لم يكن غارسيا لوركا الشاعر الوحيد الذي قتلته الظلامية، ولم يكن ماياكوفسكي وحده الذي غدرته الثورات فقرر الانتحار، ولم يكن خليل حاوي وحده المطعون حين وقف مذهولا أمام الخيانات فقرر تفجير رأسه برصاصة، ولم يكن مظفر النواب وحده الذي عانى من الاعتقالات والسجون، فعلى الطريقة ذاتها انتهت رحلة الشاعر الغاني "كوفي أونور" ، وربما كانت الأشد سوداوية، وأكثرها وجعا، بعد أن تمّ قتله على الملأ رميا بالرصاص وأمام أنظار العالم، على اثر الأحداث التي شهدتها العاصمة الكينية "نيروبي".

حينها خرج رئيس غانا، ليعلن خبر موت الشاعر الطفل والإنسان، على الفضائيات، وانه لمن المؤلم جدا أن يرثي رئيس دولة شاعر بلاده، وكأنه لم يستطع حمايته، وحماية الأطفال والرجال والنساء المسالمين، من همجية الظلاميين والقتلة والمجرمين والمتعصبين، أولئك الذين يريدون بناء المستقبل على بوابة المشي إلى الخلف، أو كأنّ لا روح لهم إلا أن يزيدوا إفريقيا أوجاعا وآلاما.

ولد شاعر الصحراء، والبساطة، في قرية ريفية تمتد في تخوم أراضي شعب الإيوي الذي تنتسب له عائلته، درس في جامعة غانا، وأكمل تعليمه في لندن والولايات المتحدة الأمريكية، وهناك تعرض للإهانة والتمييز العنصري، ورأى بعينيه عذابات الإفريقيين وما يلاقونه من سوء معاملة كالاستغلال والاحتقار والإذلال، وإضافة إلى ذلك، احتك بالعديد من الثقافات الإنسانية الأخرى حيث مكنته من صقل معارفه ونحت خصوصية لشخصيته كي تميزه عن الآخرين.

بدأت تجربته السياسية والشعرية تكتمل في الجامعة، وكان له أن يشهد ميلاد مجموعته الإبداعية الأولى في سنة 1964، وبعدها أصدر العديد من الدواوين والروايات والمقالات وبعض البحوث الجامعية والأكاديمية، وهو برغم احتكاكه المتواصل بالتجارب الإنسانية الأخرى، إلا أن شعره ظل وفيا لأصوله الأولى، إذ ظل بسيطا كي يصل إلى كل الناس، فتغنى بحياتهم والتزم بقضاياهم، ويرى البعض أن السحر الذي عرفته مجموعاته الشعرية كامن في أسلوبه وأنماطه التعبيرية، حيث أنه ضرب عميقا في الشفوية، وذهب إلى أعماق الشفافية الإنسانية الخالية من السيطرة والضغينة والحقد ومشاهد القتل والتخريب والدمار، خاصة تلك التي شهدتها بلاده.

إن سنة 2013 لن تنسى من ذاكرة الغانيين، حيث تمكنت المجموعات المسلحة الصومالية من الدخول إلى العاصمة الغينية، وقتل عدد لا بأس به من الأبرياء، وحدث أن كان هذا الشاعر واحد من أولئك الذين لقوا حتفهم.  حينها أعلن رئيس غانا "جون درامانى ماهاما"، خبر وفاة الشاعر في الهجوم،  وعبر عن صدمته إزاء سماع النبأ القاصم، حيث كان برفقة نجله الذي أصيب هو الآخر جراء هذا الحادث، ولكنه خرج من المستشفى بعد تلقى العلاج اللازم.  

 وكان "أونور" هو ممثل غانا لدى الأمم المتحدة، في ظل رئاسة "جيرى رولينغز "من 1990 إلى 1994، وكان أيضا رئيس مجلس الدولة، وهو هيئة استشارية للرئيس في عهد الرئيس السابق جون "أتا ميلز". وعرف عنه، أنه درس في بريطانيا وعمل لدى هيئة الإذاعة البريطانية، وعرف عليه أيضا، أنه جرب المنفى، إذ نفي خارج البلاد بعد وقت قصير من الإطاحة بالرئيس "كوامي نكروما" في سنة 1966، ولم يعد لغانا إلا في سنة 1975، ليواجه السجن على اثر تهمة قالت بالاشتباه في تورطه لإحداث انقلاب، وهو ما جعله يمضي عشرة أشهر سجينا، وتجدر الإشارة إلى أنه كان سياسيا محترفا حتى أنه مثل بلاده كسفير لها لدى الأمم المتحدة في فترة ما بين 1990 و1994. وبعدها كان أن جاءت رصاصة الغدر لتضع حدا لمسيرته الشعرية والنضالية.