تبحث الديمقراطيات الغربية اليوم عن مخارج لها من التزامات طالما دافعت عنها خلال قرن من الزمن، فلم تعد الملفات الحقوقية والعقود والمحاكم الدولية (التي صدعت رؤوسنا) تعني الكثير، ولم تعد الأمم المتحدة صاحبة القرار الدولي، الا في حالة ما جرت مكاسب أو نفذت مناهج مفصلة ضد عالمنا العربي والإفريقي. 

 لقد هدّدت الولايات المتحدة الأمريكية محكمة الجنايات الدولية عندما أتي الأمر فاضحا ومهددا للمصالح العليا للولد الشقي والحليف الإستراتيجي، بل تم الضغط بفرض عقوبات علي القضاة وتجميد حساباتهم، والشواهد الدولية كثيرة،

وعودة الي الواقع، فإننا نستشرف بأن كافة المنظومات الدولية خاضعة لإعادة النظر من قبل صانعيها، إن لم نري انسحابات متتالية كلا حسب تجاذبات الأطراف القادمة، او المحاور التي سيتم الرهون عليها، (النواة والفجوات) بشكل سريع، حيث فجرت الحرب الأوكرانية اعادة ترتيب الأوراق الدولية، ومنعطفات الفصل والتغيير القادم من النواحي السياسية والتحالفات بشتى انماطها. 

 تم استدراج المؤثرين والفواعل بالمنظومة الدولية لإفشالها، وتم تصنيع المبررات لتخطى معاييرها، فالمنهجيات لم ولن تكن يوما أخلاقية ولا ثقافية، حيث يذكر الكاتب الإيطالي "امبرتو ايكو" بأن الحياة اليوم لا يحكمها مفهوم الحق والباطل ولا مفهوم الأخلاق والمبادئ والمثل العليا، وانما تحكم بمفهوم القوة والضعف، والتكيف والإندثار، ونستطيع أن نضيف بأننا سنخضع لمفهوم الإبتزاز، والاحتكار، من قبل الإقتصادات الكبري، في خطوة شبيهة لما قبل مر به علامنا قبل تأسيس عصبة الأمم ومنظمة الأمم المتحدة، 

بقدوم الرئيس الأسبق والحالي للولايات المتحدة الأمريكية "ترامب"، وشريكه "ماسك"   اللذان يديران الحكم بشكل اقتصادي، بعيدا عن كل البروتوكولات الدولية، وهو ما يوضح جليا الوجهة والترتيب القادم لدول العالم (برغم وجود الدستور والمنظومة القانونية المحلية والدولية)، وما ستجره القرارات التي وصلت في خلال ايام قليلة لأكثر من (70) قرارا مؤثرا ومباشرا، سواء للسياسات المحلية أو الساحات الدولية. 

لقد تم استدراج الأوروبيون لمطبات لا قدرة لهم على تجاوزها، فحلف شمال الأطلسي، اقتحم حربا كل مفاتيحها بيد ثلاثة أطراف ليست بيد أوروبا اكوادها، فالمحرك الصيني الروسي، والتقنيات الأمريكية، ستار لينك، رسمت المقبرة التي ستدفن تحت ركامها الإمبراطورية العجوز، كما حددت مستقبل النيتو لتكن اداة سياسة موجهة تحت منهجيات اقتصادية أمريكية، وأوضحت الضعف السياسي والإقتصادى والعسكرى للقارة الأوروبية، وتأخرها عن ملاحقة الدروب الأخري، وهو ما سيدفع، لاحد الإتجاهين، اما التشظى والإنقسام وهو المرجح والمستهدف، أو أن الأوروبيون سيبحثون عن اعادة التعزيز المالي والإقتصادي والعسكرى، بعيدا عن الولايات المتحدة الأمريكية (الصندوق الألماني الحديث)، وهو أمر بعيد التحقق في القريب. 

تصف الولايات المتحدة الأمريكية الحالة الأوروبية بأنها (الطفيليات) كما جاء بتسريبات "سيقنال"، لتصبح القارة الأوروبية يتيمة، بإعتمادها الكلي في مشترياتها العسكرية علي مصدر وحيد وهو الولايات المتحدة الأمريكية، المسيطرة علي مبيعاتها وتقنياتها، كما هو واقع حال الطائرات المقاتلة F35، كما ذكر المصدر "POLITICO" ، لقد بلغ الإنفاق الأوروبي للشراء (عسكريا) من أمريكا في عام واحد ما يقرب عن (111 مليار دولار أمريكي) تأكيدا واصرارا علي دعم أوكرانيا، ليصبح إجمالي ما استوردته من الأسلحة الأمريكية خلال 4 سنوات مضت ما يعادل (64%) من إجمالي نفقاتها العسكرية، حسب ما ذكره المصدر "معهد الأبحاث ستوكوهولم لأبحاث السلام"، والتي انتهت الي فشل غير مسبوق.

  فلم تعد المسألة هي شراكة أو تواصل، بل بقاء وتوغل، لقد توقعنا في مقالات وحلقات سابقة ضعف الإتحاد الأووربي بل بــ إنهيار وتساقط بعض اجزائه، وتحديدا بعد المنافسات الاقتصادية، كما أن كافة المعطيات تشير لإنتهاء الدور العسكري لــ حلف شمال الأطلسي.  في الوقت ذاته، ستقود المنظومات المالية والإقتصادية التحركات القادمة، بالرغم من محاولات متعددة كــmBRIDGE  (2021) بنك التسويات الدولية، أو مجموعة البريكست، وهي تصب جميعا في تحويط التوغل الدولاري، وتوظيف البدائل، الا أنها لم تستطع ليومنا هذا استقدام الدول بشكل فاعل، فالسياسات العليا قد تتطلب التريث والتكيف. 

ستكون التوجهات القادمة بــ عنوان عريض تحت ما يعرف بالردع الإقتصادي، حيث تمثل الولايات المتحدة الأمريكية جل المشهد، وتصبح الصين الفاعل الرئيس الثاني في المعادلات القادمة بحرص أمريكي علي بقاها بديلا عن أوروبا، بل ستحقق المطلوب من خلال عدم تمكين الأوروبيين على المنافسة والتحديث. فالمشهد يحث على قراءات التقنيات القادمة، والمعابر الرئيسية والقنوات المائية والموانئ الإستراتيجية، والوضع الطاقوي والبديل النظيف، والعملة البديلة. 

وسنأتي في هذه السلسلة لكثير من التفاصيل، في لقاء آخر

د.محسن ونيس القذافي: كاتب ومحلل سياسي ليبي