قبل ثماني سنوات كتب إدريس الخوري، الذي غادرنا مساء أمس الاثنين، رسالة مؤلمة، وجهها إلى نفسه.
كانت تلك الرسالة بمثابة نعي مبكر، كلماتها تنضح باليأس والسخط، على واقع ثقافي ظل الخوري طوال حياته متوجساً منه.
استهل الكاتب المغربي رسالته المؤثرة على النحو الاتي: "ها قد بلغتَ من الكبر عتياً، فماذا تبقى لك من الوقت لكي تختفي عن الأنظار نهائياً؟ تلتفت يميناً وشمالاً فلا ترى أحداً بجانبك، الكل منشغل بذاته وبأسرته الصغيرة، وأنت قابع في محنتك النفسية والجسدية تجتر آلامك في صمت"
استعرض الخوري في تلك الرسالة تفاصيل من حياته، وتوقف عند إخفاقاته وعند مشكلاته الصحية. انتقد الحياة السياسية والثقافية على السواء، وعبّر عن يأسه من الكتابة: "لقد كتبتَ كثيراً، وماذا من بعد؟ هل أضفت شيئاً إلى هذه اللعنة؟ لعنة الكتابة؟ من أنت حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ منها؟ لست إلا رقماً عادياً من أرقام الكتابة في هذا البلد"
وبعد رسالته الجارحة، لنفسه أولاً ولكل المنخرطين في عالم الكتابة الأدبية، دخل إدريس الخوري في عزلته، إن لم نقل تعمّق فيها، هو الذي عاش منذ سنوات عدة في بيت على سطح عمارة، مثل نسر هرم، بعيداً من مراكز الثقافة ما أمكن، وقريباً من صدى كلماته. فإن كان صاحب "حزن في الرأس والقلب" قد توقف عن كتابة الأدب في السنوات الأخيرة من حياته، فهو عاش بالمقابل على ذكراه، وذكرى رفاقه الأوائل في الكتابة. صرح في أحد حواراته بأن أصدقاءه تخلوا عنه: "لم يعد هناك مفهوم حقيقي للصداقة. حاليا لا يسأل أحد عني، فالكل أصبح منشغلاً بمشاريعه الخاصة، ويجمع النقود، مفهوم الصداقة الذي عشته في الستينيات لم يعد قائماً"
ونعا اتحاد كتاب المغرب، الراحل في بيان، بقوله: "بوفاة الكاتب إدريس الخوري، يكون المغرب الإنساني والإبداعي والإعلامي، قد فقد إنساناً نادراً واستثنائياً، وكاتباً كبيراً، ومبدعاً رفيعاً وملتزماً، وصديقاً وفياً للشعب المغربي، بمختلف شرائحه الثقافية الاجتماعية، وأحد من خدموا الثقافة والصحافة والإبداع الأدبي المغربي، بشكل قل نظيره، على مدى عقود من الكتابة والإبداع والحضور والنضال والسفر والمغامرات وحب الحياة والنقاش والجدل والتضحيات".
وُلد الخوري عام 1939 بمدينة الدار البيضاء، وعمل صحافياً بجريدة "المحرر" التي تحولت لاحقاً إلى "الاتحاد الاشتراكي".
وانضم إلى اتحاد كتاب المغرب عام 1968، واشتهر خاصة في مجال القصة القصيرة حيث أصدر عدة مجموعات قصصية من أشهرها "حزن في الرأس والقلب" في 1973، و"ظلال" في 1977، و"البدايات" في 1980 ثم "الأيام والليالي" في نفس العام، و"مدينة التراب" في 1988، و"فضاءات، دار الكلام" عام 1989، ثم "يوسف في بطن أمه" في 1994.
وبدأ الخوري مشواره الأدبي شاعراً في مطلع الستينيات، لكن سرعان ما اتجه إلى كتابة الخاطرة والقصة والمقالة.
وله كتابات في إطار السرد الأدبي والنقدي والفني حول السينما والمسرح والتشكيل والرحلة والموسيقى والسياسة.
وقال اتحاد الكتاب في بيانه: "هكذا، ظل كاتبنا الراحل قاصاً وناثراً وكاتب مقالة من الطراز الرفيع، يتميز بأسلوبه الخاص في الكتابة وبلغته المميزة له، في التعبير والسرد وصوغ المفارقات الاجتماعية، ما جعل تجربته القصصية وكتاباته عموماً، ذات نكهة ساحرة، بما تضمره من سخرية وصفية ونقدية مبدعة".