أثرت الأزمة المستعرة في ليبيا منذ العام 2011،سلبا على البنية التحتية النفطية الليبية من خلال إغلاق الموانئ وخطوط الأنابيب من قبل تشكيلات مسلحة لأسباب مختلفة ناهيك عن إستهداف المنشآت النفطية جراء الإشتباكات المسلحة والهجمات الإرهابية،وهو ما إلى خسائر كبيرة ساهمت فى تردى الأوضاع الإقتصادية في بلد تمثل العائدات النفطية العماد الرئيسي للاقتصاد.

وتتواصل المساعي في ليبيا لإنعاش القطاع النفطي،والذي شهد منذ منتصف العام الماضي،تحسنا ملحوضا ينعش الآمال بتحسن الأوضاع الاقتصادية في البلاد،فيما تبقى الأوضاع الأمنية المتردية مصدر قلق متواصل. 


** مؤشرات إيجابية

إلى ذلك،أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط،الجمعة 28 سبتمبر 2018، إتمام حفر بئر نفطي تطويري بنجاح في حقل البوري، باستخدام تقنية معدات التحكم الذكية في قاع البئر.وقالت المؤسسة، في بيان صادر عنها،إن الإنتاج في البئر بدأ بـ4-52 بالمنصة البحرية رقم 4 التابعة لشركة مليتة للنفط والغاز يوم 25 سبتمبر 2018، بقدرة إنتاجية تبلغ 1850 برميل في اليوم.

وأكدت المؤسسة أن هذا المشروع يعد بداية لعهد جديد لتطوير وزيادة القدرة الإنتاجية في الآبار المستهدف حفرها مستقبلاً في حقل البوري، من خلال تطبيق هذه التقنية الحديثة لإنعاش قطاع النفط.وهنأت المؤسسة الوطنية للنفط، الإدارات الفنية التابعة لشركة مليته للنفط والغاز، بالإضافة إلى المؤسسة وشركة الحفر الوطنية، على مجهوداتهم المبذولة في تحقيق هذا الإنجاز.

والسبت الماضي،أعلنت مؤسسة النفط الليبية،تمكن إحدى شركاتها من إعادة تشغيل بئر نفط مهجورة منذ 16 عام بقدرة إنتاجية تبلغ 3 آلاف برميل يوميًا.وقالت المؤسسة، في بيان على موقعها الإلكتروني إن شركة الخليج العربي للنفط (أكبر الشركات النفطية ومقرها بنغازي) تمكنت من إعادة تشغيل بئر في حقل المسلة وصفته الشركة بالمهجور، بقدرة إنتاجية تصل إلى 3000 برميل يوميا.

وأوضحت المؤسسة أن "الإدارة العامة للإنتاج في شركة الخليج استخدمت أحدث تقنيات الحفر المائل وتوجيه الآبار (جيو سفير)، التي طورتها شركة شلمبرجير (بريطانية) للخدمات النفطية لإعادة إنتاجية البئر".وعلّق رئيس مؤسسة النفط الليبية مصطفى صنع الله، بالقول إن "هذا الإنتاج يعكس تفاني موظفينا وسعيهم الدائم لتحسين الإنتاج على مستوى جميع العمليات والاستفادة من أحدث التقنيات".

وقبل ذلك،نجحت المؤسسة الليبية للنفط في طرابلس،في إعادة فتح مهبط مطار "حقل الوفاء النفطي".وأشارت المؤسسة في بيان لها إلى أن عمليات الإنتاج في الحقل تسير بشكل طبيعي، وأن إمدادات الغاز متواصلة من الحقل إلى محطة "الرويس" لتوليد الكهرباء.وقالت المؤسسة إن الأفراد الذين كانوا يحاصرون الموقع انسحبوا بعد التحذير العام، الذي أصدرته المؤسسة في هذا الشأن، موكدة على "أنّها لا ولن تتفاوض تحت الضغط، وأنها ستتابع مقاضاة كل العناصر الإجرامية حيثما وُجِدت".


** زيادة انتاجية

ويأتي هذا في وقت يتواصل فيه الحديث عن تحسن كبير يشهده القطاع النفطي،وقال رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله،في حوار مع موقع "غلوبال بلاتس" الأميركي نُشر الأربعاء، إن إنتاج النفط في ليبيا بلغ أعلى مستوى له في خمس سنوات، لكن زيادة الإنتاج تعتمد على تحقيق الاستقرار الأمني وجذب استثمارات خارجية.

وأوضح صنع الله،أن ليبيا تضخ 1.28 مليون برميل يوميًا، وهو المستوى الأعلى منذ أغسطس من العام 2013، مشيرًا إلى أن المؤسسة تتطلع لزيادة الإنتاج إلى أكثر من مليوني برميل يوميًا بحلول العام 2022.وأكد صنع الله، عقب اجتماع منظمة "أوبك" في الجزائر، على العلاقة الوثيقة بين إرساء الأمن وزيادة الإنتاج، وقال:"إذا تحسن الوضع الأمني، فإن توقعات الإنتاج لدينا ستكون جيدة جدًا.

وكانت المؤسسة الوطنية للنفط قد أعلنت في 6 سبتمبر الجاري كشفت في بيان لها، عن الإيرادات التي حققتها من مبيعات النفط والغاز خلال الأشهر السبعة الأولى من 2018، وقالت إنها بلغت 13.6 مليار دولار.وأضافت المؤسسة أن الإيرادات خلال الفترة المذكورة ارتفعت بواقع 600 مليون دولار عن إجمالي إيرادات عام 2017، والتي بلغت 13 مليار دولار.

وجاء ذلك رغم أزمة خليج سرت وغيرها من التحديات التشغيلية التي واجهت قطاع النفط في ليبيا.وعن توقعاتها لإيرادات العام 2018 ككل، توقعت المؤسسة أن تبلغ 23.4 مليار دولار، بزيادة سنوية نسبتها 80%، لكن بشرط أن تتمكن المؤسسة من مواصلة أنشطتها بشكل طبيعي.

ومن جهة اخرى،لفت صنع الله، إلى أن المحادثات جارية مع عدد من شركات النفط الدولية لزيادة إنتاجها وأطقم العمالة والاستثمارات في ليبيا، وقال إنه زار إسبانيا أخيرًا والتقى مسؤولين من شركة "ريسبول"، الشريك الرئيس في حقل الشرارة، الذي ينتج 340 ألف برميل يوميًا.وقال:"مستعدون للترحيب بشركاء دوليين جدد في ليبيا، واستئناف العمليات مع تلك الشركات التي اضطرت للمغادرة بسبب أعمال العنف.

ووفقا لرويترز،التي نشرت بيانات أظهرت عودة الصادرات الليبية من النفط إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد توقف في أغسطس نتيجة إغلاق بعض الموانئ النفطية، وبحسب التقرير فإن إنتاج ليبيا من النفط الخام وصل إلى 950 ألف برميل يوميا.


** مخاوف أمنية

ويعتبر الوضع الأمني مؤثرا جدا في القطاع النفطي،حيث تضع الشركات الأجنبية الإستقرار من أولويات شروط الاستثمار في الدول التي ترغب الاستثمار فيها.ورغم ما تمثله السوق الليبية من جاذبية للمستثمرين فإن الفوضى المستعرة وتكرار الإعتداءات على المنشآت النفطية،دفع الشركات الأجنية للحذر في الودة إلى ليبيا.

وفي 10 سبتمبر الجاري،شنت مجموعة إرهابية هجومًا على مقر المؤسسة الوطنية للنفط  في طريق السكة في قلب العاصمة طرابلس،وأسفر الهجوم الذي تبناه تنظيم "داعش" الإرهابي،عن مقتل اثنين من موظفي المؤسسة وإصابة 10 آخرين نقلوا جميعًا إلى المستشفيات لتلقي العلاج.

وتحدثت وكالة الطاقة الدولية في تقريرلها، أنها سجلت مخاوف بشأن الهجوم على مقر المؤسسة متوجسة من أن يؤثر ذلك على مستويات الإنتاج العالمي وبالتزامن مع مستوى الطلبات في السوق العالمي ما ينتج عنها رفعا في أسعار النفط عالميا.وعبرت شركة إيني الإيطالية عن قلقها على لسانِ المسؤولة العامة للشركة، مطلع الشهر الجاري، إذ قالت إنَّ الأحداثَ الأمنيّة ربما تؤثّر على نشاطات الشركة على المدى المتوسط في ليبيا.

وتمثل التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيمي "داعش"،خطرا يهدد تعافي إقتصاد ليبيا.وحذرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير لها،الثلاثاء 18 سبتمبر 2018،من أن المليشيات الإرهابية والمتطرفة تستغل الفراغ الأمني لشن هجمات، بعد أن تبنت مسؤولية أكثر من 12 هجوما هذا العام، وتهدد بتعطيل تدفق النفط في الدولة أحد أهم الموردين في العالم.

وأشارت الصحيفة إلى أن الفراغ الأمني المتزايد في ليبيا وتفاقم العنف الداخلي أعطيا مجالاً للتنظيم للمناورة، في ليبيا التي تعد موطن أكبر احتياطيات نفطية في أفريقيا، والمنقسمة بين حكومتين متنافستين ومجموعة متشابكة من الجماعات المسلحة، وتفتقر إلى دولة تعمل بشكل كامل.

كما أثار الهجوم بحسب الصحيفة،تساؤلات حول ما إذا كانت مرافق النفط الليبية محمية بشكل كاف، مذكرة بالهجمات على موانئ النفط – بما في ذلك هجوم على الموانئ النفطية من قبل الميليشيات في يونيو وهجوم سابق من قبل عناصر "داعش" الإرهابي على حقل نفطي في فبراير – عرقلت انتعاشاً متواضعاً في قطاع النفط الليبي.

يذكر ان قطاع النفط لازال يتعافي من أزمته الاخيرة في يونيو من العام الحالي والتي أدت لأغلاق اكبر مؤاني وحقول النفط شرق البلاد بسبب الهجوم المسلح الذي اوقف الانتاج وأعاده للوراء ليتوقف عند 670 ألف برميل يومياَ لعد اشهر.

وكانت الاشتباكات التي شهدتها العاصمة طرابلس ألقت بظلال سلبية على الاقتصاد الليبي بشكل عام، وعلى بعض القطاعات مثل الكهرباء ومنشآت النفط على وجه الخصوص، جرّاء تدمير البنية التحتية لشبكات النقل والتوزيع، وهو الوضع الذي وصفه رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، المهندس مصطفى صنع الله بـ"الصعب"، معتبرًا أنّ "الخسائر المادية ستكون هائلة جدًّا".

وتعرضت منشآت النفط إلى بعض الأضرار جرّاء المواجهات، طالبت إزاءه مؤسسة النفط "جميع الأطراف المتناحرة" بضرورة "وقف إطلاق النار فورًا حفاظًا على أرواح المستخدمين الموجودين في خزانات طريق المطار"، بالنظر إلى صعوبة إجلاء المستخدمين، في ظل استمرار التوتر الأمني.

وفي حصيلة جديدة،كشفت شركة البريقة لتسويق النفط،عن تسجيلها عدة إصابات بخزاناتها بمستودعها بطريق المطار، بسبب الاشتباكات جنوبي طرابلس.وأوضحت الشركة، أنه منذ مطلع الشهر الجاري تمت إصابة خزان الديزل الذي يزود محطة كهرباء السواني، وكذلك إصابة 5 خزانات غاز مسال، وخزانات أخرى خاصة بكيروسين الطيران ووقود البنزين، كما شملت الأضرار أنابيب دوارة الغاز وخط وقود ديزل، إضافة إلى ورشة صيانة معدات الإطفاء وصيانة أسطوانات الغاز، ومبنى الإدارة العامة للسلامة والإدارة العامة للمبيعات.

ولدى ليبيا أكبر مخزون للنفط في أفريقيا وتعتمد على إيراداته في تمويل أكثر من 95 بالمئة من خزانة الدولة،وقد ساهم تعثر القطاع النفطي،نتيجة تجدد الصراعات المسلحة،فى تردى الأوضاع الإقتصادية.ويرى مراقبون أن تحسُّن آفاق الاقتصاد بشكل أساسي مرهون بتحسن الأحوال الأمنية وتوحيد مؤسسات الدولة عبر تحقيق تقدم في اجتياز المأزق السياسي الذي أحدث انقساما في البلاد.