كان الشاب عادل مكرشب يعيش بسلام مع أسرته ويزاول عمله في أحد فروع البريد اليمني في المدينة، وكانت الميليشيا قد بدأت مضايقته في عمله وابتزازه مثلما فعلت مع كل الموظفين الحكوميين المناهضين لانقلابها على الشرعية.
كان عادل مكرشب يعلم أن ثمن معارضته لفرض ميليشيا إيران في اليمن سياساتها على مؤسسة البريد التي يعمل بها سيكون باهظاً، لذلك فضل الاعتكاف في بيته منتظراً أي ضوء في الأفق يغير الحال المظلم الذي خلقته الجماعة الإرهابية، ولم يكن يعلم أن ليلاً قاتماً ينتظره.
وذات يوم خرج عادل من منزله لشراء وجبة عشاء لأسرته ليفاجأ بعصابة تابعة للحوثيين يقودها أحد مشرفيهم بالمدينة تنتظره عند الباب، حيث قاموا باعتقاله وربط يديه وعينيه وأخذه لجهة مجهولة ثم لسجن الأمن السياسي.
وروى عادل قصة اعتقاله لصحيفة «البيان» الإماراتية قائلاً: «أخذوني مقيدَ الأيدي، مغمض العينين للتحقيق، ومن ثم نقلوني لزنزانة أنا وبعض المعتقلين، كان من بينهم الآن وكيل أول محافظة الحديدة وليد القديمي».
ويضيف: «استمرت فترة بقائي في سجن الأمن السياسي بالحديدة ثلاثة أشهر ونصف تعرضت خلالها لأفظع السباب والشتائم»، ويتابع: «مضوا بنا إلى صنعاء، سجن الأمن السياسي تحديداً لتبدأ قصة معاناة جديدة ليست كسابقتها، وهناك قضيت سنتين من الزمان في أقبية تسمى بالزنازين، التي تحرم فيها من الشمس والضوء، وفيها الماء غير الصالح للشرب، والأكل السيئ والضرب المبرح. ولا تسمع في تلك الزنازين إلا البكاء والأنين وصرخات استغاثة المعتقلين».
ويقول: «كل ذلك كان لي منه نصيب وحظ وافر، ولم أكن بمنأى عنه، فبعد سنتين ونصف وخروجي من ذلك القبو اللعين وخلاصي من تلك الميليشيا اللعينة، أعاني من ضعف في السمع والبصر وفقدان لحاستي الشم والطعم.. فقدت وظيفتي ومصدر رزقي واستنزفت كل ما أملك وتمتلكه أسرتي».
وقال: «لن أنسى منظر أمي التي شج رأسها إثر سقوطها وهي بين الزحام تبحث وتتفرس في الوجوه من خلف القضبان باحثة عن ولدها، وحين رأته بعينها المبصرة الوحيدة ابتسمت وصاحت عادل، فرد عليها رجل آخر أنا لست ابنك، انتظري قليلاً، الآن سيأتون بابنك، ما زالوا يحاولون فتح قيده.. وعندما جئت ورأيت أمي لم أدرِ هل أسعد وأضحك أم أبكي لشوقي إليها وعدم مقدرتي على ملامستها، غير أني رأيت جيداً قطرات الدم تتساقط في الأرض وتسيل من جانب جفنها.. حينها صمتُّ وابتسمت وأشرت للمشرف إلى الدم الذي يسيل من وجه أمي، فرد بصوت مرتفع: انتهت الزيارة، وأخذوني لزنزانتي وضجيج بكاء أمي يثقل كاهلي والحشرجة تملأ صدري، ولم أفق إلا بعد ساعات وأنا مرمي في أرض الزنزانة، حينها أدركت أني أغمي عليّ بعد ذلك الموقف».
ويشير عادل مكرشب إلى أن ما سرده هو جزء بسيط مما تمارسه ميليشيا الحوثي في سجونها ضد المعتقلين الأبرياء.