتية الحيوية في العاصمة (مثل مطار معيتيقة وميناء طرابلس والمباني الحكومية) وتسليمهم إلى قوة شرطة. وإذا تم تنفيذ الترتيبات الجديدة بكفاءة فإنها ستقلل من المخاطر الأمنية في العاصمة وتقلل من احتمال القتال بين الميليشيات.

وعلى الصعيد الوطني هناك مؤشرات على افتقار الجماعات المسلحة الرئيسية إلى النية والقدرة على الدخول في قتال واسع النطاق ضد بعضها البعض. كما يردع الحلفاء الأجانب هذه الجماعات من تصاعد الأعمال العدائية إلى مستوى قد يؤدي إلى حرب أهلية أخرى.

حل مستدام

وأخيرا هناك زخم دولي متزايد للتوصل إلى حل مستدام للاضطرابات في ليبيا. صحيح أن هناك وجهات نظر متنافسة بين أصحاب المصلحة الدوليين حول أفضل السبل للمضي قدماً، كما تتباين دوافع الدول المختلفة بين وقف تدفق الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا ومنع إنشاء ملاذ آمن لمقاتلي تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا والحد من عدم الاستقرار في منطقة الساحل ، وتأمين الصفقات التجارية في قطاعات النفط والغاز والطاقة وإعادة الإعمار.

ومع ذلك هناك علامات على الجهود الرامية إلى التوفيق بين مواقف أصحاب المصلحة الدوليين فيما يتعلق بليبيا. على سبيل المثال أصبحت فرنسا في الأسابيع الأخيرة أقل إصرارًا على ضرورة إجراء الانتخابات في ليبيا بحلول نهاية عام 2018 ، مما يجعلها أقرب إلى موقف إيطاليا الذي يدعو إلى اتباع نهج أكثر حذراً في عملية الانتقال في ليبيا. علاوة على ذلك قدمت إعادة موانئ نفط سرت إلى إدارة شركة النفط الوطنية  دليلا واضحا على أن العمل الدولي المنسق يمكن أن يكون له آثار إيجابية على الأرض ويزيد من الاستقرار.

وفي حين أن الانتقال الليبي القادم من المرجح أن يشهد توترات سياسية مستمرة وتشرذم وعنف، فإن سيناريو حرب أهلية واسعة النطاق قد تم تجنبه على الأرجح، وأمام البلاد فرصة للتقدم  وإن كان بطيئاً نحو نظام أكثر استقراراً