يرى محللون أنه رغم حدوث تحسن طفيف في مشاركة المرأة في السياسة في ظل الحكومة المصرية الجديدة إلا أن الطريق لا يزال طويلا. وعكست هدى بدران، رئيس الاتحاد النوعي لنساء مصر، القلق الذي يعتري المصريات والإحباط الذي أصابهن، قائلا في تصريح لـ”العرب” إن “المستقبل السياسي للمرأة المصرية بات مقلقا، حيث ستحصل في الانتخابات البرلمانية القادمة على نسبة ضئيلة من مقاعد مجلس النواب لا تتناسب مع حجمها، كما جرى تغييبها عن لجنة الإصلاح التشريعي، التي أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارا بتشكيلها، عقب تنصيبه بأيام قليلة، كما أن هناك أربع وزارات فقط للمرأة من بين 34 وزارة في الحكومة الجديدة”. ووصفت بدران هذا الوضع بـ”الصادم لنساء مصر ولنا جميعا”، خاصة وأن السيسي أشار أكثر من مرة إلى أهمية دور المرأة، وشدد في خطاب تنصيبه بقصر القبة، على ضرورة مشاركتها الفاعلة في المجتمع، ووعد بتمثيل عادل لها في المناصب التنفيذية والمجالس النيابية.

أوضحت بدران أن الإقصاء المتعمد ضد المرأة يتم بناء على ما وصفته بـ “الشللية الذكورية”، وألمحت إلى أنها تخشى أن تكون هناك معلومات وتقارير تصل إلى رئيس الجمهورية بصورة خاطئة، منها مثلا، “الادعاء بعدم وجود كوادر نسائية قادرة على الإدارة”، مشيرة إلى أن هناك قيادات تنفيذية تحب الاستئثار بالمناصب دون المرأة.

وكانت لجنة تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية أقرّت زيادة عدد المقاعد المخصصة للمرأة في البرلمان المقبل، من ثلاثة إلى خمسة مقاعد، إلا أن القرار جاء مخيبا لآمال كثير من القيادات النسائية في مصر، التي كانت تطمع في تمثيل أفضل للمرأة في برلمان 2014، خاصة بعد الدور الكبير الذي لعبته المرأة في ثورة 30 يونيو وفي الاستفتاء على الدستور، فضلا عن مساهمتها الكبيرة في فوز المشير عبدالفتاح السيسي بانتخابات الرئاسة.

واعترض عدد من المنظمات النسوية وممثلين للمجتمع المدني ولجان المرأة في بعض الأحزاب السياسية، على نسبة تمثيل المرأة، والتي لم تتعد 5 بالمئة في قانون مباشرة الحقوق السياسية والانتخابات، الذي أصدره مجلس الوزراء برئاسة المهندس إبراهيم محلب، قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية بفترة وجيزة، ليصل الأمر بعد مداولات ومؤتمرات عدة، إلى أن يخصص للمرأة فقط 56 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغة 540 مقعدا، وهو ما لم يكن مرضيا للمرأة المصرية، ووصفت بعض الآراء النسائية هذه النسبة بـ “الفتات”.

وقالت رئيسة الاتحاد النوعي لنساء مصر، إن الاتحاد يضم 180 جمعية أهلية على مستوى البلاد، وإن مجموعة العمل لديها تعكف على فرز “كوادر” نسائية تكون قادرة على خوض الانتخابات البرلمانية القادمة، وأيضا إقناعهن بالترشح، مشيرة إلى أن هناك نماذج نسائية لديها الخبرة والكفاءة، لكن لا ترغب في الترشح للانتخابات البرلمانية، خوفا من الخسارة.

 

 

حكومة مخيبة

وصفت ميرفت التلاوي، رئيس المجلس القومي للمرأة، حكومة “محلب” الجديدة بأنها جاءت مخيبة ومحبطة لآمال النساء، فيما اعتبرتها نهاد أبو القمصان رئيس المركز المصري لحقوق المرأة، “أسوأ من الحكومات في عهد مبارك”، لأنها تتبع نفس منهج إقصاء المرأة.

جورج إسحاق، الناشط السياسي والحقوقي قال لـ”العرب”، إن المرأة المصرية لها تاريخ مشرف، ومنذ ثورة 25 يناير مرورا بأحداث عدة وحتى الانتخابات الرئاسية كان لها دور تحدث عنه العالم كله، مضيفا أن حصول المرأة على أربع وزارت وتحجيمها في البرلمان أمر غير ملائم للدور الذى قامت به.

كان المجلس القومي للمرأة قد استنكر، غياب المرأة عن لجنة الإصلاح التشريعي التي شكلها السيسي، وقال في بيان له: “المرأة عنصر رئيسي لابد من إشراكه في عملية اقتراح ومراجعة مشروعات القوانين المتعلقة بالمرأة”، مشددا على أن مصر تزخر بقامات وكفاءات نسائية لها خبرة قانونية وتشريعية، ممن يستطعن الإسهام في اقتراح وتعديل التشريعات القادمة.

وأوضحت الدكتورة هالة عبد القادر، الناشطة السياسية ومدير مؤسسة الأسرة للتنمية لـ “العرب”، أن تجاهل المرأة واستنكارها في مصر وتقييمها يتم طبقا للنوع وليس على أساسي الكفاءة والخبرة.

وأشارت عبد القادر إلى أن دعم المرأة لن يكون بمجرد وعد جاء في خطاب السيسي، لكنه يتحقق وفقا لآليات وضمانات واضحة وحقيقية على أرض الواقع، وأردفت أن عدم إدراج المرأة في اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، خير دليل على أن ما يقال شيء وما يفعل شيء آخر.

وذهبت عبد القادر إلى تفسير ذلك قائلة لـ”العرب” إن تهميش المرأة يتم بطريقتين ممنهجتين، إما بالإقصاء من المناصب التنفيذية من قبل الجهات المسؤولة في الدولة، أو بشكل غير مباشر عن طريق افتعال حوادث التحرش لمنعها من المشاركة السياسية وذلك من قبل فصيل الإخوان.

وعبرت عن رؤيتها إلى وضع المرأة في الانتخابات البرلمانية القادمة قائلة: “لست متفائلة، وتخصيص 56 مقعدا فقط غير مرضي، رغم أن بعض المنظمات النسوية أيدت النسبة وهللت لها، مشيرة إلى أن المجتمع مازال يشد المرأة إلى الخلف”.

وقالت الناشطة السياسية لـ “العرب” إنها توقعت أن تسند للمرأة في حكومة محلب عشر حقائب وزارية، مشيرة إلى أنها فوجئت بالتمثيل المُخجل، وأن الوزارات التي تولتها ليست من بينها الثقافة أو الصحة أو السياحة أو الخارجية مثلا، لافتة النظر إلى أنه يلاحظ دائما عدم استعانة الوزراء والمحافظين بمستشارات، تأكيدا لحالة إقصاء المرأة وعدم الإيمان بكفاءتها وخبرتها.

عزة كامل، الناشطة السياسية ورئيس مركز وسائل الاتصال (أكت)، قالت لـ”العرب” “إن نسبة تمثيل المرأة في حكومة محلب تقريبا 12 بالمئة فقط، وهو أمر “مخز وضعيف” ويشكل علامة استفهام كبيرة، لا نفهم ما وراءها”. وأضافت أن الإدارة السياسية لازالت ذكورية، وأن صانعي القرار في الدولة المصرية، يتعمدون إقصاء المرأة عن المشهد السياسي رغم أنها شاركت في صناعته بقوة.

وأشارت كامل إلى أن مقاعدها المحدودة في البرلمان القادم، ليست كافية، وكان من الأولى تطبيق نظام “الكوتة” بعدد كبير للمرأة، يتناسب مع دورها.

 

تاريخ من النضال

يبدو أن معاناة المرأة المصرية مع القوانين التي تتجاهل حقوقها وحجم تمثيلها في المجتمع، بدأت منذ فترة مبكرة للغاية من ظهورها على المسرح السياسي ومشاركتها في العمل العام.

ورغم وقوف المرأة المصرية بجانب الرجل في ثورة 1919 في مواجهة الاحتلال البريطاني، إلا أن أول دستور مصري، وهو دستور 1923 تجاهل الحقوق السياسية للمرأة وحرمها من دخول البرلمان، حيث كان ينص على إعطاء الحق للترشح لكل ذكر بالغ عاقل، لكنها لم تستسلم وظلت تحارب وتزيد من وعيها السياسي بمساندة الكاتبة منيرة ثابت التي تبنت قضية المرأة وحقها في العمل السياسي.

وجاءت ثورة 1952 لتعترف بحق المرأة السياسي وتم السماح لها بالترشح في أول مجلس شعب في عام 1957 ودخلت رواية عطية من الجيزة وأمينة شكري من الإسكندرية مجلس الأمة لأول مرة أي بنسبة 0.6 بالمئة، وفي عام 1962 أصبحت نسبة تمثيل المرأة 5 بالمئة من إجمالي 1500 عضو في المؤتمر القومي للقوى الشعبية.

وعندما تولى الرئيس الراحل أنور السادات الحكم في عام 1970 شعر أن تجاهل المرأة سياسيا ليس لعدم قدرتها ولكن بسبب ثقافة المجتمع الذي لا يؤمن إلا بالرجال لذلك قام بتخصيص “كوتة” للسيدات بإضافة 30 مقعدا للنساء كحد أدنى، مما دفع نحو 200 سيدة للترشح، فاز منهن ثلاثون أي بنسبة 8 بالمئة في برلمان عام 1979.

وأثبتت المرأة أحقيتها في التمثيل في البرلمان وأدت أداء مبهرا، فأول لجنة لتقصي الحقائق طالبت بها نائبة، وأول طلب مناقشة حول الأغذية الفاسدة كان لنائبة، ومع ذلك فقد ألغي نظام “الكوتة” عام 1986، ثم عاد مرة أخرى عام 2009، قبل أن يتم إلغاؤه مجددا بعد ثورة 25 يناير 2011.

 

*نقلا عن العرب اللندنية