إذا كانت المعرفة قوة، وهي كذلك حقاً، فمن الضروري أن نعرف، ونعترف، بأنه إلى جوار من ينتظر ولادة الحكومة الجديدة بقلق الراغب بالنجاح، هناك من لا يأبه لها أصلاً، لأنه لا يأمل أي شيء منها، سواء لقناعة مزمنة نتجت عن تجربة مريرة مع سابقاتها، أو لظن متمكن بضخامة الأزمة واستحالة حلها، أو لإرادة مسبقة ورغبة واعية بالتعطيل، لأن المصالح، السياسية أو الاقتصادية، تقتضي استمرار الأزمة الليبية. مؤخراً تعالت الأصوات وتعددت دعوات استبدال حكومة الدبيبة بحكومة انتقالية جديدة، وفي افتتاح جلسة البرلمان 17/01/2022، قال رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، إن حكومة عبد الحميد الدبيبة، أصبحت "منتهية الولاية، ولابد من تغييرها". وأضاف أن "الدبيبة إذا أراد العودة إلى الرئاسة فعليه أن يتقدم من جديد بحكومة لمجلس النواب، مثله مثل أي مواطن آخر".
يرى العديد من المتابعين للشأن السياسي بليبيا، أنّ ولادة حكومة جديدة ضرورة يفرضها المنطق، لغايتين (عاجلة ومستعجلة). الأولى لتخفيف الاحتقان داخل الشارع الليبي والذي تسبَّبت فيه سياسات حكومة الدبيبة، والثانية لتهيئة الأجواء للانتخابات الرئاسية، وكان مجلس النواب قد أقر الثلاثاء الماضي شروط الترشح لمنصب رئيس الحكومة المقبلة، دون تحديد موعد تغيير حكومة الوحدة الوطنية. وفي نظر العديد من السياسيين الليبيين، فلابد من حكومة انتقالية جديدة، تسهم فيها كلّ الأطراف السياسية، الكل يسهم فيها، فالحكومة هي حكومة ليبيا وليست حكومة حزب أو دولة... وكلما وسّعت المشاركة كان هذا أفضل من كلّ النواحي، وللشعور الوطني بشكل عام، وليسموها ما شاؤوا... لم يعد هذا الأمر مهماً على الإطلاق... فلتكن حكومة موسعة وفيها مزيج من سياسيين ومن تقنيين... ويبقى باب الحوار والنقاش مفتوحاً، فثمة عناوين لم تحسم بشكل نهائي، وتفضيلات ممكن تغييرها من خلال النقاش.  
 النقاشات، التي تدعو لاستقالة الدبيبة رحبت بها عدة قوى سياسية وجماهيرية، و توافرت على تباينات واضحة، بدءاً من تسمية رئيس الحكومة الجديد والمهام والشخصيات، وليس انتهاءً بآلية التشكيل والتمثيل والمحاصصة، سياسية أم قبلية... ومع تغيرات طرأت على المشهد السياسي الليبي، كان آخرها تشكيل تحالف يضم شخصيات بارزة من الغرب مثل وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا ونائب الرئيس السابق أحمد معيتيق وعشائر قوية، تضغط لتشكيل حكومة انتقالية جديدة بالاتفاق مع الشرق. وهناك رأي آخر يركب على سفينة المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا ستيفاني ويليامز، ويؤيد جميع طروحاتها وبخاصة عندما صرحت محذرة "أن تشكيل حكومة جديدة دون معالجة ملف الانتخابات يشكل نوعا من الاستقواء على إرادة الشعب الليبي الذي قالت إنه لا يريد فترة انتقالية أخرى". وهنا تحديداً، بين الأطياف المختلفة، يكمن التحدي الحقيقي الذي يواجه حكومة الدبيبة، ومفاده: كيف تُطَمْئِنُ المقتنع، وتقنع المشكك، وتقمع المعرقل، وتستميل المعارض، والمقصود بالمعرقل هنا، من يقوم، من داخل الجهاز الحكومي، بوضع العصي في العجلات، سواء بقصد تحقيق خطة تخريب ممنهجة، أو بغير قصد، بسبب قلة كفاءته أو جبنه أو قصر باعه. أما المعارض، من طيف سياسي أو اقتصادي مختلف، فهو حالة طبيعية ومنتظرة، ومن واجب حكومة الدبيبة ودورها أن تقدّم له ما يستميله ويقنعه بأهمية الانخراط في العمل، فالشراكة المطلوبة تتطلب الانطلاق نحو جميع القوى السياسية والاقتصادية وإشراكها في بناء ليبيا.

 
بيد أن واقع الحال يفرض علينا الإشارة إلى حقيقتين جليتين، الأولى: ضخامة المشاكل المتراكمة سواء مما قبل الأزمة أم بسببها، والثانية: ضخامة آمال المواطن الليبي في حكومة يمكن لها مواجهة هذه المشاكل، بهذا المعنى فإن التحدي الأول، والأهم، أمام الحكومة هو كيفية خلق الإيقاع الملائم بين الآمال والمطالب المحقة والعاجلة، وبين الإمكانات والقدرات المتوافرة على أرض الواقع، علماً أن المواطن الليبي صبور، ولكنه يريد أساساً لصبره، وهو ليس أقل من البدء الحقيقي والجدي بحل مشكلاته ومعالجة أزماته، وببساطة، لا يريد المواطن متابعة اجتماعات حكومية مطوّلة أو مشاهدة زيارات الدبيبة التلفزيونية، بل يريد توفير الغذاء والدواء والكهرباء ومواجهة خطر الوضع الوبائي الذي يهدد الجميع، يريد المواطن الليبي زيارة الكهرباء لمنزله بصورة دائمة، ولا يشحذ رغيف الخبز، وفوق ذلك كله، لن يبالي، هذا المواطن، ببيان وزاري منمّق عن مكافحة الفساد، بقدر ما سيتابع باهتمام خلاصة أحكام قضائية، باتة وسريعة وعادلة، تُحاسب ناهبي الثروات، ومعرقلي المعاملات، ومبددي الأوقات، وبالتالي بناء دولة القانون، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحقيق تكافؤ الفرص بين المواطنين بلا تمييز هو جوهر العدالة، وأن العدالة أساسها قيام دولة العدل والقانون وان المواطنين أمام السلطات العامة لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات!  
ودون أن نغفل البعد الخارجي، الذي يعرقل توافق الفرقاء الليبيين، لأن في ذلك مقتلاً لمخططاته، وهو ما شاهدنا بعض دلائله في احتضان الخارج لبعض القوى الأكثر فساداً وإفساداً من غيرها، كما في التدمير الممنهج لأسس الدولة ومقدراتها الاقتصادية والثقافية والعلمية، من الممكن استخلاص دروس للأزمة الليبية، أن الدبيبة يتباهى بإنجازات ليست له، وبأخرى ليست إنجازات، ويريد من الناس أن تصمت وألا تتكلم، فهو لا يمكن أن يطوله نقد من بين يديه أو من خلفه! عندما يتحدث الناس عن عدم إمكانية الكلام علاوة عن عدم فائدته، فعلى الدبيبة أن يكون حزيناً لأن ما يفعله لا يعني الناس! وإذا ما تحدث الناس عليه أن يفرح، فهم على الأقل يجدون بارقة أمل لذلك تحدثوا!  
وعلينا أن نعترف، أنّ الحديث اليوم عن حكومة انتقالية جديدة، كمخرج من الأزمة أو فاتحة لمرحلة الانتخابات الرئاسية، قد لا يوصّف المشهد بشكل دقيق، إذ إننا بحاجة في الحالتين إلى حكومة انتقالية وطنية موسعة تضمّ مختلف القوى السياسية الموجودة على الساحة السياسية الليبية، لتهيء المناخ لإجراء الانتخابات والأهم القبول بنتائجها. وبهذا المعنى، إنَّ العودة إلى الحياة السياسية، التي تشكل فيها الأغلبية النيابية، يمكن أن تكون قائمة في ليبيا، ولكن ليس في الوقت الراهن، بل عندما يتوافر الظرف السياسي والمناخ الملائم... وبالمحصلة، يقول المواطن الليبي: لا تملك الحكومة الانتقالية الجديدة فترة السماح المتعارف عليها، فإما وزراء للعمل الهجومي الإيجابي السريع والمباشر، وإما لا حاجة لأصحاب معالي جدد، وما يعنيه ذلك من سيارات ونفقات يدفعها من ضرائبه وأمواله.

كاتب صحفي من المغرب.