الاقتصاد العالمي في وضع ما قبل الأزمة و مؤشرات حدوث ركود عالمي بدأت تظهر فعليا ،رغم أن خبراء الاقتصاد يعتقدون أنه ينبغي توقع حدوث ذلك في وقت لاحق -أي سنة 2021- وهو ما يدعو العالم للاستعداد.

لا يعود سبب القلق من حدوث ركود عالمي ،إلى الانتشار المخيف لفيروس كورونا المستجد فقط وإنما إلى عوامل أخرى ،حيث أن التوقعات بحدوث أزمة اقتصادية عالمية لم تقتصر على العام 2020 بل سبقتها توقعات في العام 2019 وما قبله ،فمنذ العام الماضي حذّر كبار مديري الشركات و المستثمرين من حدوث ركود عالمي ،عندما وقع تسجيل "تراجع بين عوائد السندات الأميركية قصيرة وطويلة الأجل".

الركود العالمي

يُعرف الركود الاقتصادي ،بأنه التقلص في الناتج المحلي الإجمالي والتراجع في الاقتصاد العام لمدة ستة أشهر أو أكثر، ويمكن ملاحظته من خلال تراجع المبيعات و ارتفاع معدلات البطالة ،ويعد الناتج المحلي الإجمالي أفضل المؤشرات للتنبؤ بالركود الذي يمكن البدء بملاحظته قبل قدومه بفترة زمنية من خلال مراقبة ارتفاع أو انخفاض نسبة الناتج المحلي الإجمالي.

الركود الاقتصادي لا يدوم أكثر من عام ويعد أكثر اعتدالاً من الكساد الذي يدوم لفترة أطول، كما أنه يُعتبر جزءاً طبيعياً من الاقتصاد الرأسمالي ،وعادة ما يكون سبب حدوث ركود أن الإنتاج يفوق الاستهلاك، الأمر الذي يؤدي إلى كساد البضاعة وانخفاض الأسعار، فيصعب على المنتجين بيع المخزون، لذلك ينخفض معدل الإنتاج.

من الأمثلة على ذلك فقاعة "دوت كوم" التي نمَت في أواخر التسعينيات وانفجرت قبل ركود العام 2001. ورُصد أيضاً تراكم هائل في مجال قروض الرهن العقاري الذي سبق الركود العظيم بين 2007 و2009، عندما حصل كثير من الأميركيين على قروض عقارية لم يتمكنوا من تحملها، وتمّ تقديمها للمستثمرين كأوراق مالية عالية الجودة.

استمر ركود فترة 2007-2009 مدة 18 شهراً، ما يجعله الأطول منذ الكساد العظيم. وعلى النقيض من ذلك، استمر ركود العام 1980 ستة أشهر فقط ،كما كان الركود القصير نسبياً والخفيف عام 2001، محصوراً إلى حد كبير في قطاع التكنولوجيا، مع تداعيات متواضعة على بقية قطاعات الاقتصاد.

ووفقًا لصندوق النقد الدولي فقد عاش العالم أربع فترات من الركود كانت الأولى في العام 1975 أما الثانية فقد عاشها العالم في العام 1982 والثالثة كانت في العام 1991، أما الثالثة فقد مرت على العالم في العام 2009 حيث يعد صندوق النقد الدولي أن الأزمة الاقتصادية العالمية التي شهدها على العالم عام 2009 هو الأعمق والأوسع والأكثر تأثيرًا على الاقتصاد العالمي، حيث حاولت السطات الفدرالية احتواء الأزمة عبر تخفيض أسعار الفائدة واقرار سياسات فدرالية شجعت على تملك المنازل والعقارات لتخفيف آثار الأزمة التي لحقت بقطاع العقارات. الإقتصاد العالمي 2020 في حالة صدمة

أشاع ما يُسمّى "الاعتدال العظيم" و هو فترة تقارب 25 عاماً من الاستقرار النسبي حول العالم، بدءاً من منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وجهة نظر مفادها أن فترات الركود الحالية لا تحدث من دون "صدمة غير متوقعة للاقتصاد لها عواقب دائمة، مثل الزيادة الحادة في أسعار النفط " التي تسببت بالركود الأميركي في السبعينيات والثمانينيات، أو" الاختلالات المتراكمة التي لم يعد بالإمكان تجاهلها".

و للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنوات و في ظل تعثر النشاط الاقتصادي العالمي ،أعلنت وكالة الطاقة الدولية ،عن توقعاتها بانكماش الطلب على النفط في عام 2020 ،إذ توقعت أن يبلغ الطلب على النفط 99.9 مليون برميل يوميا في 2020، لتخفض بذلك توقعاتها السنوية بقرابة مليون برميل يوميا، وتشير إلى انكماش قدره 90 ألف برميل يوميا، في أول تراجع للطلب منذ عام 2009.

و سجّلت أسعار النفط تراجعا بأكثر من 7% ،على خلفية تقارير أشارت إلى انتهاء المحادثات بين منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وروسيا بشأن خفض الإنتاج رداً على انخفاض الطلب بسبب كورونا المستجد بدون اتفاق.

و تزامناً مع تجاوز عدد المصابين بفيروس كورونا المستجدّ الـ100 الف شخص ،سجّلت أسواق المال العالمية في نيويورك وفرانكفورت وباريس ومدريد وميلانو ولندن تراجعاً ،كما نظيراتها الاسيوية ،ما يؤكد الخشية من عواقب اقتصادية على المدى الطويل في جميع أنحاء العالم.

وحذّرت وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد اند بورز" ،من أن الوباء قد يكلّف اقتصادات منطقة آسيا-المحيط الهادئ هذا العام 211 مليار دولار وقد يخفّض نموّها إلى أدنى مستوياته منذ أكثر من 10 سنوات ،في حين أكدت مديرة صندوق النقد الدولي ،كريستالينا غورغييفا ،أن الصندوق يعمل على جمع المعطيات اللازمة لتقييم التأثير الكامل لفيروس كورونا المستجد. 

وأوضحت غورغييفا أنه في حين تشير التوقعات إلى تعافي الاقتصاد الصيني بسرعة مع استعداد المصانع للتعويض عن الوقت الضائع وإعادة تزويد المستودعات بالبضائع ،إلا أن السيناريو الأقرب للحدوث هو أن نشهد هبوطا حادّا ثم انتعاشا سريعا للأنشطة الاقتصادية ،على حدّ تعبيرها.

 وقالت "إن السيناريو المرجّح هو أن نرى تغيّرا على شكل حرف V أي هبوط حاد في الأنشطة الاقتصادية في الصين يعقبه انتعاش سريع واحتواء تأثير الهبوط على الاقتصاد الصيني وبالتالي على الاقتصاد العالمي ككل." 

و يرى مراقبون أنه و مع هبوط معدل التنمية العالمية نتيجة الى الكورونا و هبوط الاقتصاد الصيني سيزيد ازمة العديد من الدول الاوروبية ،خاصة منها ألمانيا و إيطاليا ،مع تقلص أعمال الشركات والقطاعات الإنتاجية وما نتج عنه أيضاً من انهيار لأسواق الأسهم وإلغاء للرحلات الجوية والشحن إلى العديد من البلدان.

و كشف تقرير لصحيفة فايننشال تايمز” البريطانية ،أن مسح سينتكس للمستثمرين سجل أكبر انخفاض شهري له على الاطلاق في مؤشر المعنويات لاقتصاد منطقة اليورو ، والذي انخفض بنسبة 22.3 نقطة إلى ناقص 17.1 ، وهو أدنى مستوى له منذ أزمة الديون السيادية للتكتل في عام 2013.

ذعر في الأسواق المالية مع ارتفاع مؤشر «فيكس/الخوف»

تراجعت مؤشرات الأسهم الأمريكية الرئيسية وخسر المؤشر داو جونز الصناعي ألفي نقطة ، مع تفاقم المخاوف من ركود عالمي وسط نزول بنسبة 22% في أسعار النفط والانتشار الفائق السرعة لفيروس كورونا.

وهبط مؤشر ستاندرد آند بورز 500 القياسي 7%، ما أدى لوقف تلقائي لمدة 15 دقيقة، وهو الأمر الذي جرى استحداثه بعد الأزمة المالية العالمية في 2008 و2009.

وقال بنك أوف أمريكا، الجمعة، إن أسواق الأسهم تشهد موجة بيع منذ منتصف فبراير/شباط الماضي، ما أفقد السوق نحو 6.5 تريليون دولار من قيمتها؛ إذ يتزايد عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا بوتيرة أكبر

و أظهرت بيانات صادرة عن مؤشر "ثينتكس"  أن الثقة في اقتصاد منطقة اليورو تراجعت إلى سالب 17.1 نقطة خلال شهر مارس/آذار الجاري، مقابل 5.2 نقطة المسجلة في فبراير/شباط الماضي.

وكانت تقديرات المحللين تشير إلى أن مؤشر "ثينتكس" والذي يقيس مدى ثقة المستثمرين في اقتصاد منطقة اليورو سوف يتراجع إلى سالب 11 نقطة خلال الشهر الجاري.

وانخفض مؤشر الثقة في الوضع الحالي لاقتصاد منطقة اليورو خلال الشهر الجاري إلى سالب 14.3 نقطة مقابل 4 نقاط المسجلة في الشهر الماضي.

أما مؤشر التوقعات المستقبلية فسجل هبوط إلى سالب 20 نقطة خلال الشهر الحالي مقابل 6.5 نقطة المسجلة خلال الشهر الماضي، وهي الأدنى منذ أغسطس /آب 2012.

 وعالمياً، تراجع مؤشر ثقة المستثمرين إلى سالب 12 نقطة في الشهر الجاري مقابل 8.1 نقطة في فبراير/شباط الماضي، وهو أكبر هبوط شهري على الإطلاق.

وأوضح التقرير أن تطورات فيروس كورونا ترجح دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود، مع تراجع الثقة في كل مناطق العالم.

و منذ بدء أزمة كورونا انخفضت الأسهم الأوروبية ،بعد بيانات تظهر تراجعا في النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة ،تراجع المؤشر ستوكس 600 الأوروبي 0.5 في المئة، ليختم أسبوعا اتسم بالتقلبات على انخفاض 0.6 في المئة بعد مكاسب لأسبوعين.

وقادت أسهم قطاع السيارات الخسائر، إذ فقدت 1.9 في المئة في أسوأ جلسة لها في أربعة أسابيع ،كما تراجع المؤشر الرئيسي لبورصة فرانكفورت، الغني بأسهم شركات صناعة السيارات والشاحنات، 0.6 في المئة ،كما تضرر قطاع الطاقة من هبوط في أسعار النفط.

وتراجع سهم مجموعة بوربري البريطانية للمنتجات الفاخرة 2.6 في المئة بعد أن خفضت جيفريز هدفها لسعر السهم، قائلة إنها أحد أكثر العلامات التجارية انكشافا على تفشي فيروس كورونا ،في المقابل ارتفع مؤشر «فيكس»، الذي يلقب بمؤشر الخوف، ويقيس تذبذب القيم المتداولة ببورصة «وول ستريت» بالولايات المتحدة الأمريكية، بشكل ملحوظ، إذ انتقل من أقل من 15 في المائة إلى أزيد من 30، وهو المستوى الذي ينذر بالخطر، إذ أن ارتفاع هذا المؤشر يعني أن قيم الأسهم المتداولة تعرف تغيرات سريعة.

و يمثل معيارا لقياس شعور السوق بشكل عام، ويمكن من خلاله معرفة إذا كان المستثمرين يتجهون خلال المستقبل المنظور “30 يوما القادمة” لشراء أسهم الشركات أم سيبيعون بسبب مخاوف مالية واقتصادية مثل إمكانية اندلاع الأزمة المالية على سبيل المثال.

و عندما يتجه مؤشر فيكس VIX إلى الإرتفاع فهذا يعني أن هناك مخاطر واحتمال متزايد لحدوث تصحيح كبير موجة تراجع للأسهم كبيرة ومستمرة لعدة أيام” أو حتى انهيار مالي واندلاع أزمة مالية جديدة.

هل تنتصر الصين ؟

تؤكِّد الأزمة الإنسانية التي تعيشها الصين حالياً بسبب فيروس "كورونا الجديد"، وتأثيرها الذي بدأ يلمسه العالم وتوقعات تفاقمه في الأيام المقبلة، القيمة الكبيرة التي يمثلها الاقتصاد الصيني بالنسبة إلى العالم، على الرغم من أنه لا يمكن التنبؤ بحجم الضرر الاقتصادي المتوقع على الاقتصاد العالمي بشكل عام، والاقتصاد الصيني بشكل خاص.

لكن و نتيجة الكورونا هبط الاستهلاك في الصين بنسبة 20% اي حوالي 2.8 مليون برميل باليوم علما بان السعودية والعراق هما اكبر مصدرين للنفط للصين ،فهي تحتاج استيراد حوالي 7 مليون برميل يوميا وبسعر 30 دولار مقابل حوالي 70 دولار قبل ازمة الكورونا اي ان فاتورة النفط ستنخفض ب 280 مليون دولار يوميا ، حوالي 100 مليار دولار سنويا  .

وثمة تقديرات أولية عن تأثير أزمة كورونا على الاقتصاد الصيني تؤكد على تضرر أكبر شركة ائتمان صينية "آي سي بي سي" بانخفاض أسهمها بنحو 11%، وانخفاض قيمة أسهم بنك التعمير الصيني 7.6%، فضلا عن مخاوف تتعلق بتعميق أزمة مديونية الشركات داخل الاقتصاد الصيني، وكذلك الدفع خلال الفترة المقبلة لموجة تضخم تضرب بعمق الاقتصاد الصيني نتيجة تراجع الإنتاج.

وخفضت الصين سعر الإقراض الرئيسي الشهر الماضي إذ تتحرك لخفض تكاليف تمويل الأنشطة التجارية ودعم الاقتصاد بعد التفشي الكبير لفيروس كورونا في البلاد، وذلك ضمن سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها السلطات لتخفيف الأثر على النمو.

وفي رسالة لبث الثقة في الاقتصاد العالمي، قال تشن يولو نائب محافظ بنك الشعب الصيني (البنك المركزي)، الشهر الماضي، إن تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد الصيني قصير الأمد ومحدود، وإن بكين واثقة تماما من انتصارها في الحرب على هذا الوباء.

ونقل التلفزيون المركزي الصيني (سي.سي.تي.في) عن تشن قوله إن الصين لديها أدوات كثيرة في مجال السياسة من أجل إدارة الاقتصاد كما أن سياستها النقدية التيسيرية لم يطرأ عليها تغيير

و يشمل تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي، تأثر الصين، كقوى عظمة في الاقتصاد العالمي، نتيجة احتلالها المركز الثاني للقوى الاقتصادية المصدرة عالميا ،مما أدى إلى انخفاض التجارة العالمية ،بسبب خفض المبيعات في العديد من الشركات العالمية، مثل شركات أبل وشيفرولية وأديداس، التي تتخذ من الصين مقرا رئيسيا لها، مما أثر بالسلب على الاقتصاد الأمريكي، مما ينتج عنه تفكير أصحاب الشركات العالمية في نقل مصانعها من الصين إلى دول أخرى لتفادي الأزمة، مما يؤدي إلى توزيع الاستثمار الأجنبي في العالم، وارتفاع اقتصاد الدول الاخرة.

في المقابل يرى مراقبون أن تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي يحمل إيجابيات، منها انخفاض أسعار مواد الطاقة المستخدمة في الصناعة بسبب خفض الطلب من الصين على المواد البترولية، مما أدى إلى انخفاض سعر برميل النفط من 52.5 دولار إلى 45.3 دولار.

لكن استعادة معدلات النمو ستحتاج لبعض الوقت، خاصة أن ثمة تنبؤات تذهب إلى أن معدل النمو في الاقتصاد الصيني سيكون عند 1% خلال الربع الأول من 2020، وفق سيناريو السيطرة على كورونا في الأجل القصير.
 
 
ومما يساعد على التعافي السريع للاقتصاد الصيني في ظل هذا السيناريو هو امتلاك البلاد بنية أساسية صلبة ومعرفية قوية يمكن من خلالها توفير قدر كبير من المرونة في جهازها الإنتاجي، وتعافي أسواقها الداخلية والخارجية.
 
وأغلب الظن أن الهبوط الصيني لن يكون خشناً خصوصاً إذا نظرنا إلى النصف الممتلئ من الكأس، وفيه تمكن ملاحظة عدد من الحقائق هي أنه على عكس الاقتصادات المتقدمة الكبرى التي استنفذت معظمها كل مخزونها من السياسة النقدية التقليدية بخفض أسعار الفائدة إلى الصفر، لا تزال الصين تتمتع بوفرة من الحوافز النقدية الاحتياطية في مواجهة الاضطرابات الدورية. 

ويمكن أن تلجأ الصين لهذا المخزون من دون أن تتوسع مالياً. والملاحظة الأخرى أن الصين أحدثت قدراً كبيراً من الارتباك في الداخل حين وصلت إلى وضعٍ معتاد من النمو، أما دولياً فيتلخص في المحاولات الأميركية لاحتواء هذا الصعود، ما يجعلها بحاجة إلى صدمة حتى تواصل صعودها.