مع افتتاح السنة الدراسية الجديدة في تونس،تتزايد صيحات الفزع حيال مايتهدد "مدرسة الجمهورية" التي تعتبرها النخب التونسية أساسا لحداثة تونس وضمانة لمفهوم الجمهورية التي قامت عليه دولة الاستقلال زمن الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.تهديدات بتضاءل الرهان على المنظومة التربوية الحديثة من جهة موقعها في الموازنة المالية لتونس اليوم،بالاضافة الى انتشار ظاهرة التعليم المنغلق دينيا تحت مسميات شرعية وقرآنية ومذهبية...هذه الحالة دفعت بفعاليات مدنية الى الدفاع عن الخطاب التربوي والمنهاج المعرفي بالمدرسة التونسية،بالاضافة الى الذهاب نحو تحمل أعباء لوجستية تساهم في الحفاظ على تعلق التونسيين بمدارج العلوم في ضل تراجع واضح للمقدرة الاقتصادية وتزايد العجز عن توفير شروط التحاق أطفال وشباب تونس بمعاهدهم ومدارسهم.أبرز الفعاليات التي انخرطت في هذا السياق جمعية "المدنية" التي واضبت على التكفل بنقل ستة آلاف تلميذ وتلميذة من مقر سكناهم الوعرة نحو مدارسهم بمناطق نائية بالبلاد.هذا بالاضافة الى توفير مستلزمات الدراسة لهؤلاء مع مفتتح كل السنوات الأربعة الأخيرة.لمعرفة هذه التجربة المتميزة وخلفياتها وتفاصيلها،نلتقي في هذا الحوار الاستاذ لطفي مقطوف،رئيس الجمعية والمستشار السابق في البنك الدولي والمحاضر في جامعتي هارفارد الامريكية والسربون الفرنسية.
س:استاذ لو تقدم لنا مشروع جمعية المدنية وتنزله ضمن الحالة التونسية الراهنة؟
ج-أنا من الذين درسوا بالمدرسة التونسية بشكل مجاني،عندما كانت ميزانية التربية والتعليم زمن الزعيم بورقيبة في حدود ثلاثين بالمئة.وبفضل مدرسة الجمهرية توفرت لي فرص التفوق والالتحاق بالجامعة الفرنسية ثم الامريكية كطالب قبل أن أصبح محاضرا هناك.هذا الأمر يدفعني اليوم أخلاقيا الى الدفاع عن هذا التوجه من خلال تأسيس الجمعية والتزامها بمساعدة العائلات الضعيفة على تدريس أبناءها.وفقنا في انقاذ أكثر من ستة آلاف تلميذ بالتكفل بنقلهم ومستلزماتهم خلال السنوات الأربعة الأخيرة.بالاضافة الى ذلك عزمنا على مشروع غراسة مليون شجرة بجهات عديدة في البلاد أنجزنا منها الى حد الآن مئة وعشرين ألف.فضلا على تشغيل متخرج من الجامعة في كل بلدية في تونس في مجال انجاز وتحيين موقع الكتروني لكل واحدة ليكون عدد المنتدبين في حدود مئتين وأربعة وستين متخرجا جامعيا.هذه شهادة اعتراف مني لتونس ولا أحد له فضل على وطن أنفق عليه ورعاه من أجل بلوغ درجة عليا في المعرفة وعالم المال.أكثر مايسعدني في هذا الأمر هو التطور الباهر للتلاميذ الذين تكفلنا بنقلهم ومستلزماتهم، ونجاحهم خلال السنوات الأربعة هو أكبر مانطمح اليه.
س:أنت خريج مدرسة الجمهورية،كيف تنظر اليها اليوم؟
ج-ماتتعرض له مدرسة الجمهورية هو نفسه ماتتعرض له كل القطاعات في تونس اليوم.لقد حاول تيار الاسلام السياسي أخونة كل القطاعات والحياد بها عن وجهتها الحداثية لصالح مرجعيات وهابية لاتؤمن بمفهوم الدولة ولامفهوم الوطن.تعليم مواز تحت مسميات "خيرية"وشرعية يزرع في عقول الأطفال أسباب التخلف والعودة الى الوراء.ونفس الخراب نراه يهدد اقتصاد البلاد وأمنها وقيمها ومكتسباتها التي ضحت من أجلها أجيال الاستقلال.
س:وكيف ترى نتائج ماعم بالبلاد نتيجة حكم الاسلام السياسي؟
ج-صحيح أن الذي وقع يصعب تداركه بسرعة،لكنني على يقين أن مشروع أخونة تونس فاشل وأن ممثلي التيار الاخواني سيندثرون قريبا.هؤلاء مهما فعلوا يضلون جسدا غريبا على البلاد والتونسيون والحمد لله لهم مناعة قوية ضد هكذا مشاريع متخلفة.المرأة التونسية والشاب التونسي لن يتخلى مطلقا عن خياره الوطني الأصيل لينخرط في مشاريع معلبة تعادي الوطن وتجانب التحرر وتبشر بالعودة الى الوراء.
س:لديك محبة كبيرة لدى الاف العائلات ، ولديك احترام من النخب التونسية،لماذا لم تفكر في اقتحام عالم السياسية؟
ج-صدقني أنتظر بفارغ الصبر انتهاء آجال الترشح في الانتخابات القادمة حتى يعرف بعض المشككين أني غير معني بمسار السياسيين في تونس اليوم.عدد كبير من المواطنين لم يصدقوا أنني أنفق وأتعب في سبيل مشاريع الجمعية دون غايات سياسية.لقد اقترحوا علي في مناسبتين وزارة المالية ثم محافظا للبنك المركزي ورفضت ذلك.أولا لأني مؤمن بحاجة تونس  الى مجتمع مدني يتجاوز الخطابات لصالح العمل والتنفيذ،ثانيا لأنني لست مستعدا للعمل مع حكومة تتبنى مشروعات مستوردة ومعادية لقيم الجمهورية والروح الوطنية التي نهلنا منها في مدارسنا زمن الزعيم الراحل بورقيبة ورفاقه من بناة دولة الاستقلال.
س:كخبير اقتصادي دولي وباحث ومحاضر بأكبر الجامعات كيف تنظر الى مستقبل تونس القريب؟
ج-الحمد لله أن التونسيين نجحوا سريعا في كشف خفايا المتاجرين بالخطاب الديني.بالاضافة الى فشل الاخوان في مصر،بات من الممكن التفاءل بمستقبل مشرق لتونس رغم حجم الخراب الذي عم مختلف القطاعات.للتونسيين مناعة كبرى ضد الخطابات العنيفة دينيا ومذهبيا وسيكون لهم الفصل في القطع مع هؤلاء واعادة مادمروه في وقت قياسي أثناء حكمهم بعد الثورة.