من الواضح أن التفشي السريع و المتواصل للفيروس التاجي يؤدي إلى تعطيل التصنيع وسلاسل القيمة العالمية، مما سيتسبب في عواقب وخيمة على الشركات والمستهلكين والاقتصاد العالمي. و يعتبر انخفاض الطلب أول ناقوس خطر أطلق بقوة و كان له الأثر الكبير و الحاد و يمثل انخفاض أسعار النفط في ذروة الحظر الشامل في أبريل 2020، إلى مستويات متدنية جدا ما دون الصفر، أكبر دليل على عمق الأزمة و شدة "القطيعة".

و اعتبرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد في تصريحات سابقة نهاية الأسبوع الماضي، أنّ الأزمة الاقتصادية التي تسبب بها تفشي وباء كوفيد-19 ستدخل "تحوّلات عميقة في الاقتصاد العالمي ". وقالت لاغارد “نقدّر حاليا أن تسفر الأزمة عن انكماش على مستوى سلاسل الإمداد بنسبة 35% وزيادة التعويل على الروبوتات في المصانع بنسبة 70 إلى 75" .وفي ظل إجراءات العزل التي خضع لها معظم سكان العالم، شهدت التجارة الالكترونية تقدماً ملحوظاً.

موجة عدوى ثانية و تواصل الإغلاق في كبرى الاقتصادات

و لكن مع التفشي المستمر و الذي اعتبره الخبراء "موجة ثانية من العدوى" في جميع أنحاء العالم، وارتفاع كبير في الإصابات في الدول التي شهدت تسطح الرسم البياني من قبل، بما في ذلك أكثر من اثنتي عشرة ولاية أمريكية. إضافة إلى الارتفاع الكبير في عدد الحالات في ملبورن بأستراليا، أعلن المسؤولون الحكوميون إغلاق الحدود بين الولايات الأكثر اكتظاظا بالسكان، نيو ساوث ويلز وفيكتوريا، للمرة الأولى منذ 100 عام. و من المتوقع أن تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة المشاكل الاقتصادية في المنطقة، حيث تتجه البلاد إلى منطقة الركود الاقتصادي لأول مرة منذ ما يقرب من 30 عامًا.

وأعلنت وزارة التجارة الأمريكية ارتفاع العجز التجاري للولايات المتحدة في مايو الماضي مع تراجع الصادرات إلى أدنى مستوياتها منذ 2009 بفعل جائحة كوفيد-19، مما يعزز التوقعات بأن ينكمش الاقتصاد في الربع الثاني من العام بأشد وتيرة له منذ الكساد العظيم. وقالت في اخر تصريحات لها ، الخميس الماضي 02 يوليو، إن العجز التجاري زاد 9.7% إلى 54.6 مليار دولار.

ويتوقع بنك أتلانتا الاحتياطي الاتحادي تراجع الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي غير مسبوق سيبلغ 36.8% في  الربع الثاني من 2020. وانكمش الاقتصاد الأمريكي 5% في الربع الأول، وهو أشد تراجع منذ ركود ما بين 2007 و2009. فيما سجل الدولار الأمريكي أمس الأربعاء تراجعاً إلى أدنى مستوياته في أسبوعين.


منطقة اليورو تسجل ركودا كبيرا" فاق التوقعات"

قالت المفوضية الأوروبية ،الثلاثاء، إن اقتصادات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تتجه خلال العام الحالي إلى تسجيل ركود كبير يفوق التوقعات السابقة بسبب تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19). وأكدت الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي في بيان أن تداعيات جائحة الفيروس التاجي على النشاط الاقتصادي في أوروبا خلال العام الحالي ستكون أكثر قوة مما كان متوقعا.

وأوضحت أن التوقعات الجديدة ترجح أن ينكمش أن اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 8,7% في العام الجاري قبل أن يسجل نموا بنسبة 6,1 % العام المقبل 2021 مضيفة  أنه يتوقع أيضا أن تتراجع اقتصادات الاتحاد الأوروبي بنسبة 8,3 % في 2020 قبل أن تنمو بنسب 5,8 % في عام 2021.

وهناك ثلاث دول متضررة بشكل خاص من الركود هي إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، مع تراجع إجمالي الناتج الداخلي بأكثر من 10% في 2020. وستشهد إيطاليا تراجع إجمالي الناتج الداخلي لديها بنسبة 11,2% في 2020 قبل أن يتحسن في 2021 (+6,1%)، فيما سيتراجع في إسبانيا بنسبة 10,9% في 2020 ثم يتحسن في السنة التالية ليصل إلى +7,1%. أما في فرنسا فيمكن أن يتراجع بنسبة 10,6% هذه السنة ثم ينتعش ليصل إلى 7,6% العام التالي.


الإغلاق الاقتصادي يتسبب في مجاعة "قاتلة"

أعلن برنامج الغذاء العالمي أنه سيزيد كثيرا مساعداته الغذائية لخدمة ما يصل إلى 138 مليون شخص هذا العام، مع زيادة عدد الجوعى بسبب الإغلاق وفقدان الوظائف نتيجة للوباء، واصفا ذلك بأنه أكبر عدد من الأشخاص الذين يغيثهم من الجوع في عام واحد منذ إنشائه عام 1961.

و حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في تقرير لها، من أن النقص الكبير في المساعدات الإنسانية في اليمن على خلفية فيروس كوفيد-19 يهدّد أعداداً إضافية من الأطفال بالموت جرّاء سوء التغذية في البلد الغارق بالحرب. وبين  تقرير صادر عن يونيسف ارتفاع بنسبة 20 في المئة في عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية دون سن الخامسة، أي ما يقرب من نصف عدد الأطفال في هذا العمر. وقالت مندوبة يونيسف في اليمن، سارة بيزولو نيانتي: "إذا لم نتلق تمويلاً عاجلاً، فسيجد الأطفال أنفسهم على شفا المجاعة وسيتوفى الكثيرون". فيما قالت الأمم المتحدة إنها لا تملك التمويل الكافي للحفاظ على تدفق المساعدات.

كما تهدد المجاعة مناطق كثيرة في إفريقيا قد تطال 5 ملايين إنسان، جراء اجتياح الجراد لها وهو ما يعد خطرا آخر ينضاف إلى جائحة كورونا التي تهدد حياة الناس في هذه القارة. و أكدت لجنة الإنقاذ الدولية إن سكان شرق أفريقيا يعانون من خطرين، جائحة كورونا وأسراب الجراد، في الوقت الذي تعاني منه هذه المنطقة من انعدام الأمن الغذائي.

قطيعة عالمية كبيرة كسرت كل السلاسل و الإمدادات و أحدثت شللا في التواصل العالمي لأجل مجابهة هذه الأزمة الفيروسية الحادة بأكثر فعالية، تدفع بالاقتصاد العالمي بقوة إلى أخطر ركود يشهده على مر التاريخ.