تابعت بوابة أفريقيا الإخبارية إدراجين منفصلين على شبكة التواصل الاجتماعي الفيسبوك، لكل من الأخ أحمد قذاف الدم، المسؤول السابق في النظام الجماهيري، والمقرب من الدوائر الدبلوماسية والسياسية والعسكرية والأمنية. والمهندس علي أبوجازية المسؤول السابق كذلك في أجهزة الدولة الليبية والمطلع على كثير من الأمور. وللإدراجين أهمية قصوى في خضم الجدل الدائر حول تصريحات الرئيس التركي أردوغان المتعلقة بمسألة تقديم الدعم العسكري لمن أسماهم الليبيين من أصل تركي، ومواقف الحكومة التركية الداعم للمليشيات التي تقاتل الجيش في طرابلس بدعاوى عرقية.

على الرغم من كون الإدراجين لا يعالجان الدعاوى الأردوغانية بشكل مباشر، إلا إنهما يلقيان الضوء على بعض الجوانب التي ينبغي أن تعلمها الأجيال الحاضرة والقادمة. فقد أكد الأح أحمد قذاف الدم أن الضابط التركي أتاورك قد نُقل إلى ولاية طرابلس وشارك في تدريب الحامية التركية في عاصمة الولاية، كما قاد حامية بنغازي وشارك في المعارك ضد الطليان في بداية الغزو الإيطالي. وأضاف أن الشعب الليبي رد لأتاتورك هذا الصنيع، فتطوع آلاف الليبيين للقتال معه في الجيش التركي في جبهة البلقان وفي غيرها إبان الحرب العالمية الأولى، على الرغم من تخاذل تركيا وتسليمها ليبيا لإيطاليا بموجب اتفاقية أوشي لوزان.   "وعندما سلمت تركيا ليبيا لإيطاليا"، والكلام لقذاف الدم "تركت العديد من جنود الإنكشارية الذين خلعوا ملابسهم العسكرية وانتموا للقبائل الليبية .. وعاشوا معنا معززين مكرمين .. تماماً كما استقر عشرات الآلاف من المقاتلين الليبيين في تركيا الجديدة. وخاصة في أزمير"، وقد ـفصح الرجل عن معلومات غير متداولة ولم تقف عليها الكثير من الشباب وحتى من الأجيال الأكبر سناً عندما قال "وقد درست في تركيا وتعلمت لغتها .. وزرتهم (أي أحفاد المتطوعين اللييين في تركيا)، مع سفيرنا المرحوم، (سعد الدين بوشويرب) في السبعينيات .. وكان عددهم آنذاك 40000 أسرة" .

ولم يكتف بهذا الكم من المعلومات القيمة، بل واصل قائلاً "ولعل كثيرون لا يعرفون بأن السيد "أجاويد" رئيس الوزراء التركي في ذلك الوقت كان خال سفيرنا السيد "سعد الدين، وفي الستينيات كان رئيس الأركان التركي السيد "الجاضره" ... ليبي من قبيلة الحاسه"  أما عن دور فورة الفاتح في الوقوف مع تركيا فقد قال "ساندنا تركيا بعد ثورة الفاتح .. وساهمنا في تأسيس حزب السيد "أربكان" وساندناها في حربها في قبرص .. ودعمنا إنشاء الحزب الحاكم (أي حزب أردوغان)، الذي ينتمي روحياً لصديقنا "أربكان " رحمه الله .. ووقعنا عشرات المليارات من الدولارات لشركات تركية"  وأرجع سبب فتور العلاقات بعد تلك المرحلة والخلاف التي نشأت مع الأتراك إلى توطيد علاقاتهم مع الكيان الصهيوني المغتصب للأرض العربية.

أما أسباب العداء للحكومة التركية في العقد الأخير فبسبب "موقفها عام 2011 مع الحلف الأطلسي لتدمير ليبيا"، وانحيازها ضد مصلحة الشعب الليبي، ودعمها لحكومة جاءت على ظهر فرقاطة إيطالية. وبلغة يشتم منها الأسى والألم أردف قذاف الدم قائلاً "كنا نتوقع أن يكون موقف تركيا منحازاً لإرادة الليبيين، معتذراً عن جريمة تدمير ليبيا عام 2011 .. يقود مصالحة تحمي مصالح تركيا غداً .. تحقق الاستقرار في ليبيا والبحر المتوسط". وبكلمات ملؤها اليقين أكد بأن "غداً ستدخل القوات المسلحة طرابلس وسيسقط شعبنا حكومة "فيشي" .. وسيكون مصير الاتفاقية كمصير من وقع عليها .. وستعود العلاقات مع تركيا التي نعرفها وشعبها الطيب وستعود حليفاً للعرب والمسلمين" .

أخيراً أراد الكاتب أن يبعث بالرسالة التالية "بالامس كنت قلقا على ليبيا .. [أما] بعد كلام السيد أردوغان أصبحت اليوم قلقا على تركيا وشعبها من هذه السياسات والعقلية التي لن تاتي بالماضي .. ولن تصنع مستقبل .. ولا تحافظ على الاسلام .. الذي يُستهدف اليوم من عدو مشترك .. ننفذ جميعاً مخططا مرسوما منذ زمن وننزلق فيه جميعاً لا يفرق بين " طهران " ولا "الظهران" ولا الدوحة .. وانقرة .. ولا قاهرة المعز .. وما طرابلس الا محطة بعد بغداد ودمشق وهل تصل رسالتي لمن تهمه هذه الأمة".

أما المهندس علي أبوجازية فقد سرد في إدراجه بعض المعلومات المهمة حيث قال إن الدولة العثمانية جندت أعداداً لا حصر لها من الليبيين ونقلتهم مع أسرهم إلى تركيا طبلة فترة حكمها لليبيا التي استمرت ثلاثمائة وستين عاماً، حتى أن البعص يقدر أعداد الأتراك من أصل ليبي اليوم في تركيا بعدة ملايين. ولكنهم وللأسف الشديد ظلوا يعانون التجاهل والتهميش ونكران الجميل. ود ذكر المندس علي أولى زياراته إلى تركيا كانت "في أعقاب انقلاب كنعان أفران عام 1980.. بدعوة كريمة من المرحوم د عمران بن عيسى سفير ليبيا في تركيا آنذاك". وعن أجواء العلاقات السياسية بين البلدين قال "كانت العلاقات الليبية التركية في أوج [قوتها] بسبب الدعم الليبي لتركيا في حربها ضد اليونان المدعومة من بريطانيا والدول الغربية عام 1975، وتمثل هذا الدعم في تقديم سرب كامل من طائرات F5 الأمريكية لدعم المجهود الحربي التركي، بالإضافة إلى الدعم السياسي". وقد كان لهذا الموقف الليبي الداعم لتركيا صداه الطيب عند الجيش والشعب التركي كا سرد أبوجازية وقال "وذكر لي د عمران (سفير ليبيا في تركيا حينها) على الرغم من حظر التجول الذي فرضه الجيش إبان فترة الانقلاب، إلا إن الدبلوماسيين الليبيين كانوا يتحركون بكل "حرية في شوارع العاصمة أنقرة وسط تحية وترحيب الضباط والجنود الأتراك، وقد كانت سيارات السفارة الليبية هي سيارات الهيئة السياسية الوحيدة المسموح لها بالتجول في ساعات الحطر". وأضاف "وتعرفت على ... الليبيين المهجرين والمهاجرين إلى تركي، والذين بلغ عددهم في مدينة أزمير وحدها آنذاك 100.000 نسمة". وعن بؤس حياة الليبيين الأتراك روى المهندس أبوجازية القصة التالية "أقترح على د عمران القيام بزيارة قرية (كوزان) ... [التي يسكنها ليبيون] في ضواحي مدينة أضنا للإطلاع على نموذج لحياة بعض منهم، فرحبت على الفور، وذهبنا معا إلى أضنه وهناك قمنا بزيارة أحد المحامين من أصول ليبية طرابلسية، وكذلك تاجر قطن من عائلة عزوز ... ومختارة محلة في الستين من عمرها ... [وهما] من مدينة درنه .. وعرضنا عليهم مرافقتنا إلى الـ (كوزان) الليبي، فقبلوا بترحاب ... خرجنا من أضنه في المساء ووصلنا الكوزان الذي كان عبارة عن كوم من أكواخ الصفيح المتراصة مع المغرب.. فاستقبلنا رجال سمر [البشرة] يرتدون الشراويل السوداء التي نغطى أجسادهم من أقدامهم حتى صدورهم ..،وأظهرت ملابسهم الرثة وعلب الصفيح التي يقطنون بها مدى الفقر والعازة التي يعيشون فيها..لكن حرارة ترحابهم بنا وبزيارتنا والسعادة الغامرة التي استقبلونا بها عكست الحنين والشوق للأهل والوطن الذي سمعوا عنه ولم تطأه أقدامهم .. مع مغيب الشمس خرج طابور طويل من صبيان وفتيات القرية لتحيتنا.. كان أغلبهم يبدون دون العاشرة وقد غمر الحياء وجهوهم وتعثرت أقدامهم الصغيرة فعيونهم لم ترتفع لترى أكثر من موطئها…، كانت (قطاطي) الصبيان ــ وهي خصلة من الشعر طويلة في قمة الرأس لا تقص .. تنبئ بأنهم لم يختنوا بعد، وهذه عادة ليبية عرفناها في صغرنا، فعند الختان تقطع (القطاية) كما تقطع أشياء أخرى، كنسك ولإشهار الذكورة ــ ومع دخولنا لـ (الحلاق) ــ وهو (مربوعة) مسيجه بالصفيح دون أسقف ـــ اختفى الأطفال بهدوء ... وانتظمت جلستنا على (كنبات) متقابلين بما يسمح بوضع صفرتين للطعام الذي قدم لنا بعد فترة قليلة، وكان عبارة عن كسكي مبروم محليا من الشعير مفروشا في صفرة من الألمونيوم..، وأثناء تناول الوجبة التي رغم فقرها من المكملات كانت شهية ولذيذة، استمعنا أثناء ذلك لبعض القصائد التي ألقتها علينا أم المختارة الضريرة ... وبعد العشاء الذي كان تحت ضوء القمر فالقرية لم تعرف الكهرباء بعد، وقبل الانصراف..قدمني د عمران على أنني قادم من ليبيا وأنه يسعدني أن أنقل أية رسائل منهم ألى أهلهم في ليبيا .. وكانت القرية كلها تنتمي لقبيلة الجراره .. أعتقد أن موطنهم الأصلي كان ما بين سوكنه والشاطي ..فتحدث أحدهم بلهجة ليبية مفهومة بعد أن شكرنا على الزيارة قائلا. بإنهم رغم تحملهم لشظف العيش الذي شاهدناه، فإنهم يأملون تأمين مستقبل أبنائهم بأن تجبر الشركات التركية العاملة في ليبيا على تعيين بعض منهم .. الذين أنهوا الخدمة العسكرية وبقوا عاطلين عن العمل، لإن هذه الشركات تفضل الأتراك عليهم، رغم أنهم مواطنون في الدولة التركية!..فوعد المرحوم د عمران بالعمل على ذلك..،وهنا تدخلت بالسؤال، هل أولادكم يجيدون أعمال البناء؟ فأجابوا نعم … فقلت لما لا تؤسسوا شركة لكم تعمل في ليبيا بسواعد أبنائكم ودون الحاجة للأتراك؟!! قالوا لا نعرف، وليس لدينا المال .. فسألت المختارة هل يمكن أن تساعديهم في الوثائق؟.. أجابت وكيف لا؟!! ... ثم وجهت سؤالي إلى المحامي هل تستطيع أن تؤسس لهم شركة؟ قال لا توجد مشكلة إذا توفرت المصاريف ورأس المال المطلوب! عندها توجهت بالسؤال إلى عزوز تاجر القطن عن مدى إستعداده للمساهمة في تغطية رأس المال والمصاريف التي تحدث عنها المحامي وإن يكون شريكا؟.. فوافق.. قلت لهم والدكتور عمران سيتولى من عنده المساعدة بكل ما هو ممكن.. فاتفق الجميع على تأسيس الشركة بفرح من المضيفين..الذين فتحت زيادتنا أمامهم أمالاً جديدة في الخروج من حالة الفاقة والفقر التي يعيشونها في بلدهم التي لم يختاروها وتعاملهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية .. خرجت من عندهم وأنا أرثى لحالهم وتراودني الشكوك في أن ما اتفقنا عليه يمكن أن يرى النور رغم تأكيدات الدكتور عمران رحمه الله لي بأنه سيعمل كل ما في وسعه لضمان تنفيذ المقترح الذي وصفه بالرائع" ويبدو أن د عمران قد واصل العمل معهم فقد التقى المهندس على بواحد منهم في أحد احتفالات الفاتح وأخبره بأنهم تحصلوا على مشاريع في ليبيا وأن حالهم وحال قريتهم تغيرت رأساً على عقب. ويختتم المهندس علي قائلاً: "والحمد لله أن كانت بلادهم ليبيا التي أجبروا على مغادرتها مصدرا لسعادتهم ورفاههم بعد طول حرمان .. رحم الله أخونا دكتور عمران عيسى".

وبعد أن تابعنا ما ذكر في الإدراجين لابد من التأكيد على أن لبلادنا أيادٍ بيضاء على تركيا فنحن لم نتركها حتى بعد أن تركتنا وقاتل أهلنا معها إبان الحرب العالمية ودعمناها هي حربها مع اليونان وكان نكران الجميل عو الرد الذي انتاره أردوغان عام 2011. وعلى الليبيين الذين يراهنون على تركيا اليوم أن يتعظوا من دروس التاريخ، فهم ليسوا أول ليبيين يستخدمهم الأتراك. وما درس ليبيي أضنه ببعيد. وعلى أردوغان أن يخجل وأن بعرف أن مئات آلاف الليبيين أبناء القبائل العربية الليبية هم اليوم مواطنون أتراك. فلا تستقو على الليبيين ببعض منهم لأنك ستقع في المنزلق نفسه. فالحفر في التاريخ سلاح ذو حدين.