الثامن عشر من رمضان من كل عام يستفيق التونسيون على أخبار القتلى و الجرحى من جنود الجيش في جبل الشعانبي،و القاتل واحد،في مثل هذا التاريخ من العام الماضي أجهز عناصر جماعة "عقبة بن نافع" المتحصنة بالجبل على 7جنود ذبحا لتعاود الجماعة الهجوم هذا العام في نفس التاريخ و تخلف 14 قتيلا من قوات الجيش التونسي ،في هجوم أكثر تطورا على المستوى النوعي و التكتيكي.

وزير الدفاع التونسي، غازي الجريبي،كشف بأن الهجوم قد قامت بتنفيذه مجموعة إرهابية يتراوح عددها بين 40 و60.وقال إن أغلب الإرهابيين الذين قاموا بالعملية تسلّلوا من خارج جبل الشعانبي، مرجّحاً إمكانيّة قدومهم من خارج الحدود، مشيراً إلى وجود أجانب وتونسيين وجزائريين في صفوفهم.مؤكدا بأن أغلب الضحايا من الجنود التسعة توفوا من طلقة من مدفع آر بي جي، مقابل القضاء على إرهابيّ واحد، مضيفاً أنّه تمّ تسجيل إصابات في صفوف الإرهابيين، وأن آثار الدماء تؤكد ذلك.وقال وزير الدفاع إنّه وحسب المعلومات الأولية، فإن الإرهابيين اتجهوا نحو الخطوط الغربية، وتمّ التنسيق مع الحكومة الجزائر وقوات الأمن الداخلي لتعقبهم.

هذا و تبنت كتيبة عقبة ابن نافع التابع لتنظيم أنصار الشريعة المحظور في تونس العملية،وفق ما نشر التنظيم على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي"فيسبوك".و قبلها بأيام نشرت الجماعة صورا لعناصرها على موقع "تويتر" في أول ظهور علني.

مشروع كتيبة عقبة بن نافع :"إمارة الشعانبي الإسلامية"

في ديسمبر/كانون الأول 2012 ظهر لأول مرة في الإعلام اسم "كتيبة عقبة بن نافع" ذات التوجهات السلفية الجهادية،حين أعلنت الأجهزة الامنية التونسية عن ملاحقتها لعناصر ينتمون لكتيبة عقبة بن نافع في المنطقة الجبلية بالشعانبي التابعة لولاية القصرين على الحدود مع الجزائر، وخلفت هذه الملاحقات حتى الآن عشرات القتلى والجرحى في صفوف القوات النظامية، لقي أغلبهم حتفه في أحراش الجبل متأثراً بالألغام الأرضية التي زرعتها الجماعة هناك.

و يرى مراقبون ،بأن "كتيبة عقبة بن نافع"  هي حصيلة تعاون بين تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي و جماعة أنصار الشريعة بتونس ،اذ ينخرط فيها عشرات المسلحين من الجنسية التونسية و الجزائرية و بعض الجنسيات الأخرى كالموريتانية و المالية .

و كان التلفزيون الرسمي التونسي قد بث ، في وقت سابق، اعترافات لعنصرين من المتهمين في أحداث الشعانبي، أحدهما قدم الدعم اللوجستي، والآخر كان متحصناً مع الجماعة المسلحة في الجبل. وكشف العنصران أن مجموعة جبل الشعانبي يقودها جزائري، وتضم عدداً آخر من الجنسيات العربية والإفريقية.وفي تفاصيل الاعترافات، قال العنصر الذي كان متحصناً بالجبل إن "الجماعة المتواجدة في جبل الشعانبي تتكون من 30 عنصراً، من بينهم 15 عنصراً يحملون الجنسية الجزائرية، وهم قادة المجموعة، أما بقية العناصر فتنتمي إلى جنسيات مختلفة، بينها المالية والتونسية والموريتانية، وأن أعمارهم تتراوح بين 18 و20 سنة و30 و45 سنة".أما العنصر الثاني والمتهم بتقديم الدعم اللوجيستي للمجموعة، فقد اعترف بأنه كان يزور المجموعة الإرهابية في الجبل منذ 5 أشهر، مرة كل 15 يوماً، مقابل مبلغ 100 أورو بعد كل عملية تزويد بالمؤن، مؤكداً أن شقيقه له علاقة مع المجموعة المسلحة.

وخلال البرنامج التلفزيوني الذي بث اعترافات المتهمين، صرح محمد علي العروي، الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية، بأن "قائد المجموعة المسلحة المتحصنة بجبل الشعانبي يدعى يحيى ويحمل الجنسية الجزائرية"، مؤكداً أن "يحيى مطلوب من السلطات الجزائرية ومبحوث عنه دولياً، وهو المسؤول الأول عن عملية ذبح جنود الجيش التونسي في 29 يوليو/تموز 2013 بسفح جبل الشعانبي".

و كان وزير الداخلية التونسي،لطفي بن جدو،قد أعلن في وقت سابق ، أن أجهزة الأمن اعتقلت 46 شخصاً، وأنها تلاحق 58 آخرين بينهم 13 أجنبياً ينتمون إلى "كتيبة عقبة بن نافع" ،وأوضح الوزير أن تسعة من بين الموقوفين اعتقلوا في جبل الشعانبي. وأنهم مدّوا أجهزة الأمن بهويات كامل عناصر الكتيبة.وتابع "المفتش عنهم من الكتيبة نفسها هم 13 بينهم ثلاثة أجانب متهمون بإدخال الأسلحة، و31 هم الآن في الجبال بينهم 10 أجانب، وأربعة ضالعين في التمويل، وسبعة منتمين للتنظيم وثلاثة من الجناح العسكري (للتنظيم) وعددهم في النهاية 58".

الشعانبي...قمة "قاسية"

يعد جبل الشعانبي القمة الأعلى في تونس، إذ يبلغ ارتفاعه 1544 متراً فوق سطح البحر، ويقع في الوسط الغربي التونسي وهو مغطى بغابة كثيفة من الصنوبر الجلبي، وتوجد به الحديقة الوطنية بالشعانبي والتي تعد الأكبر حجماً على مستوى البلاد، وتنتشر فيها المغارات والخنادق التي سهلت كثيراً تمركز العناصر المسلحة ووفرت لهم فرصة أكبر للتخفي والمناورة، بحسب مراقبين.

فالخصائص الطبيعية التي يتوفر عليها جبل الشعانبي تعد مكاناً مغرياً وجاذباً للجماعات الجهادية، ففي مثل هذه التضاريس الوعرة ينجح هؤلاء في هوايتهم المفضلة وهي الحرب الخاطفة ضد القوات النظامية بطيئة التحرك وثقيلة العتاد، والأمثلة على ذلك كثيرة في كثير من ساحات التوتر ولعل نموذج أفغانستان هو الأكثر حضوراً ودلالة، فجبل الشعانبي بارتفاعه الحالي وغاباته الكثيفة شبيه إلى حد كبير بمرتفعات أفغانستان أو جبال زاغروس الكردية والتي تتخذ منها الجماعات الكردية المسلحة ملاذاً لها"،بحسب ما يرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية ،عبد الستار العايدي ،في مقابلة نشرتها "العربية نت".

ويضيف العايدي في حديثه لموقع "العربية": "وبالرغم من وجود جبال أخرى عالية في تونس غير أن الشعانبي يتميز بقربه من الحدود الجزائرية والتي يمكن أن تشكل جبهة خلفية يمكن الفرار إليها في حالات الحصار، فالقاعدة ببلاد المغرب الإسلامي لها بعض الحضور النسبي في سلسة الجبال الشرقية في الجزائر ويمكن لها أن تشكل "هانوي" جديدة - إن صح التعبير - لحلفائها في تونس".ويؤكد الباحث التونسي العايدي أن "كل محاولات التمركز في مناطق جبلية أخرى في أنحاء البلاد قد فشلت، باستثناء الشعانبي فقد شكّل معضلة حقيقية للقوات المسلحة التونسية، فبعد أكثر من سنة و نصف والحالة مازالت تراوح مكانها بل زادت عمقاً في التأزم بعد مقتل عشرات الجنود تفجيراً وذبحاً، وهو ما يؤكد أن الشعانبي قد تحول الى فضاء استراتيجي لنشاط الجماعات، خاصة أنها فشلت في التركز في جبل بوقرنين المتاخم للعاصمة عام 2006 بسبب فقدانها للدعامة الخلفية والمتوافرة في الشعانبي من خلال الجزائر".

كرنولوجيا موجزة

8مايو 2013: قال رئيس الحكومة علي العريض أمام جلسة للمجلس الوطني التأسيسي أن عناصر من المجموعة المسلحة التي قُبض عليها هم من ضمن الأشخاص الذين تبحث عنهم الحكومة.

8 مايو 2013: وقال وزير الداخلية لطفي بن جدو أنه تم إيقاف عنصرين من كتيبة عقبة بن نافع. وقال أن اجمالي المعتقلين يبلغ 37 لحد ذلك اليوم وينتمون لكتيبة عقبة بن نافع ولهم ولاء للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

31 مايو 2013: عقد المتحدث الرسمي بإسم وزارة الداخلية مؤتمرا صحفيا أعلن فيه عن القائمة الإسمية للمتورطين في أحداث جبل الشعانبي مرفوقة بصورهم من بينهم زعيم أنصار الشريعة في تونس سيف الله بن حسين الملقّب بأبو عياض وكمال القضقاضي المتهم الرئيس باغتيال السياسي شكري بلعيد، إضافة إلى جزائريين وصرّح أيضا أن الوزارة أوقفت 45 شخصا لحد ذلك اليوم لهم علاقة بالأحداث وأنها تنسّق مع الجانب الجزائري.

1 يونيو 2013: وانفجر لغم في 1 يونيو على شاحنة عسكرية من نوع هامر.

3 يونيو 2013: أطلق عسكريون 7 رصاصات على الوكيل الأول مختار المباركي وأردوه قتيلا في جبل الشعانبي وقالت وزراة الداخلية أنه قُتل بنيران صديقة حيث كان يلبس ملابس عسكرية واُشتبه فيه أنّه إرهابي. ولدى المباركي بنتان وولد وولد آخر لم يولد بعد.

6 يونيو 2013: مع السابعة صباحا بتوقيت تونس أدى لغم مزروع في طريق يستعملها المدنيون والعسكريون في منطقة تبعد 7 كيلومتر عن مدخل مدينة القصرين إلى انفجار عربة عسكرية مما تسبب في مقتل عسكريين وإصابة عسكريَين آخرين..

24 يونيو 2013: القوات الخاصة للجيش التونسي اكتشفت نفقا في جبل الشعانبي طوله 10 كيلومترات. وبعد أن توغلت فيه عشرات الأمتار عثرت على أثار تدل على استعماله حديثا..

29 يوليو 2013: قامت مجموعات مسلحة بقتل 8 جنود في كمين و منهم إثنين ماتا مذبوحين.

2 أغسطس 2013: بدأ الجيش التونسي بعمليات واسعة النطاق في جبل الشعانبي بقصف بالمدفعية و الطائرات لمدة تجاوزت أكثر من ثلاثة أيام.

4 أغسطس 2013: توفي جندي تونسي و جرح 7 أخرين بعد تفجر لغم بينما هم على إحدى الدبابات. و  ذكرت مصادر أمنية جزائرية أن قوات الجيش الجزائري قضت على 3 إرهابيين تونسيين على مستوى ولاية تبسة الحدودية مع تونس مشيرة إلى أنّ المسلحين المقضى عليهم فرّوا من القصف الذي تشنه القوات التونسية على معاقل الجماعات المسلحة بجبال الشعانبي .

5 أغسطس 2013: وفاة جندي ثاني متأثر بجراحه بعد إنفجار لغم يوم 4 أغسطس بينما هو على إحدى الدبابات.

7 أغسطس 2013: القبض في منطقة أولاد مسعود على إرهابي متسلل من جبل الشعانبي وبحوزته كلاشينكوف وذخيرة.

9 أغسطس 2013: القبض على 3 إرهابيين في حي الزهور بالقصرين وذلك عقب معلومات من الشخص المقبوض عليه في 7 أغسطس

11 أغسطس 2013: قصف الجيش التونسي جبل سمامة بالمدفعية الثقيلة للاشتباه في تسلل إرهابيين إليه. وجبل سمامة هو جزء من سلسلة جبل الشعانبي. وأدى القصف إلى مقتل ثلاثة مسلحين.

11 إبريل/نيسان 2014 : أكد الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع توفيق الرحموني في تصريحات إعلامية أن لغما انفجر في مدخل محمية الشعانبي على الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر اليوم الجمعة 11 إبريل/نيسان 2014 اثر مرور جرار فلاحي فوقه وهو ما تسبب في إصابة الفلاح بجروحكما أوضح الرحموني أن الوحدات العسكرية تدخلت لبحث الأمر بعد انفجار اللغم وقامت بنقل الفلاح وفي طريق عودتها حادت الناقلة التابعة للجيش عن مسارها وهو ما أدى الى اصابة 3 عسكريين بجروح وقد تم نقل المصابين للمستشفى الجهوي بالقصرين لتلقي الاسعافات اللازمة.