تعيش البلاد التونسية مرحلة حرجة على جميع الأصعدة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وصحيا وسط آفاق قاتمة بما سيؤول إليه الوضع العام للبلاد في ظل التجاذبات والاعتصامات والحكومات المتعاقبة و"الفشل الفادح" الذي يلقي بظلاله الثقيلة على البلاد خاصة مع تفجر الوضع الوبائي الذي أدى إلى إجراءات قاسية جديدة للسيطرة على المنحى التصاعدي للإصابات والوفيات.
وضع وبائي حرج.. بمعدل وفاة كل 25 دقيقة
شهد الوضع الوبائي بتونس انفجارا فجئيا و نسقا سريعا متصاعدا في عدد الإصابات اليومية المسجلة، كما في حالات الوفيات في حصيلة غير مسبوقة جعلت تونس تتصدر عدد الوفيات عربيا و افريقيا وذلك مقارنة بعدد السكان.
بلغ عدد الإصابات المسجلة حسب آخر التحيينات لوزارة الصحة التونسية162,350إصابة مؤكدة أي بما يقارب 2% من العدد الجملي للسكان في حين بلغ عدد الوفيات5,284حالة وفاة أي بنسبة3.25%من جملة الإصابات وقد سجلت تونس 485 حالة وفاة منذ بداية الشهر الحالي فقط (11 يوم). ورغم أن نسبة الشفاء تشهد استقرارا إذا تساوى حاليا 73.57%بحصيلةبلغت119,446حالة شفاء.
قالت نصاف بن عليّة، الناطقة باسم وزارة الصحة التونسية أن "الوضع الوبائي بتونس بات خطيرا جدا بتصاعد عدد الإصابات والوفيات والحالات التي تستوجب الإيواء بالمستشفيات." ولمواجهة الوضع الوبائي قامت الصحة التونسية اليوم بإعلان إجراءات عاجلة للحد من انتشار الوباء وكبح جماح الوفيات التي تقدر بوفاة كل 25 دقيقة حسب خبراء الصحة التونسيين.
وتتمثل الإجراءات في فرض الحظر الصحي الشامل خلال 4 أيام بداية من يوم الخميس 14 يناير بكامل تراب الجمهوريةوحظر التجول من الرابعة مساء الى السادسة صباحا بداية من يوم الاثنين 18 يناير 2021 إضافة إلى رفع الكراسي بكامل المقاهي والمطاعم بداية من يوم الاثنين 18 يناير أيضا إلى أجل غير مسمى. كما أقرت تعليق الدروس الى غاية الأحد 24 يناير.وأفاد وزير الصحة التونسي أن التلاقيح ستكون متوفرة بداية من شهر فيفري على مراحل.
تجدد الإحتجاجات..وسط وضع اجتماعي صعب
قدمت منسقة المرصد الاجتماعي التونسي نجلاء عرفة، اليوم الثلاثاء، خلال ندوة افتراضية تقرير شهر ديسمبر 2020 ومعطيات إحصائية لسنة 2020 حول الاحتجاجات الاجتماعية والانتحار والعنف.
وبينت خلالها أنه تم تسجيل 8759 تحركا احتجاجيا سنة 2020 وهي نسب تحافظ على النسق نفسه منذ 2016 مضيفة أن أغلب هذه الاحتجاجات كانت خلال شهر ديسمبر بنسبة 1149 تحرك احتجاجي جماعي أغلبها عشوائي حسب إحصائيات مشتركة للمرصد الاجتماعي التونسي والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، حسب وسائل الإعلام المحلية.
وبينت أن نسب الوقفات والتحركات المنظمة المسجلة خلال السنة الماضية بلغ نحو44.1 % وخلال شهري نوفمبر وديسمبر بلغت نسب الاحتجاجات 50%. هذه الإحتجاجات فجرها "التهميش" و الوضع المعيشي المتردي مع تدهور غير مسبوق للمقدرة الشرائية للمواطن التونسي و تزلزل الطبقات الإجتماعية بتدني بعضها إلى مستويات ضعيفة جدا. إذا يعيش المستهلك التونسي من الطبقة الوسطى والفقيرة وضعية صعبة للغاية فالأزمات المتلاحقة والارتفاع المتواصل لأسعار المواد الاستهلاكية أجهز على القدرة الشرائية لهاتين الطبقتين الشرائية حتى قبل حلول أزمة كورونا التي عمقت المعاناة أكثر فأكثر.
ويجمع الخبراء في المجال الاقتصادي أن سنة 2021 قد تكون أشد قسوة على التونسيين من 2020 خاصة و ان تبعات أزمة كورونا ستصبح جلية أكثر في ما يتعلق بتفاقم البطالة و نسب الفقر و هو ما قد يجعل هذ ا العام كارثيا على المقدرة الشرائية خاصة وأنه تم اقرار زيادة في بعض المواد على غرار السكر و الدجاج إضافة إلى رفع منتظر على جزء الدعم المخصص للمحروقات وهو ما سيؤثر بصفة مباشرة على أسعار كل المواد الاستهلاكية.
البلاد على حافة الإفلاس !
يواجه الاقتصاد التونسي على غرار باقي المجالات أحلك فتراته منذ 14 يناير 2011، حيث يشهد منذ ذلك الحين هبوطا حادا أصبح اليوم انحدارا مستقيما مباشرا "نحو الإفلاس"حسب الخبراء و المحللين الإقتصاديين الذين أجمعواعلى أن تونس أفلست وأن الإعلان عن ذلك مسألة وقت لا أكثر ولا أقل. فجميع مؤشرات الاقتصادية بات خطها مستقيما في اللون الأحمر ودينها العمومي الخارجي فاق 220 مليار دينار وهي مطالبة خلال سنة 2021 بخلاص مليار دينار للولايات المتحدة الأمريكية ونفس المبلغ تقريبا لتركيا و700 مليون دينار لقطر ونفس المبلغ لفرنسا وغيرها من الدفوعات وجميعها بالعملة الصعبة.
في وقت توقف فيه إنتاج الفسفاط وأغلقت جميع النزل ووكالات الأسفار أبوابها لتشهد تراجعا غير مسبوق يعصف بالقطاع الذي يمثل شريانا حيويا في قلب الاقتصاد التونسي، وقد كشفت وزارة السياحة التونسية في تقرير لها في موفى عام 2020، عن تراجع إيرادات القطاع السياحي بنسبة 64%، من بداية العام حتى العاشر من ديسمبر2020، وذلك مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية،وقدرت تلك العائدات المالية بحوالي 1.9 مليار دينار تونسي (نحو 691 مليون دولار) مقارنة بـ 5.3 مليار دينار تونسي (قرابة 1.9 مليار دولار) خلال الفترة نفسها من 2019.كما تدنت كذلك تحويلات التونسيين بالخارج إلى مستوى غير مسبوق.
ووفقا للمؤشرات الاقتصادية التي نشرها المعهد التونسي للإحصاء، ، ففي الثلث الثاني لسنة 2020 بلغ مستوى نمو الاقتصاد أدنى مستوياته السلبية تاريخيا مسجلا 21.6%-، ووفق بيانات لوزارات المالية فإن البلاد تغرق في دين عام يفوق 75%من الناتج المحلي للبلاد يصاحبه عجز في ميزانية 2021 يفوق 8 مليارات، حسب بيانلت الوزارة، ما يزج بالبلاد في أزمة مالية غير مسبوقة.
بين حوار وطني و تحوير وزاري..هل يتواصل سيناريو الفشل السياسي بتونس
أطلق الإتحاد العام التونسي للشغل مبادرة" الحوار الوطني" الذي من المنتظر أن يتم خلال الأيام القادمة على خلفية الوضع الاجتماعي المتفجر الذي أوقد احتجاجات كثيرة في ولايات ومناطق عدة من البلاد للمطالبة بتوفير فرص عمل وتحسين ظروف المعيشة وتندد بالتهميش.
وأعلن رئيس البلاد التونسية قيس سعيد، مؤخرا قبوله بمبادرة الحوارمثمنا مبادرة تشريك الشباب فيه بقوله "أن الثورة انطلقت من الداخل وأن الشباب هو الذي حدد شعاراتها وضبط مستحقاتها، ومن الطبيعي تمكينه من المشاركة في أي حوار حتى يكون هذا الحوار حوارا يتناول في العمق المطالب الحقيقية للشعب التونسي وهي أهداف الثورة المتمثلة في الشغل والحرية والكرامة الوطنية''.
لكن المشهد السياسي المتفكك لا ينبيء بخير بخصوص هذه المبادرة خاصة أن آراء مكونات المشهد السياسي التونسي تضاربت وكثرت الإنتقادات حد الحكم على الحوار"بالفشل" قبل انطلاقه حيث قال اليوم النائب بالبرلمان التونسي ياسين العياري بأن الحوار الوطني بصيغته الحالية قُبر وفق تصريحه لإحدى الإذاعات المحلية مفيداأن الحوار لن يأتي بالجديد خاصة وأنه لن يجمع بين مختلف الفرقاء السياسيين. ورغم اتهامات العديدين بمحاولة إقصاء بعض الأطراف من مبادرة "الحوار الوطني" إلا أن الناطق الرسمي باسم الإتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري أكد أن المواقف الصادرة عن الأحزاب السياسية رحبت جلها بالحوار الوطني، مشيرا، إلى أن الحوار يهم الأحزاب والمنظمات الوطنية إلا من أقصى نفسه بنفسه، حسب تصريحه.
في المقابل يعيش التونسيون كما السياسيون حالة ترقب للتحوير الوزاري الجديد الذي يشهد بدوره أخذ وردّا و تشكيكات وتسريبات وتخمينات بينما يكتفي رئيس الحكومة الحالي، الحكومة 14 منذ 14 يناير 2011، هشام المشيشي بالصمت.
وبينما أكد النائب ياسين العياري اليوم الثلاثاء بأن التحوير الوزاري جاهز منذ أسابيع والجميع يعلم أنه سيتم تغيير بعض الوزراء حسب تعبيره، فقدأفاد النائب عن قلب تونس عياض اللومي، االيوم، أيضا بأن رئيس الحكومة أعلم ممثلي قلب تونس، في لقاء جمعهم به أمس الإثنين، بأنه ليس هناك تحوير وزاري مبدئيا. كما نفى رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد علمه بمسألة التحوير الحكومي.
وقال رئيس الكتلة الوطنية بالبرلمان رضا شرف الدين إن رئيس الحكومة هشام مشيشي هو الوحيد المؤهل لاختيار توقيت إجراء تحوير ولتقييم الوزراء وأداء أعضاء حكومته.من جهته أكد رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي في الاجتماع الدوري مع رؤساء الكتل البرلمانية الداعمة للحكومة، الأسبوع الماضي، على مواصلة التشاور والعمل على مزيد تدعيم التقارب بين الحزام السياسي والحكومة بما يمكن من الانتقال من مرحلة التعاون الى مرحلة الفعل المشترك،وذلك لتطوير أداء الفريق الحكومي وتسريع نسق انجاز الاصلاحات الضرورية، وفق بلاغ صادر عن رئاسة الحكومة التونسية.و تزامن ذلك مع نشر وتداول تسريبات للأسماء المقترحة و الوزارات التي سيتم تحويرها.
تعيش تونس "وضعا حرجا" ليس فقط وبائيا بل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتواجه تحديات صعبة على كافة الأصعدة جعلت البلاد تتجاوز المنعرجات ،على امتداد 11 سنة، مباشرة إلى المطبات وسداد ديون متخلدة من التراكمات العامة التي تثقل كاهل البلاد و تزيد من معاناة التونسيين.