منذ ثورة عام 2011 ضد معمر القذافي ، يلوم الليبيون العديد من الفاعلين الخارجيين على مشاكلهم المستمرة.

في كثير من الأحيان ، تمت المبالغة في هذه المشاكل واستخدامها كذريعة للتخفيف من التنازلات الصعبة التي يتعين على الليبيين أنفسهم القيام بها لتحقيق سلام مستدام.

لكن على مدار العام الماضي ، لعبت كل من فرنسا وإيطاليا دوراً أكثر تدخلاً في السياسة الليبية ، مما أدى إلى تقويض مبادرة السلام التي تقودها الأمم المتحدة بدلاً من دعمها.

الحكومة الإيطالية الشعبوية الجديدة أدخلت إجراءات جديدة في مجال الهجرة تنذر بإبقاء مئات آلاف اللاجئين عالقين في ليبيا ، ما ينذر بنتائج كارثية محتملة .

في الوقت نفسه ، فإن التنافس الفرنسي الإيطالي بشأن الهجرة ومستقبل أوروبا ، ومسألة من يجب أن يكون الصوت الدولي الرائد لشؤون ليبيا - باريس أو روما -  يعقد أكثر مشاكل ليبيا الخطيرة أصلا.

تستعد إيطاليا الآن لتنظيم مؤتمر دولي حول ليبيا ، مقرر من 12 إلى 13 نوفمبر.  أمام روما فرصة لمساعدة الأمم المتحدة على الدفع بعناصر عديدة هامة في خطتها السلمية ، بما في ذلك تنظيم الانتخابات الوطنية الليبية والوصول إلى ترتيب أمني دائم.

وعلى العكس من ذلك، إذا استخدمت الحكومة الإيطالية مؤتمرها لتهميش مبعوث الامم المتحدة ليبيا غسان سلامة، والدخول في حرب مفتوحة مع الفرنسيين، والترويج لسياساتها بشأن الهجرة ، فإنه ستعزز دائرة الخلط السياسي و الفوضى في ليبيا.

لطالما كانت ليبيا مهمة لإيطاليا.  هذه المستعمرة الإيطالية السابقة ، أصبحت الآن دولة عبور رئيسية للهجرة الأفريقية نحو أوروبا وموردا رئيسيا للنفط والغاز الطبيعي بالنسبة لإيطاليا.  مصلحة روما في ليبيا نمت فقط منذ 2014 2015 /، عندما بدأ مئات الآلاف من المهاجرين، ومعظمهم من أجزاء أخرى من أفريقيا، في الوصول من ليبيا لمحاولة العبور إلى أوروبا.

الحكومة الايطالية الحالية هي ائتلاف شعبوي بين الجناح اليساري : حركة خمس نجوم (M5S)  والرابطة اليمينية . ومنذ توليها مهامها في يونيو، جعلت الحكومة، التي يقودها وزير الداخلية المعادي للهجرة ماتيو سالفيني ، من الحد من الهجرة أولوية قصوى لها

ورغم أن عدد المهاجرين كان في تراجع فعلا ، نهج سالفيني سياسة جديدة برفض جميع قوارب المهاجرين بما فيها السفن الإنسانية التي تديرها المنظمات غير الحكومية حتى توافق الدول الأوروبية الأخرى على استقبال أعداد أكبر .

ونتيجة لهذه القيود أصبحت عمليات الغرق أكثر تواترا في صفوف المهاجرين، وقد أشارت  دراسة إلى تسجيل ثماني وفيات في البحر يوميا منذ بدء السياسة الإيطالية الجديدة، بالمقارنة مع ثلاث حالات فقط يوميا العام الماضي.

يمكن لسياسة الهجرة الإيطالية الجديدة أن تحدث آثاراً كارثية في ليبيا . ليبيا موطن بالفعل لأكثر من 650 ألف مهاجر ، وسياسة روما بشأن الهجرة ستجبرهم على البقاء هناك ، وهو ما يزيد الوضع سوءا في مخيمات اللجوء ، ويعرض اللاجئين لأشكال مختلفة من الاستغلال.

الخطوات الأخرى التي اتخذتها إيطاليا أو اقترحتها - بما في ذلك تمويل خفر السواحل الليبي لاعتراض المهاجرين في البحر ونشر وحدات إيطالية لمراقبة طرق التهريب في الجنوب الليبي ، من شأنها أن تخلق استقطابا أكثر حدة في ليبيا.

من أجل ضمان مصالحها في البلاد ، سعت روما أيضا إلى الاستيلاء على المبادرة الدبلوماسية.  ففي 31 يوليو، زار رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي - المبتدئ سياسيا  والمدفوع إلى الواجهة من قبل سالفيني وزعيم جناح 5 نجوم لويجي دي مايو ، زار البيت الأبيض، حيث أعلن أن بلاده ستعقد مؤتمرا حول ليبيا، المقرر إجراؤها في 12-13 نوفمبر في باليرمو .  وأشاد ترامب بالحكومة الإيطالية وأقر "بالدور القيادي لإيطاليا في تحقيق الاستقرار في ليبيا وشمال إفريقيا".

كان هذا تأييدا حاسما لكونتي ، الذي يسعى إلى إزاحة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من مقعده كأهم قائد أوروبي في ليبيا.  ماكرون ، ينظر إلى ليبيا ، منذ استلامه السلطة ، على أنها ساحة يستطيع فيها إثبات سياسته "حسن نية" الخارجية.

في يوليو 2017 ، استضاف ماكرون لقاء في باريس بين رئيس الوزراء الليبي فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا - والذي يسيطر على طرابلس ولكن سلطته نسبية ومحدودة الفعلية - و القائد القوي في شرق البلاد الجنرال خليفة حفتر ، وذلك في جهد لتنسيق وقف لإطلاق النار وخطة للانتخابات الوطنية.

غير أن المبادرة لم يتم التنسيق لها بشكل جيد مع المجموعة الدولية ، التي ألقت بثقلها وراء إخطة العمل الأممية التي أعلنها غسان سلامة في سبتمبر 2017.

خطة العمل هذه دعت إلى تحديث وقف النار المتعثر لعام 2015 ، ومؤتمر وطني شامل، والتوصل إلى اتفاق بين الفصائل المتناحرة في ليبيا للموافقة على الدستور الجديد وقانون الانتخابات، والتحضير لانتخابات بحلول نهاية عام 2018.

عمل سلامة بلا كلل خلال العام الماضي لتوحيد ليبيا من خلال عملية الأمم المتحدة الرسمية . وعلى الرغم من أن فرنسا تدّعي أنها تساعد سلامة،  فإن جهودها الدبلوماسية المنسقة بشكل فضفاض تسمح لفصائل ليبيا للإيقاع بينها وبين الأمم المتحدة ، وأنصارها الرئيسين في الغرب.

في مايو 2018، وجه ماكرون دعوة للزعماء الليبيين ، بمن فيهم السراج وحفتر، إلى باريس للتوقيع على خريطة لاجراء الانتخابات قبل 10 ديسمبر، وهو تاريخ اعتُبر على نطاق واسع غير عملي.

سعى ماكرون لإطلاق خطة الأمم المتحدة ، إلا أنه لم يزد بذلك سوى من الذرائع للمعرقلين في ليبيا (بمن فيهم أولئك الذين لم يُدْعَوا إلى باريس) للتشكيك في التفاوض مع الأمم المتحدة.

علاوة على ذلك ، وفي ضربة للحكومة الإيطالية القادمة ، قرر ماكرون عقد القمة قبل تشكيل الائتلاف الجديد (في إيطاليا) بحيث لا يمكن لأعضائها الحضور والمشاركة على المستوى السياسي.

السياسة وليس المصالح

جادل كثيرون ، بمن فيهم مسؤولون فرنسيون وإيطاليون ، بأن نزاعهم حول ليبيا هو نتاج لتضارب المصالح بين فرنسا و إيطاليا في البلاد.

تكمن المصالح الاقتصادية لإيطاليا في طرابلس وغرب ليبيا ، الذي تسيطر عليه "حكومة الوفاق" ، بينما تهتم فرنسا بإحلال نوع من النظام في الجنوب الليبي الخارج عن القانون، ذلك أن تشابك مجموعة من العناصر كالمهربين والشبكات الإجرامية والإرهابيين يهدد مجال النفوذ التقليدي لفرنسا في منطقة الساحل ، حيث تنشر حاليا 4500 جندي.

هذا الأمر جعل فرنسا تفضل على مايبدو حفتر من منطلق الاعتقاد بأنه في موقع أفضل لاستعادة الأمن واستئصال الجهاديين الليبيين.

الفوارق الفرنسية الإيطالية تحركها السياسة أكثر من المصالح المتباينة

ومع ذلك ، فإن الفوارق الفرنسية الإيطالية تحركها السياسة أكثر من المصالح المتباينة في ليبيا. يعتبر ماكرون نفسه - وفرنسا - حامل لواء الاتحاد الأوروبي ، المدافع عن القيم الليبرالية والتعاون الدولي في وقت تتزايد فيه النزعة القومية الشعوبية.

وبطبيعة الحال ، يرى في الحكومة الإيطالية الجديدة تهديدًا لرؤيته السياسية.

في خطاب ألقاه في 21  يونيو ، شبّه ماكرون انتشار الشعوبية بـ "الجذام" ، وحذر الأوروبيين ضد أولئك الذين "يكرهون أوروبا" ، في إشارة مبطنة إلى الحكومة الإيطالية.

وقد رد نائب رئيس الوزراء الإيطالي لويجي دي مايو، زعيم جناح "خمس نجوم" بالقول : "إن الجذام الحقيقي هو النفاق" من جانب ماكرون ، الذي انتقد موقف إيطاليا من الهجرة لكنه رفض السماح لسفينة إنقاذ تحمل 600 مهاجر الرسو في فرنسا.

عزز ماكرون وجهة نظره في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ، قائلاً: "ستكون فرنسا هناك لضمان أن لا ينسى العالم أن دين القومية تفضي دائماً إلى الهاوية".

ومع استمرار السياسة الفرنسية بشأن ليبيا وسالفيني ، ووجود سالفيني الشخصية الأقوى في الائتلاف الإيطالي ، فمن المؤكد أن هذا التنافس سيستمر على حساب الليبيين.

كيف نضمن نجاح مؤتمر باليرومو ؟

يشكل المؤتمر المقرر في 12-13 نوفمبر في باليرمو فرصة لإيطاليا للإسهام في عملية السلام في ليبيا، ولكن فقط إذا كان كونتي وسالفيني سيثمنان شأن دور الأمم المتحدة ويقللان من المنافسة مع ماكرون.

على الرغم من عيوبه ، يبقى مسلسل الأمم المتحدة أفضل فرصة لاستقرار ليبيا.

أغلق سلامة بعض الفجوات المهمة بين الحكومتين المتنافستين في ليبيا وحدد الحواجز المتبقية.  إن البدء من الصفر مع عملية جديدة ( ومبعوث جديد) سيؤدي بلاشك إلى تجدد العنف وغياب المفاوضات.

يجب على الإيطاليين أن يدركوا أن تعزيز الدور القيادي لسلامة سيكون السبيل الوحيد للنهوض بمصالح روما الأساسية في مجال الهجرة والطاقة.

هناك مجالات محددة التي يمكن لمؤتمر باليرمو أن يساهم في مسلسل السلام.

بعد سنوات من تجاهل الميليشيات في البلاد إلى حد كبير لصالح الفصائل السياسية ، تفاوضت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على وقف إطلاق النار بين ميليشيات طرابلس.

وينبغي لإيطاليا أن تساعد المجتمع الدولي على البناء على وقف النار وتقديم خطة لنزع سلاح هذه الجماعات المسلحة وتسريح عناصرها وإعادة.

يمكن استخدام المؤتمر لتطوير آلية لاستدامة الحوار بين المجموعات في طرابلس وخارجها ، وتعزيز الدعم الدولي لهذا الجهد.

من جانبها ، يجب على إدارة ترامب دعم الاستقرار السياسي الليبي دون اللعب بين فرنسا وإيطاليا وغيرها من الأطراف الخارجية مثل مصر. لا تحتاج الولايات المتحدة إلى امتلاك الأزمة الليبية ، لكن عليها أن تلعب دوراً في حلها.

في شهر يوليو ، على سبيل المثال ، عندما سيطرت قوات حفتر على بعض الموانىء النفطية وهدد ببيع النفط خارج شركة النفط الوطنية الموالية لـ "حكومة الوفاق" ، ذكرت الولايات المتحدة أن مثل هذه المبيعات سوف تنتهك قرارات الأمم المتحدة ، وستعرض المشترين لعقوبات أميركية وأممية .

وقد عزز هذا شرعية عملية الأمم المتحدة وأجبر حفتر على التراجع.  لم يكن بوسع لا روما ولا باريس تحقيق تلك النتيجة دون تحذير دبلوماسي واقتصادي من الولايات المتحدة.

ينبغي على واشنطن أن تكون مستعدة بالمثل لمساعدة الأمم المتحدة على تثبيت موقفها ، بدلاً من السماح لباريس أو روما بـ "قرصنة" هذه العملية.

وبهذه الطريقة، يمكن لترامب تجنيب ليبيا التدخل العميق في حياتها السياسية المختلة من خلال تقديم مساهمة إيجابية في الوقت ذاته.


*طبقلم فيديريكا سايني فاسانوتي وبن فيشمان

**بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة