بلدة عائمة شبيهة بالبندقية أو فينيسيا الواقعة شمالي إيطاليا، تقع على بعد 20 كم فقط من كوتونو العاصمة الاقتصادية للبنين.. تلك هي “غانفييه” أو “فينيسيا افريقيا”، والتي تتركّز أكواخها الخشبية والمطاعم والحانات والمقاهي وبيوت الإيجار والفنادق فوق مياه البحيرة المحيطة بها.. عدد من المنشآت شكّلت بمرور الوقت تقاطعا لأنشطة عديدة، وساهمت في استقطاب السياح من شتى أرجاء المعمورة. انتعاش قابله تراجع لأنشطة الصيد البحري، في عملية “مقايضة” بدت غير منصفة للقطاع الأخير.
فسكّان البلدة البالغ عددهم 30 ألف نسمة كانوا إلى وقت غير بعيد يرتزقون ممّا تجود به عليهم أعماق البحيرة من سمك وغيره، أمّا اليوم، وباكتساح السياح لمنطقتهم الجميلة، اضطرّ معظمهم إلى التخلّي عن مهنة الصيد، لينشئ لنفسه عملا ذا صلة بالسياحة، في استجابة بديهية للازدهار الذي شهده القطاع الأخير في السنوات الأخيرة.
“أهولو تادجين” رجل في الستين من عمره، ولد وترعرع في بلدة “غانفييه”، وهو زعيم روحي لمعتقد “الفودون” السائد في تلك المنطقة، يستعرض أبرز التطوّرات التي شهدتها بلدته للأناضول: “غانفييه عبارة عن امتداد مائي، استقبل أوّل من نزل بالمكان منذ القرن 18 ، وقدم هؤلاء الوافدين الجدد من أدجا تادو (مملكة دانكسوم القديمة في بنين) بعد أن فروا من أهوال الحروب القبلية والغزوات التي كانت تستهدفهم للاستفادة منهم في تجارة الرق، مشيرا إلى أنّ التسمية (غانفييه) تعني “لقد نجونا” باللغة المحلّية.
وفي سياق متّصل، أضاف “غريغوار هونتونو”، المختص في البناءات فوق الماء منذ 10 سنوات في “فينيسيا افريقيا”، أنّه “كان على هؤلاء الناس تشييد مرافقهم الحياتية فوق سطح الماء، معتمدين في ذلك على أسلوب هندسي متميز يتمثل في بناء البيوت فوق ركائز مصنوعة بطريقة خاصة جدا”.
ويطلق على بلدة “غانفييه” اسم “فينيسيا إفريقيا” بفضل ما تزخر به من مواقع تاريخية وثقافية وسياحية، تشكل تقاطعا لعدة أنشطة تزدهر على ضفاف البحيرة، والتي كان من أبرزها الصيد. ومع مرور الوقت، وتحوّل البلدة إلى وجهة سياحية تروق للكثيرين حول العالم، فقد الصيد البحري بريقه تدريجيا، لتحلّ محلّه أنشطة بديلة تعنى، في معظمها، بالخدمات المقدّمة للسياح.
“أهونون” سيدة تعيش في هذه البلدة، وهي زوجة صياد سمك، وتضطلع بمهمّة بيع ما تدرّ به البحيرة على زوجها كلّ يوم من سمك أو ما شابه، عقّبت على هذا الجانب بقولها “لم يعد الصيد يحظى بالاهتمام هنا (في غانفييه)، فلقد أضحت السلة التي تحوي 20 سمكة كبيرة تباع بأقل من 4 آلاف فرنك إفريقي (7.62 دولار).. لم يكن الأمر كذلك منذ عامين حيث كنا نجني 10 آلاف فرنك إفريقي (19 دولار) من بيع نفس السلة”.
وتابعت تستعرض لمراسل الأناضول جملة الصعوبات التي يشهدها قطاع الصيد في “غانفييه، والتي أجبرت الصيادين على التوقّف عن العمل، قائلة “نحن نساء الصيادين نأمل أن تقوم الدولة بمساعدة أزواجنا على تغيير أنشطتهم، وانتدابهم ليخدموا المجموعة الوطنية في مجالات أخرى. نحن نعاني هنا في غانفييه من ضيق الحال”.
“نوربيرت آفوسيتيان” يشتغل بدوره بالصيد وهو عضو بالمجلس الجهوي بالمنطقة، أشار في حديث مع الأناضول إلى أنّ نحو 90 % من السكان في غانفييه يمارسون الصيد التقليدي لبيع ما علق بشباكهم (أسماك، قشريات، سلطعون)، لإطعام أُسرهم على مدار السنة.
وأضاف “في الوقت الراهن لم يعد هذا النشاط يستقطب الناس، لأنّه لا يدر ما يكفي من الأموال، أكون محظوظا لو جنيت 5 آلاف فرنك إفريقي (9.53 دولار)، أحيانا أعود إلى البيت بخفي حنين”.
وبرر الصياد هذه الصعوبات باحتواء بحيرة “نوكوي” على كمية كبيرة من الرمل، وهو ما يتسبب في هروب الأسماك، فضلا عن ارتفاع عدد الصيادين بشكل كبير، واهتراء أدوات الصيد وفقدانها للنجاعة مع مرور الزمن.
كما يشكو “نوربيرت” من غلاء أدوات الصيد، ممّا يجعل من ممارسة الصيد في هذه الربوع مغامرة غير محمودة العواقب : “لاقتناء شباك صيد ذات جودة من كوتونو أو من نيجيريا (أول بلد مستورد لأسماك غانفييه) ، يتعين توفير مبلغ 80 ألف فرنك إفريقي (152 ألف دولار)، وهذا أمر شبه مستحيل، بما أنّ مداخيل الصيد تنزل عن هذا المبلغ بكثير”، داعيا وزارة الصيد في بنين إلى مدّ يد العون لإعطاء دفعة لنشاط الصيد في “غانفييه”.
أمّا قطاع السياحة في “غانفييه”، وبعكس ما يعرفه الصيد البحري من تراجع، فقد شهد انتعاشة ملحوظة، مكّنت من جني إيرادات هامة للبلدة ولسكانها.
ففي حديث هاتفي للأناضول، قال “ماكسيم سايزونو”، أحد المسؤولين في “إدارة المهن والمؤسسات السياحية بالبنين” (حكومية)، إنّ حوالي 10 آلاف سائح يتدفقون سنويا على البلدة، وهو ما يدرّ على الخزينة العامة للبلاد مداخيل بمعدل 30.5 مليون فرنك إفريقي (58.133 دولار)، لافتا إلى أنّ ازدهار السياحة مكّن من تنمية قطاعات مهنية أخرى في غانفييه، على غرار الإرشاد السياحي والفنادق والمطاعم والمقاهي وأسواق الفن والسياحة البيئية وغيرها”.