يبدو جليا أن السلطات المصرية تقبض بيد من حديد لإجهاض كل المخططات التي تسعى جماعة الإخوان المسلمين للتسلل من بوابتها بغية العودة إلى المشهد المصري بعد أن انهارت بورصة الإسلام السياسي للجماعة وافتضحت أعمالها الدموية عقب ثورة 30 يونيو.

فبعد نفاد الرصيد السياسي للجماعة وفقدان القدرة على الحشد الشعبي، عادت جماعة الإخوان المسلمين للعب على حبال العنف ورفع السلاح لبث الرعب في نفوس المواطنين عبر فزاعة ما سمّي بـ”كتائب حلوان”.

أمرت النيابة المصرية بحبس صحفية 15 يوما احتياطيا على ذمة التحقيقات في قضية خلية “كتائب حلوان”. ووجهت النيابة للمتهمة عدة تهم منها الانضمام إلى جماعة إرهابية والاشتراك مع أعضاء الخلية الإرهابية ببث شريط فيديو يثير الرعب في نفوس المواطنين وتهديد الأمن العام.
المنقب في خبايا جماعات الإسلام السياسي يتبين له النزعة الإخوانية الواضحة التي ارتسمت على خطاب الملثمين التابعين لكتائب حلوان خاصة فيما يتعلق بانتهاجهم أساليب الإخوان في الترويع والتهديد وإشهار السلاح في وجه الدولة.

لجأت جماعة الإخوان المسلمين إلى تفريخ ما يسمى بـ”كتائب حلوان” في محاولة جديدة لتقويض الأمن والاستقرار في مصر وخوض حرب نفسية لخلط الأوراق وإعادة التموقع من جديد تحت مسميات مختلفة بعد العزلة الإقليمية والدولية التي لحقت بالجماعة، لكن خطاب كتائب الحلوان الذي حاول التملص من جلباب الإخوان كشف النقاب عن ملامس إخوانية واضحة دفعت بهذا المولود الجديد إلى رفع راية العنف بدلا عنها.

وكثيرا ما يتم تجنيد العشرات من الشباب العاطل عن العمل وتوظيفهم لتنفيذ أوامر الجماعة وأغلبهم يكون فاقدا لأيّ عقيدة فكرية أو سياسية وتتم عملية الترابط وفق منظور براغماتي تطغى عليه المصالح المادية دون مراعاة للواجب الوطني.

وتكشف هذه الأعمال عن النزعة التخريبية المناوئة لأي عمل سلمي مدني لجماعة الإخوان المسلمين، الذين ما فتئوا يروّجون صورا زائفة حول سلمية نشاطاتهم التي غالبا ما اتسمت بطغيان منطق العنف وسياسية الأرض المحروقة لجر البلاد نحو أفق مسدود.

وهذه سمة لطالما انطبعت على أفعال جماعات الإسلام السياسي كلما خبت شعلتهم، فحاولوا إيجاد منفذ جديد يكون مرآة لهم تعكس أعمالهم وطوقا يسعون لفك عزلتهم السياسية به.

وفي هذا السياق قال اللواء مجدي عنتر، الخبير الأمني إن كتائب حلوان مرتزقة يعملون مقابل المال وليس من أجل الدفاع عن عقيدتهم كما يزعمون، لافتاً إلى أنهم لا ينتمون إلى الإسلام لأنه لا يوجد شخص مسلم يسعى لترويع المواطنين الآمنين كما يفعلون، وأضاف أن جماعة الإخوان المسلمين تقوم بتمويلهم.

تجنيد جماعة الإخوان المسلمين لعديد الشبان وإجبارهم على رفع السلاح في وجه قوات الجيش والشرطة لا يخلو من محاولة واضحة من كبار وقادة الإخوان لمقايضة السلطات ودفعها نحو تخفيف قبضتها الحازمة على الجماعة، إلى جانب ترويع المواطنين وجرهم نحو الاصطفاف حولهم بعد اضمحلال عمقهم الشعبي الذي اندحر تحت رايات التخريب الإخوانية وانكشاف خطاباتهم المزدوجة.

لكن ضعف استراتيجية “كتائب حلوان” وفطنة الجهات الأمنية سرّعا بإجهاض هذا العمل الممنهج وكشفا خيوط اللعبة الإخوانية التي تهدف إلى ضرب التماسك المجتمعي المصري، كما أظهرا نزعة انتقامية واضحة للتشفي من الإرادة الشعبية المصرية في إنهاء حقبة الإخوان والدخول في مسار مدني جديد خال من هواجس التشدد والتطرف التي نزعت عن أرض الكنانة مظاهر التمدن والتحضر.

وذكرت تقارير إعلامية وجود مخططات جهزتها “كتائب حلوان” لاستهداف بعض المقار الأمنية والمؤسسات الحكومية والخدمية من خلال عدد من عناصرها وبعض الموالين لها من القوى المتطرفة الأخرى، وتكليفهم بحمل واستخدام الأسلحة النارية والخرطوش والمولوتوف والقنابل اليدوية في القيام بتلك الأعمال التخريبية، والإعداد والدعوة للتجمهر والاعتصام.

فشل مطية كتائب حلوان يمكن إدراجها في سياق زيادة الرصيد الإرهابي لجماعة الإخوان المسلمين وهي ضربة قاصمة لكل محاولة استجداء جديدة تنتهجها الجماعة تجاه السلطات المصرية، ومؤشر جديد على ضرورة الوقوف بصرامة أكبر لصد هذا الزيغ الإخواني.

ولاقت هذه الحادثة ردود فعل شعبية رافضة لهذه الممارسات، حتى من داخل البيت الإخواني الذي بدأ يتحرر من سياسة الإخوان “العبودية” التي لا تترك مجالا للاختلاف والتنوع وتجسد بشكل واضح عقلية “القطيع”.

وأكد مختار نوح، القيادي السابق بجماعة الإخوان أن الهدف من هذا الفيديو هو إلقاء الرعب في نفوس الناس وإجبار الحكومة على التفاوض، مؤكداً أن الإخوان فقدوا التعاون الشعبي تماماً. وأوضح نوح أنهم ظهروا في صورة الديكتاتور الحقيقي، مؤكدا ضرورة تشجيع العمل المدني في مواجهة هؤلاء لتكوين جبهة شعبية في مواجهتهم، لافتاً إلى أن رابعة لم تكن عملا نظاميا ضد عمل مدني.

ما فعلته “كتائب حلوان” عبر مناصبتها العداء للأجهزة الأمنية والعسكرية يحمل عديد الأبعاد خاصة الأمنية منها والمتمثلة في ضرورة معالجة الفكر التخريبي لجماعات الإسلام السياسي وتجفيف منابع تمويلهم حتى لا تتكرر محاولات التسلل المكشوفة بأردية جديدة تحمل موروثا قديما ألا وهو السلاح ولا بديل عنه.

فهذه الخطوة المفاجأة تمثل ناقوس خطر للأمن المصري لما تمثله من تحد واضح لهيبة الدولة. فجماعات الإسلام السياسي لا تتورع في استخدام سلاح الشرائط المذاعة ثم التحول تدريجيا الى ممارسة العنف.

وتفاعلت الأجهزة الأمنية والقضائية المصرية بكثير من الصرامة مع الحادثة واتخذت التدابير اللازمة لتعقب الجناة وعرضهم على المحاكمة، وهي إشارة جيدة لرفع الخوف عن المتوجسين من إمكانية عودة شرارة العنف الإخوانية إلى الواجهة من جديد.

وتهدف جماعة الإخوان المسلمين إلى بث البلبلة في كامل أصقاع مصر منذ عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي مستغلة في ذلك الدعم الإقليمي اللوجستي والمالي الذي تتلقاه من بعض الدول التي تقف خلف ستار الإخوان وتؤمن بفكر الإسلام السياسي، لذلك تبدو الرهانات القادمة على صفيح ساخن لقطع سبل العودة إلى مربع العنف الذي اكتوى بلهيبه الشعب المصري، وفقا لما نشرته صحيفة العرب فيعددها الصادر اليوم الأربعاء.

ويرى مراقبون أن جماعة الإخوان لم تجد حيلة أخرى للتنغيص على الشعب المصري سوى استخدام معول الترهيب الذي انكشفت خلفياته مع أول إشارة بأربعة أصابع رفعها قائد “كتائب حلوان”.