“عاشقة أفريقيا” أو كاميل ليباج، اختارت طريق الصحافة المستقلة بعيداً عن الانحيازات الدينية والعرقية والسياسية وأجندات الإعلانات في وسائل الإعلام. أرادت أن تكون ناقلاً أميناً لحقيقة يرفض العالم إخراجها إلى النور، قبل أن يتحول مقتلها إلى الخبر بعينه.

استمتعت دائما بالتقاط الصور، ولكن لم تفكر يوما في أنها ستمتهن ذلك وسيودي هذا الشغف المجنون بحياتها.

عن هذه التجربة تؤكد المصورة الصحفية كاميل ليباج “كنت شغوفة بالسفر، كانت الكاميرا رفيقتي وكنت في السنة الأخيرة من الجامعة، أفكر فيما أريد حقا، وأدركت أن التصوير أخذ الجزء الأكبر من قلبي.

قررت أن أستسلم لهذا الشغف، تلك اللغة العالمية، فعلى عكس كل وسائل الإعلام الأخرى، يمكن لأي شخص فهم أية صورة، والإحساس بها، ببساطة هي حية داخلكم”.

عرفت ليباج أن الصحافة المستقلة وسيلتها وطريقها في التحرك كيفما شاءت. وقالت في آخر تعليق لها على حسابها في فيسبوك: “لا يمكنني السكوت ببساطة عما يحدث من مآسٍ، لأن لا أحد يحصل على المال من التغطية الإعلامية، سأسلّط عليهم الضوء بنفسي مهما حدث. كلمات أخيرة قالتها قبل أن تذهب إلى حتفها في أفريقيا الوسطى”.

قتلت ليباج التي لم يتعد عمرها 26 ربيعا لأنها لم تكن ترتدي بدلة واقية من الرصاص، لن تنفع كلمات الشجب الفرنسية والتنديدات الأممية، لكن قد يكون مقتلها سببا في وقفة تأمل للأجيال القادمة من الشغوفين بالتصوير الصحفي، وفق صحيفة العرب. 

كانت ليباج صرحت بكلمات قليلة مرة في حوار أجرته مع مدونة بيتا بيكسال حول تجربتها في جنوب السودان، قد يحل بعضا من ألغاز شخصيتها.

وعن هذا القرار تقول “منذ كنت صغيرة جدا، كنت أريد دائما الذهاب والعيش في مكان حيث لا أحد آخر يريد أن يذهب إليه، وتغطية قصص الصراع العميقة فيه. تابعت بدقة عملية استقلال جنوب السودان وصدمت من التغطية القليلة وأزعجني كل ذلك التشاؤم حول مصيره”.

تقول ليباج “أصبح خياري واضحا، قررت الذهاب إلى هناك”، كانت تجربتها الأولى في أفريقيا وكان الأمر خطيرا.

فكرت في الانتقال إلى أوغندا والتنقل بين البلدين، ثم أدركت أنه ربما بإمكانها الحصول على وظيفة في صحيفة محلية والبدء ضمن هيكل بدلا من إلقاء نفسها وسط الطوفان وهي ذات الخبرة القليلة والطموح الكبير.

لكنها وضعت هذه الصراعات العارية نصب عينيها وكان تصميمها أقوى منها، وحصلت على اللقطات.

وصفت نفسها مرة بأنها الأكثر اهتماما بالناس المنسيين، فطوال مدة دراستها للصحافة في جامعة ساوثامبتون سولنت في المملكة المتحدة، تعلمت الكثير عن أخلاقيات مهنة الصحافة وأصبحت حريصة جدا على أداء واجبها الصحفي وسرد قصص وجعلها في متناول جمهور واسع.

أدركت أيضا ما كان على جدول أعمال وسائل الإعلام، وكيف أن العديد من القصص الخطيرة مفقودة في عناوين الصحف لمجرد أنها لا تدخل ضمن أجندة هذه الصحف أو مصالح شركات الإعلان.

عن أسلوبها في التصوير تقول “أريد أن يشعر المشاهدين بمعاناة الناس، أريد أن يتعاطفوا معهم كبشر، بدلا من رؤيتهم على أنهم مجموعة أخرى من الأفارقة الذين يعانون الحرب في مكان ما في هذه القارة المظلمة”. وددت فقط لو فضحت حكومات لا تحرك ساكنا.

كما تقول، “قتل المدنيين في النوبة والنيل الأزرق ودارفور مستمر منذ 30 عاما، وحتى الآن كل الحكومات لا تزال تغض الطرف عن ذلك!

القضية الأساسية أن دولة جنوب السودان لا تزال مرتبطة جدا بالسودان بسبب قضية النفط، الذي يعتمد عليه اقتصاد كليهما. ببساطة لا يمكن للشمال أن يدعه، جنوب السودان وشماله يدعمان المتمردين، كليهما يريد تقويض استقرار الآخر”.  

أما بالنسبة إلى المتمردين الصغار فهم رواية أخرى ترويها كاميل، إنهم ليسوا سوى أطفال، لعبة بيد الكبار، سمتهم “الضحايا القتلة”، أجسادهم قوية خلف مظهر المحارب والمدافع، غير أن وجوههم حزينة ونفسياتهم هشة، فهل قتلها أحدهم يا ترى؟

وكسبت ثقتهم، عندما عاشت بينهم في منزل يفتقر إلى الكهرباء وإلى كل سبل الراحة، هنا لم يكن الناس متعودين على التقاط الصور، كانوا يصرخون في وجهها أحيانا، لكن مع الوقت كافحت وفكت رموز التعامل معهم. تؤكد “أصبحت أقرأ ما في عيونهم، إنهم يثقون بي”.

في جنوب السودان تغيرت، تقول “أفترض أنني أصبحت أكثر نضجا ووعيا وانفتاحا على الآخرين، هي تجربة بحد ذاتها”.

تتذكر بفخر ردة فعل الناس على صورها في معرض أقامته في شهر سبتمبر الماضي، تقول “هنأني بعض الناس من السودان، حتى أن أحدهم مسك يدي شاكرا والدموع على وجنتيه، قال إن الأمر يظهر وكأنه أمامه، بدا سعيدا، ولكنه حزين لأن الوضع لم يتغير منذ أن غادر السودان منذ سنوات”.

رغم كل الفخر الذي يملؤها كانت لا تزال محبطة، “حقا فوسائل الإعلام لا تزال غير مهتمة، وترفض إخراج الأمر إلى النور!”، نصحت جيلها بعدم الاستسلام والمحاولة مرات ومرات إلى أن ينجح! “فقط عليكم أن تعملوا بجد لتحقيق طموحاتكم، ولا تتخلوا عنها أبدا، اتبعوا قلوبكم، فلا مانع إن اختلف الناس معكم”. “حاول الكثير من الناس اثنائي عن اتباع حلمي، لا أستطيع أن ألومهم، كان رهانا مجنونا”. لكن هل كانت ستغير رأيها لو تعرضت فقط لمحاولة اغتيال وبقيت على قيد الحياة؟