إن التطورات الأخيرة في ليبيا تجعل من الصعب التفاؤل بشأن بقاء البلد دولة موحدة ومستقرة. وقد تطور تهريب المهاجرين - إلى درجة يمكن مقارنتها بطريقة ما بتجارة الرقيق في القرنين السابع عشر والثامن عشر - مما أثار إنذارات مثيرة للقلق في جميع أنحاء منطقة البحر الأبيض المتوسط. ويتفاقم هذا الوضع في ليبيا نفسها، التي يبدو أنها تغرق في حالة فوضى دائمة تتسم بالقتال بين الميليشيات والعصابات والقبائل. الاشتباكات الأخيرة حول محطات النفط في خليج السدرة هي مجرد مثال على حالة عدم الاستقرار وانعدام القانون.

إن ما تفتقر إليه ليبيا اليوم هو قيادة قوية وحازمة تمكنها ولاية ديمقراطية واسعة وبرنامج سياسي شامل من معالجة التدهور السريع في البلد. كانت هناك تكهنات كبيرة حول ما إذا كانت الدول الغربية ستوقف دعم المجلس الرئاسي الذي تدعمه الأمم المتحدة في طرابلس وتحول ولاءها إلى الرجل القوي شرق البلاد الجنرال خليفة حفتر.

ويرى البعض أن حفتر سيكون الشخص المناسب للحفاظ على البلاد موحدة وضمان قدر من الاستقرار، وبالتالي السماح بمعالجة تحديات الهجرة والإرهاب .

ولكن هذا سيكون الخيار الخاطئ. ليس لدى أحد اليوم في ليبيا القوة اللازمة لتحقيق النصر العسكري أو الحكم في البلد كله، والقتال وحده سيسبب أضرارا دائمة للنسيج الاجتماعي الليبي، مما يهدد استمرار حرب العصابات والإرهاب. وليس هناك بديل عن حل تفاوضي. ويتمثل التحدي في بلوغ هدف مستدام.

إيطاليا: تفاحة جيدة بين كثيرات سيئة

أصبحت ليبيا على نحو متزايد مسرح حرب بالوكالة بين الجهات الأجنبية الفاعلة. ولذلك، فإن وجود جبهة دولية موحدة أمر أساسي لنجاح المفاوضات الليبية حول مستقبل البلد. غير أن الإجراءات الدولية اتجهت مؤخرا إلى توليد ردود فعل سلبية أكثر من ردود الفعل الإيجابية.

لنأخذ على سبيل المثال إيطاليا. فقد دعمت روما المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة والمجلس الرئاسي منذ البداية.

لكن البعض في ليبيا وصفوا ذلك بالاستعمار الجديد.

في كانون الثاني / يناير، أصبحت إيطاليا أول دولة غربية تعلن عن إعادة فتح سفارتها في طرابلس، وهي خطوة محفوفة بالمخاطر، ومع ذلك، أرسلت إشارة قوية لدعم حكومة رئيس المجلس الرئاسي فايز سراج. وفي إشارة سابقة على حسن النية في عام 2016، أرسلت إيطاليا بعثة إلى مصراتة لتثبيت مستشفى ميداني لعلاج الجنود الجرحى الذين يقاتلون تنظيم داعش الذي أعلن سرت إمارة له . وبالنظر إلى عدم كفاية البنية التحتية الطبية في ليبيا، كانت هذه بادرة مهمة.

إلا أن بعض الأطراف الليبية انتقدت تورط إيطاليا. وعرضت الحكومة الإيطالية تركيب مستشفى ميداني للجيش الوطني الليبي التابع لحفتر، لكن هذا العرض قوبل بالرفض الشديد.

وكان رئيس حكومة ما يسمى حكومة الخلاص الوطني، وهي مؤسسة غير شرعية يزعم أنها كانت تحكم الجزء الغربي من البلاد في الفترة من 2014 إلى 2016، أخبر رئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني بشكل مفاجئ في كانون الثاني / يناير بضرورة "سحب قواته" من مصراتة بسبب تاريخ إيطاليا الاستعماري الفاشي". وفي الوقت نفسه، أصدر عبد الله الثني في طبرق مذكرة دبلوماسية عاجلة لجميع السفارات الأجنبية والمكاتب القنصلية تخبرهم بأن "سفينة عسكرية إيطالية محملة بالجنود والذخائر دخلت المياه الإقليمية الليبية"، مضيفا:" هذا انتهاك واضح لميثاق الأمم المتحدة وشكل من أشكال العدوان المتكرر".

كل هذا حدث بينما رست حاملة الطائرات الروسية الأدميرال كوزنيتزوف قبالة ليبيا، واستضافت المشير حفتر نفسه، الذي أفيد أنه وقع صفقات غير معروفة نيابة عن حكومة طبرق. النفاق أمر بديهي.

وما من شك في أن إيطاليا ارتكبت أخطاء جسيمة في الماضي، وكذلك في الآونة الأخيرة. ومع ذلك، من الصحيح أيضا أن سلوك روما تجاه ليبيا بعد عام 2011 كان الأكثر تماسكا وشفافية، ليس فقط بالكلمات ولكن بالأفعال. وهذا واضح في سلوك السفير الإيطالي في طرابلس جوسيبي بيرون.

وفي أوائل شباط / فبراير، سافر بيرون إلى طبرق للقاء رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وأعضاء آخرين في البرلمان سعيا للتوصل إلى حل سياسي. وبعيد الاحتلال المؤقت لعناصر سرايا الدفاع عن بنغازي للمحطات النفطية في مارس، باركت الحكومة الإيطالية تخلي  السرايا عن المحطات وعودتها إلى المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس ، ما سمح لحكومة الوفاق الوطني بمواصلة الاستفادة من إيرادات بيع النفط في خليج السدرة.

وفي حين يمكن مناقشة مدى حكمة النهج الإيطالي، فإنه بالتأكيد كان متماسكا وأسلوبا لا يمكن أن يطلق عليه استعمار جديد.

وتحاول إيطاليا إبقاء ليبيا في قلب الاهتمام الدولي، وقدمت مساعدات إنسانية كبيرة إلى البلد المحتاج عبر استضافة مئات الجرحى الليبيين الجرحى في مستشفياتها.

وتريد إيطاليا أن تحقق ليبيا الاستقرار والسلام، لأنها، على عكس العديد من الجهات الفاعلة الدولية الأخرى المشاركة في المسرح الليبي، تعترف بأهمية وجود ليبيا مستقرة وسلمية قادرة على إدارة أراضيها.

ليس لدى إيطاليا "مشروع استعماري"، ولا أي نية لإقامة محمية أو توسيع نفوذها على السواحل الليبية. وتدرك إيطاليا ببساطة أن مصير البلدين مرتبطان.

العمل معا

على مدى السنوات الست الماضية، تدخل العديد من اللاعبين في ليبيا دون مشروع مشترك فقط من أجل متابعة أهدافهم الخاصة . وقد أفسد ذلك تماما عملية الانتقاء الطبيعي على المستوى السياسي، أي لم يكن لصالح القائد الأكثر استحقاقا، ولكنه لصالح الأكثر من حيث الوسائل والأسلحة

وكانت الآثار مدمرة، بشكل سهل تفتيت المجتمع الليبي. يجب على جميع الأطراف الدولية المشاركة في ليبيا أن تسأل نفسها: إلى أين نتجه في ليبيا؟ وإذا كان الاستقرار والأمن في ليبيا هما الهدفان فعلا، حينها لا يوجد بديل للجهات الفاعلة الدولية، عن دعم المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة والاتفاق السياسي الليبي بصدق وباستمرار، مع إدخال جميع التصويبات والتعديلات اللازمة لتحسين وظيفتها وفعاليتها.

 

* مؤسسة Brookings مؤسسة أميركية بحثية عريقة احتفلت قبل أيام بمرور قرن على إنشائها

**بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين الأخبار والتقارير والمقالات المترجمة