الحياة على عتبة الموت تجربة استثنائية، من يمر بها حتماً تؤثر في حياته بعد النجاة، الوقوف فيما يسمى «النفق المظلم» بين الحياة والموت، تلك اللحظات أثناء فقد الوعي «الغيبوبة» أو المرض الشديد البالغ حد اليأس، ينصب التفكير في الماضي، في حصيلة الأيام والسنين، تجربة وصفتها، مارين جوزيه هاندز، متعافية من مرض «كورونا»، بـ«الاختبار القاسي» الذي علمها دروساً لم تكن لتتعلمها لولا «كورونا».
تقول مارين جوزيه هاندز (31 عاماً)، أخصائية اجتماعية، في 29 فبراير الماضي خرجت أنا وزوجي، جوني بوكييه (45 عاماً)، للتسوق في باريس، كانت أزمة انتشار جائحة «كورونا» ما زالت في البداية، وكان يوم السبت، وهو يوم اعتدنا كحال جل الفرنسيين التسوق والتنزه فيه.
بعد عودتي إلى المنزل شعرت بـ«صداع» خفيف، وحريق بسيط في أنفي، لم أهتم في البداية، وبعد يومين شعرت بحرارة في جسدي، وهنا تنبهت للأمر، وقلت لجوني ربما تكون «كورونا»، سخر مني في البداية لكن عندما بدا الإعياء عليّ اتصل بالإسعاف، وتم نقلي إلى مستشفى «بيتي سالبترير» الجامعي، وعزلوني وكذلك جوني تم عزله، وبعد إجراء التحاليل جاءت الصاعقة، أنا مصابة بالفيروس. لكن جوني لم يصب، فعاد إلى المنزل مع الالتزام بالعزل، أما أنا فبدأت رحلتي مع الفيروس اللعين.
وتضيف، خلال الفترة بين أخذ عينة التحليل وإبلاغي بإيجابيته، تقريباً يوم، دار في ذهني شريط حياتي كأنه عرض سينمائي، كان الجميع في المستشفى متوترين مع ارتفاع حالات الإصابة في البلاد، كنا يوم 3 مارس، قلت إنها النهاية، نهاية حياتي التي بالكاد بدأت، حيث تزوجت قبل جائحة كورونا بـ 6 أشهر، ما زلت عروساً، ومن المفترض أني بدأت حياتي الآن.. كيف استهترت بتحذيرات منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة وأخبار هذا الفيروس، لماذا لم أحتط، كان ندماً على كل شيء، لكن بعد فوات الأوان.
وتضيف بصوت مختنق: يوم 4 مارس تدهورت حالتي، ارتفعت الحرارة فجأة، سعال خانق، وضعوني على جهاز التنفس وحقنوني بالأدوية، كنت في حالة بين الوعي واللاوعي، شعرت أني دخلت ذلك النفق المظلم بين الحياة والموت الذي قرأت عنه في الروايات، كنت متمسكة بالحياة.. أريد أن أعيش.. من أجل حياتي وزوجي، لكن جسدي كان لا يساعدني، كان شبه مشلول، بقيت على هذه الحالة ثلاثة أيام، لم يكن أمامي شيء إلا الله، ناجيته وصليت كي يمنحني الحياة من جديد.
وتضيف: مساء يوم 7 مارس بدأ التنفس ينضبط، والسعال اختفى تقريباً، حالتي استقرت.
قالت الطبيبة بصوت يتناثر منه الأمل، ستعيشين مارين، وقتها شكرت الله وقررت أن أغيّر حياتي، عاهدت الله أن أكرس حياتي القادمة لمساعدة الآخرين، للخير، لزوجي وحياتنا. وفي يوم 11 مارس ظهرت سلبية التحليل الأول، ثم التحليل الثاني وخرجت من المستشفى للعزل في المنزل، ومنذ ذلك الحين أصبحت ملتزمة بنصائح الإعلام، تخليت عن الاستهتار واللامبالاة، تلك العادات السيئة التي كادت أن تكلفني حياتي، وجعلتني أعيش لحظات صعبة حام خلالها شبح الموت حولي.. كانت أياماً مخيفة.